همتك نعدل الكفة
117   مشاهدة  

أحمد عدوية.. البحر الذي غرق فيه الجميع

أحمد عدوية
  • ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال



يصعب التعامل مع المطرب أحمد عدوية بصفته صاحب مدرسة متفردة لم تكن امتدادًا لمدارس سبقته في الغناء الشعبي لأنه كان امتدادًا طبيعيًا لما اتي به محمد عبد المطلب ومحمد رشدي وأنور العسكري، وأن بدا أكثر تمردًا وجرأة كي يتلائم مع مفردات عصره، في نفس الوقت يصعب اختزاله كونه أهم إفرازات “عصر الانفتاح” بقبحه واستهلاكيته، الذي جعل المثقفين والنخبة تقتات على سيرته ويفرغون غضبهم تجاه العصر والنظام فيه هو وكأنه المسئول الأول والأخير عما حدث.

ما بين هذا وذاك انتزع “عدوية” رغمًا عن الجميع شعبية لم ينازعه فيها أحد، وكل من اقترب من تقليده انهار سريعًا، مهد الطريق أمام جيل جديد من المطربين الشعبيين وتلقى الطعنات والهجوم على الأغنية الشعبية وحده، رفض المشهد الرسمي الاعتراف به وأجبره رئيس الرقابة على ارتداء بدلة كاملة بدلًا من الجلباب كي يوافق على إصدار تصريح لشريطه، حتى أصبح أيقونة الغناء الشعبي في فترة كانت الأغنية المصرية تعيش تقلبات سريعة ومتطرفة نحو لفظ شكل غنائي تقليدي أجبر عليه الجميع.

واكب ذلك ظهور وسيط جديد “الكاسيت” كان “عدوية” نجمه الأول، تخلص من هاجموه من أفكارهم وأعادوا رؤيته بعين حيادية بعيدًا عن أي أدلجة أو تنظير مبالغ فيه، وفوق كل ذلك لم يكن عدوية مباليًا سوى بفعل شئ واحد فقط.. هو نشر البهجة والانبساط، يقف كي يحيي أعضاء فرقته واحدًا تلو الأخر ويمنحهم إطراء يستحقوه تمامًا؛ ثم يضع الميكروفون تحت إبطه و يرقص رقصته الشهيرة التي أصبحت ماركته المسجلة مع أداء مسرحي طاغي يصاحب فيه الجميع دون استثناء في ليالي الأنس والفرفشة.

أحمد عدوية
عدوية ورقصته الشهيرة

عم يا صاحب الجمال

في كل عصر تأتي أغنية كي تعلن نهاية حقبة فنية وتدشين حقبة جديدة، شكلت “تحت الشجر يا وهيبة” انطلاقة هامة أعادت إحياء مسيرة “محمد رشدي” الفنية وجعلت مطرب بشهرة “عبد الحليم حافظ” ينصاع إلى التيار الغنائي الجديد.

كذلك أتت “السح الدح أمبو” كي تعلن بداية مرحلة جديدة بطلها الأول هو “أحمد عدوية”، الذي كسر احتكار “عبد الحليم حافظ” للمبيعات في عام 1975، يسخر منه “عبد الحليم” في أغنية “السح الدح أمبو” ليرد عليه “عدوية” السخرية في “نار يا حبيبي نار.. فول بالزيت الحار”؛ ثم يغني حلو وكداب على طريقته الخاصة وكأنه يقول: (أنا لا أنافس أحد.. ولا اعتقد أن هناك أحد ما يرغب في منافستي).

YouTube player

كانت “السح الدح أمبو” الفرخة التي باضت ذهبًا لمنتجها “عاطف منتصر”، رغم عدم اهتمامه في البداية بالتعاون مع مطرب مجهول.. لكن بعد النجاح الكبير أدرك أنه الورقة الرابحة التي سوف يبني عليها نجاحات شركة “صوت الحب”.

كان المشهد الغنائي مرتبكًا كثيرًا؛ فقدت الإذاعة بريقها لأسباب سياسية “النكسة” أو بيروقراطية ناتجة عن فرض أغنيات بعينها على المستمع الذي بدوره بدأ يمل المشهد كله  وقرر البحث عن صناعة نجمه الخاص، ويتصادف ظهور الكاسيت ليلعب و الوسيط لثقافة بديلة كسرت جمود الأغنية الشعبية، وكان “عدوية” أبرز ظواهر تلك الأغنية الشعبية الجديدة؛ بمفردات مستقاة من قاموس الشارع المصري الذي يفهمه المستمع العادي “جوز ولا فرد، حبة فوق حبة تحت”

بين يوم وليلة أصبح “عدوية” النجم الأول للملاهي الليلية والفنادق الكبرى، أخذته السينما إلى ملعبها في سلسلة أفلام أغلبها تنتمي إلى فئة “أفلام المقاولات”، كما أطلق عليها النقاد في ذلك الوقت، كان مجرد وضع اسمه وصورته على غلاف أي فيلم ضمانة لرواجه حتى لو ظهر بصورته الحقيقية كمطرب أو في صورة كاريكاتورية كما فيلم “أنياب”.

YouTube player

راحوا الحبايب

تعلم “عدوية” من خطأ “رشدي” الذي اعتمد على جناحين فقط في مشروعه الشعبي “الأبنودي وبليغ حمدي”، الذي اختطفهما منه عبد الحليم حافظ ليدخل بعدها في طي النسيان، لذا ركز عدوية على أجنحة عديدة شكلت مشروعه الغنائي، وجود شاعر مختلف ومتمرد لم يأخذ القدر الكافي من التقدير “حسن أبو عتمان” مع أجنحة موسيقية عديدة “محمد عصفور، حسن أبو السعود، فاروق سلامة” حتى تبلور المشروع وأصبح مطمعًا لدخول أسماء أخرى إليه، فنجده يتعاون مع سيد مكاوي وبليغ حمدي، ثم “هاني شنودة” ذو التوجه الموسيقي الغربي؛ كي يصنع معه ضربته الثانية “زحمة” والتي شكلت مجد “عدوية” الثاني في سوق الكاسيت.

YouTube player

قدم “عدوية” سلسلة من الأغنيات والمواويل والسهرات، التي تعكس مشروعه الغنائي المتمرد، المرتكز على صوته وقدرته الرهيبة على التحكم فيه.. يسانده في ذلك كوكبة من أساتذة العزف في مصر مثل “عبده داغر، سامي البابلي، سيد أبو شفة، حسن أبو السعود”، فنجد تناغمًا لا مثيل له؛ الكل يعرف مساحته ودوره ولا مانع من الخروج عن النص بالارتجال سواء في الغناء أو العزف.

كانت أغنياته تشبه الناس كثيرًا وتعيد رواية ما يشاهدونه في واقعهم اليومي، كان صوتهم.. ثم جاء الحادث المأساوي ليذهب صوته بلا رجعة تحت وطأة لحظة خِسة ونذالة من شخص لم يعجبه أن يكون عدوية نجمًا في وجوده.

إقرأ أيضا
المستوطنون

رغم الظلم الذي تعرض له “أحمد عدوية” أثناء نشاطه الفني فإن الإنصاف أتى إليه بعد هذا الحادث في حفل أقيم احتفالًا بتماثله للشفاء وحضره أغلب نجوم مصر، انتزع “عدوية” شرعيته الفنية متأخرًا، ومع ظهور موجات غنائية شعبية جديدة أدرك الجميع أنه كان متفوقًا عنهم بمسافات شاسعة وأن ما قدمه لم يختلف كثيرًا عما قدمه أسطوات الغناء الشعبي في مصر، الذي احتل فيه ركنًا هامًا لا يقدر أحد على زحزحته.

المشهد الختامي

رغم ما يشكله رحيل أحمد عدوية من صدمة لدى الجميع، فإن الحقيقة تقول أن مسيرة “عدوية” الفنية تقترب من 15 عامًا فقط؛ صنع فيها كل هذا الزخم الفني والجدل غير الطبيعي حول أهمية فنه، وكان الحادث المأساوي الذي وقع له عام 1989 ونجا منه بأعجوبة هو خاتمة تلك المسيرة؛ فلم يعد عدوية كما عرفه الجميع، تقلص وجوده على الساحة بشكل كبير ومثلما كان رمز التغيير الأول في سبعينات القرن الماضي دار الزمن دورته في التسعينات مع ثورة الكاسيت الثانية، التي مهدت لظهور جيل جديد وأغنية جديدة، حاول أن يتماهى معه بإعادة تنسيق وتوزيع أغنياته القديمة، لكن ظلت الروح القديمة هي المسيطرة على أغنياته وكأنها تجربة أصلية لا يجب المساس بها أو عمل تحديثات عليها؛ لإنها تحتوى على بصمة صوت عدوية وبحته المميزة التي وضعته كأيقونة رغب الجميع في تقليدها، وكانت أغنياته كالبحر الذي رغب الجميع في اقتحامه والغرق فيه.

ملف الأغنية الشعبية في مصر أحمد عدوية الأب الروحي للأغنية الشعبية في مصر

الكاتب

  • أحمد عدوية محمد عطية

    ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
1
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان