أحمد عرابي ورؤساء مصر .. من إنصاف عبدالناصر إلى نعي السيسي للمشير طنطاوي
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
يحكم الاحترام العلاقة بين الزعيم أحمد عرابي ورؤساء مصر منذ أن تحولت إلى جمهورية عقب الإطاحة بأسرة محمد علي باشا التي كان أمراءها ألد الخصام لأي شيء له صلة به.
سنوات الحط من أحمد عرابي
رغم أن عباس حلمي الثاني أصدر عفوًا عن أحمد عرابي في 11 يونيو سنة 1901 م إلا أنه اعتبر في ص 105 من مذكراته بعنوان عهدي ثورة أحمد عرابي بأنها جنونية، ووصفه بأنه ضابط غير ملتزم ومن أصل شعبي شارك في فتنة عسكرية.
لم يجرؤ مؤرخ واحد خلال حكم أسرة محمد علي باشا أن يتناول سيرة أحمد عرابي باستثناء عبدالرحمن الرافعي حين طبع عام 1937 كتاب الثورة العرابية والاحتلال البريطاني، لكنه اعتبر أن الكتاب استعرض كل وجهات النظر التاريخية تجاه الحدث لا الشخص، فأراد طبع كتاب خاص عن أحمد عرابي نفسه وهو كتاب الزعيم الثائر أحمد عرابي في يناير 1952 لكن أجهزة الأمن في مصر الملكية صادرت الكتاب ولم يُفْرَج عنه إلا بعد ثورة يوليو 1952 م، ويوثق عبدالرحمن الرافعي في كتابيه عن موقف المصريين من عودة عرابي «كانت عودة عرابي بواسطة الإنجليز سببًا في استقبال الأمة له بالفتور والسخط»، بالتالي فإن عرابي عاش 10 سنوات منبوذًا حتى فارق الحياة.
أعطى الضباط الأحرار الاعتبار الكامل للزعيم أحمد عرابي فهو يمثلهم من حيث الأصل، وسمحت الأجهزة الإعلامية بطبع كل شيء وأي شيء يخص الزعيم أحمد عرابي.
أحمد عرابي ورؤساء مصر .. عبدالناصر بالجلاء ونجدة الحفيد
جاءت أقوى صور الاهتمام بالزعيم أحمد عرابي في عهد الرئيس جمال عبدالناصر منذ لحظاته صعوده الأولى لكرسي الحكم، ففي اتفاق الجلاء وأثناء مروره مع أنتوني نتنك لتوقيع الاتفاقية، كانت صورة أحمد عرابي في الممر، مما أعطى رسالةً معنوية مفادها «دخلتم مصر باحتلال جراء ثورته، لكننا نكرمه بتوقيع إتفاقية جلاءكم بوجود صورته لأن هذا حقه».
شيء آخر تميز به النظام الناصري وهو الاهتمام بأفراد عائلة الزعيم أحمد عرابي ففي أغسطس عام 1968 نُشِلَت ساعة أحمد عرابي من جيب حفيده عبدالقادر محمد أحمد عرابي في أوتوبيس خط 12، وكانت ساعةً مرصعة بالذهب والماس أهداها مهراجا الهند إلى أحمد عرابي وتقدر قيمتها بـ 200 ج وقام 4 سارقين بالذهاب إلى الجواهري لفك أجزاءها، ولم تهدأ الأجهزة الأمنية إلى بعد أن تمكنت من القبض على الجناة الأربعة والذهاب إلى محل الجواهري لأخذ أجزاءها ثم أعطوها إلى حفيده.
السادات ومبارك .. تكريم بالمنشآت والتثقيف وتناسي في أحيان أخرى
لم تختلف علاقة الاحترام بين أحمد عرابي ورؤساء مصر في عهد السادات ومبارك، فالسادات افتتح متحف أحمد عرابي سنة 1973 م، وهو نفس المتحف الذي تم تهميشه تمامًا في عهد مبارك، إلا أن نظام مبارك أطلق اسم أحمد عرابي على محطة مترو فضلاً عن عددٍ من الشوارع في الجيزة والإسكندرية.
وعلى المستوى الثقافي فقد طُبِع مالا يقل عن 7 كتب عن أحمد عرابي، إلى جانب مئات المقالات التاريخية، وعلى الصعيد الفني أيضًا كان أحمد عرابي حاضرًا، فجسد رياض الخولي شخصيته في مسلسل بوابة الحلواني، والفنان صلاح رشوان في مسلسل قاسم أمين.
في عهد الرئيس السيسي .. عرابي في نعي المشير طنطاوي
كان هناك ربط تاريخي شديد العذوبة خلال كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي في نعي المشير طنطاوي، إذ أن وزير الدفاع الأسبق رحل في ذكرى رحيل ناظر الجهادية عرابي.
كذبة تاريخية لا تصدقها تقول: وقفة أحمد عرابي أمام الخديوي لم تحدث
كذبة تاريخية تقول أن المشهد الشهير الخاص بوقفة عرابي أمام الخديوي توفيق في سبتمبر من عام 1881 م، هو مشهد وهمي لم يحدث لا حرفًا ولا لفظًا ولا مشهدًا ولا حوارًا لأن أحمد عرابي لم يقابل الخديوي من الأصل.
تلك الكذبة التاريخية تبناها الإعلامي إبراهيم عيسى في برنامج 25/30 على قناة القاهرة والناس يوم 17 سبتمبر عام 2014 م، والدكتور يوسف زيدان على قناة ON Ent في 15 أكتوبر عام 2017 م.
الحقيقة أن أحمد عرابي لم يخترع قصة مقابلته مع الخديوي توفيق، فهناك غيره أكد ذلك وكانوا شهود عيان منهم الشيخ محمد عبده في مذكراته من ص 129 حتى ص 131 ومعه أحمد شفيق باشا رئيس ديوان الخديوي توفيق في ص 120 من كتاب مذكراتي في نصف قرن – الجزء الأول.
أما عن جملة «لقد خلقنا الله أحرارًا ولم يخلقنا تراثًا أو عقارًا» فهي لم تحدث ومصدرها هو أحمد عرابي حيث قالها في ص 299 من مذكراته المسماة «كشف الستار عن الأسرار فى النهضة المصرية المشهورة بالثورة العرابية» التي حققها عبدالمنعم إبراهيم الجميعي.
بينما في ص 54 من مذكراته التي كتبها بعد النفي وحققها محمد فريد السيد حجاج نجد أن أحمد عرابي قال «المرحوم الخديوي حيانا بإجابة تلك المطالب العادلة»، وهو ما ذكره رئيس الديوان الخديوي نفسه في الفصل الخامس والسادس من مذكراته.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال