رئيسة التحرير
رشا الشامي
همتك نعدل الكفة
98   مشاهدة  

أخاف على “حرف” من خلاف نوارة والباز

حرف
  • باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



احتدمت الخلافات بين الدكتور محمد الباز، رئيس مجلس إدارة وتحرير جريدة “الدستور”، والكاتبة نوارة نجم، بعد أن صعّد الباز من لهجته الإعلامية، متّهِمًا الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم بـ”الإرهاب” و”إهانة الجيش المصري”. وعلى إثر هذه التصريحات، بادرت نوارة بتقديم شكوى ضده وضد الإعلامي أحمد موسى إلى نقابة الصحفيين.

كمواطن، لا تستوقفني هذه الخلافات التي وصلت إلى حد الخصومة كثيرًا، فالرجل – أحمد فؤاد نجم – قد غادر دنيانا، تاركًا وراءه إرثًا شعريًا فريدًا وبصمة لا تُمحى من الذاكرة.

تشغلني جريدة “حرف”

شعار حرف
شعار حرف

لكن كباحثٍ وأرشيفجي، تشغلني جريدة “حرف”، وهي أول إصدار رقمي “ثقافي” يصدر عن مؤسسة “الدستور”، ويشرف عليها محمد الباز ويكتب فيها، وتضم نخبة من الكُتَّاب الذين سطّروا بين دفّاتها، على مدى 75 عددًا (حتى الآن)، مقالاتٍ ثرية، وتجربتها جادّة، وقراءتها متعةٌ ومعرفةٌ في آنٍ معًا، فهي تجربة تستحق المتابعة حقًا.

محمد الباز
محمد الباز

المفارقة اللافتة في مسار جريدة “حرف” أنها، رغم هجومها الشديد على الشاعر أحمد فؤاد نجم، جاءت بعيدة كل البعد عن حيثيات الحكم الصادر بسجن الدكتور محمد الباز، كما أنها لم تلامس جوهر دفاع نوارة نجم عن والدها، إذ إنّ غضبها كان من فيديوهات محمد الباز.

ورغم أن الجريدة شنّت هجومًا قاسيًا على “نجم”، واتهمته بسرقة القصائد، وتطرّقت إلى ما وصفته بـ”تاريخٍ ملتبس مرتبك”، إلا أنها وصفته بـ”الشاعر الكبير” في مناسبات عدّة.

نوارة نجم
نوارة نجم

من ذلك، الحوار الذي أجراه الصحفي محمد نصر مع هند سعيد صالح حول العلاقة بين والدها، الفنان الكبير، والشاعر أحمد فؤاد نجم (العدد 30، بتاريخ 31 يوليو 2024، ص23 نُشر إلكترونيًا في 7 أغسطس)، حيث جاء الوصف تقديريًا، خاليًا من أي تلميح للهجوم.

بل وحتى في العدد الذي تضمّن الهجوم الأعنف على الفاجومي، حين وُصف بالـ”فضائحي”، لم يتردّد محرر الجريدة في تقديم الشاعر حسين عبد الجواد بالإشارة إلى نجم بوصفه “الشاعر الكبير” (العدد 21، بتاريخ 29 مايو 2024، ص4 نُشر إلكترونيًا في 31 مايو).

لماذا أخاف على “حرف”؟

حرف

نختلف أو نتفق مع محمد الباز ومواقفه، ونختلف أو نتفق مع ما تنشره جريدة “حرف” من موضوعات، لكن تبقى في مسيرتها حقيقتان يصعب إنكارهما، مهما كانت زاوية النظر أو حدّة الخلاف.

الحقيقة الأولى: أن “حرف” جمعت بين دفّاتها نخبةً متنوعة من الكتّاب، كبارًا وصغارًا في السن والتجربة، وكثير منهم يمتلك موهبةً حقيقية وقدرةً على التقاط الفكرة وبنائها.

والحقيقة الثانية: أن الجريدة، في موضوعاتها المثيرة للجدل – أو بلغة الصحافة، تلك التي تحمل “لقطة نوعية” – والمظلومة أحيانًا بعناوينها الاستفزازية، ترتكز في مضمونها على ركنين أصيلين: البحث، والأرشيف. وبين هذين الركنين، يتسلّل تحليل الكاتب، وتُترك مساحةٌ واسعة للقارئ كي يردّ على البحث ببحث، ويقابل الأرشيف بأرشيف، ويفكّك التحليل بتحليلٍ مضاد.

هذا الأسلوب المنهجي الذي تميّزت به موضوعات “حرف” – ومنها ما كان نواة للهجوم على أحمد فؤاد نجم – إذا طبّقنا معاييره على اتهام أحمد فؤاد نجم، فمؤكّد أننا سنجد أن اتهامه بالإرهاب والتحريض على الإرهاب سخيف من الناحية التاريخية والمنطقية، بل لو أني تحايلت وبعثت بموضوعٍ إلى “حرف” أنعت فيه أحمد فؤاد نجم بالإرهاب فسيرفضه محمد الباز نفسه بمعايير “حرف” لا برأيه في “الفاجومي”، ويحسب لـ “محمد الباز” أن “حرف” لم تدخل طرفًا (إلى الآن) في إزكاء نار اتهام أحمد فؤاد نجم بالإرهاب.

أحمد فؤاد نجم
أحمد فؤاد نجم

إذا طبقت أسلوب “حرف” في موضوعاتها فسأقول: مبدئيًا، وقبل أي حكم أو تأويل، لا يصح – لا منطقيًا ولا تاريخيًا – أن نقيس أجواء عام 1981 بمقاييس سنوات مثل 2013 أو 2025. الفارق في السياق، والمناخ، والحسابات يجعل أي مقارنة من هذا النوع مجازفة تُفضي إلى أحكام غير منصفة.
وإلا لوجب علينا – بنفس المنطق – أن نهاجم محمد الباز نفسه لاستضافته إبراهيم عيسى، الذي مدح الإخوان بقوة، في وقتٍ كان فيه الباز و”الفجر” و”روز اليوسف” يهاجمون الإخوان!

نعم، من حيث المبدأ، قصيدة أحمد فؤاد نجم التي كتبها بعد اغتيال الرئيس أنور السادات – والتي امتدح فيها خالد الإسلامبولي – كانت خطأ، وكل من سار على درب أحمد فؤاد نجم في هذه النقطة كان على خطأ.
ولا مجال للمراوغة هنا؛ فالقصيدة، بمعايير الموقف الأخلاقي والوطني، خاطئة.

لكن، هل يعني ذلك أن نجم ومَن سواه إرهابيون؟
قولًا واحدًا: لا.

لنعد قليلًا إلى الخلف…
نحن نتحدث عن رئيس دولة – أنور السادات – دخل في صدامٍ مفتوح مع مختلف أطياف المجتمع المصري (كله): من الأزهر إلى الكنيسة، ومن الصحافة إلى القضاء، ومن الجامعات إلى الأحزاب، ومن التيارات اليسارية إلى الإسلامية، بكل تفرّعاتها، بمن فيهم جماعة الإخوان المسلمين، التي كان السادات نفسه أحد القضاة الذين حكموا عليها بالإعدام عام 1954م.

كان السادات يعرف حقيقتهم، ومع ذلك، في لحظةٍ سياسيةٍ ما، مدّ إليهم يده، فتح التحالف، وقدّم لهم الدعم عن طريق الدولة، دعمًا ماليًا وتسليحيًا – وهذا ما ورد تفصيلًا في مذكّرات اللواء فؤاد علام.

فإن كان الحكم على النيّات والمنطلقات بهذه السهولة، أفلا يجوز أن يُقال إن السادات نفسه كان شريكًا في تمكين الإرهابيين؟
أفلا يمكن، بنفس منطق الإدانة، أن يُتَّهَم بالخيانة أو التورّط أو الانحراف عن المبادئ، وجرّ مصر إلى الإرهاب الذي طال الجميع، بمن فيهم أنور السادات نفسه؟

طبعًا لا. فالسادات (كان مضطرًا لأسبابٍ سياسية) لأن يعقد صفقة مع الإخوان وتيارات الإسلام السياسي، في لعبة “التوازنات السياسية” التي كان يجيدها، حتى فقد السيطرة عليها، فقضت عليه في النهاية.

التشبيه نفسه في المجمل ينطبق على أحمد فؤاد نجم كـ (شاعر) يتفاعل لحظيًّا مع الأحداث، وله فيها أهواء، فهو من الخصوم التاريخيين للسادات، وبالتالي كان — بسبب تفاعله اللحظي، وكشاعر له خصومة مع السادات — قد كتب تلك القصيدة.
ورؤية أحمد فؤاد نجم لقتل السادات سنة 1981م لم تكن رؤيته وحده، فقد رأت فئات واسعة من الإسلاميين أن الاغتيال انتصارٌ للمشايخ الذين اعتُقلوا، كما رأى بعض المسيحيين أن مقتله “معجزة إلهية”، بسبب ما فعله السادات في البابا شنودة.

المسألة أعقد من أن تُختصر في تهمة “إرهاب” تُلقى جزافًا على شاعرٍ كتب قصيدة، دون قراءة ما قبل تلك المرحلة، وما أحاط بها، وما تلاها.

من الحجج المتكررة التي تُستدعى لتوصيف أحمد فؤاد نجم بالإرهاب: أن ما فعله يومًا بامتداح خالد الإسلامبولي، قد يتكرّر في المستقبل حين يمتدح أحدهم إرهابيًّا مثل عادل حبارة أو هشام عشماوي.

إقرأ أيضا
حرف

لكن هذا القياس، في جوهره، ساقط؛ ليس فقط لأن الشعب اليوم بات يعرف شكل الإرهاب ويعاينه وجهًا لوجه، بل لأن الوعي الجمعي نفسه قد تغيّر، وتطوّر، ولم يعد كما كان في سبعينيات الوعي المكبوت.

في تلك الحقبة (السبعينيات)، لم يكن وعي المواطن مكبوتًا فقط، بل كانت أدوات تشكيل هذا الوعي خاضعة تمامًا لإرادة النظام الحاكم.
لم تحشد الدولة الشعب ضد الإرهاب، رغم وقوع أحداث طائفية خطيرة في أسيوط والمنيا والخانكة والزاوية الحمراء، ولم تعبّئ الجماهير حين اغتِيل الشيخ محمد حسين الذهبي على يد جماعة “التكفير والهجرة”.

بل العكس هو ما حدث: كانت يد الدولة اليمنى تُغدق الوعود على الإسلاميين، تتودد إليهم بشعارات براقة عن “العلم والإيمان”، وتدعمهم في صراعهم ضد الشيوعية في أفغانستان، بينما يدها اليسرى تُلاحقهم بالمحاكمات العسكرية — في ازدواجية فجّة خلقت تشويشًا عامًا في وجدان الناس، خدمه الإعلام.

حينها، بدا أن النظام ذاته يُربّي خصمه في حضنه، حتى اصطدم الأزهر، بكل وسطيّته، مع الكنيسة في سنوات الحَبرية الأولى للبابا شنودة، بسبب هذا التلاعب السياسي بالعقيدة والمقدسات.

في هذا السياق المشوّش، هل يمكن أن نعتبر أحمد فؤاد نجم “محرضًا على الإرهاب”؟
ببساطة: لا.
بل إن مجرد طرح السؤال يبدو سخيفًا.

المُحرّض، في تعريفه، يظل حتى وفاته حاملًا لنفس الفكرة، داعيًا إليها، غارقًا فيها.
وهذا، تحديدًا، ما لا ينطبق على نجم.
كيف يُتّهم بالتحريض، وهو الذي هاجمه الإسلاميون عام 1977 حين انحاز إلى الانتفاضة واصفًا إياها بـ”انتفاضة الجياع”، بينما وصفوها هم بـ”انتفاضة الحرامية”؟
كيف يُوصم بالإرهاب، وهو الذي ظل حتى وفاته خصمًا عنيدًا للإسلام السياسي، الذي وصفه رموزه بـ”الشاعر الزنديق”، جنبًا إلى جنب مع وصف السادات له بـ”الشاعر البذيء”؟

أما قصيدة “خبطنا تحت بطاطنا”، التي قيل إنها تُهين الجيش المصري، فإن المنطق ذاته ينطبق عليها.
مع العلم أن جريدة “حرف” نفسها شكّكت في نسبتها إليه.
وكيف يتم اتهامه بإهانة الجيش المصري، ويُتجاهل في المقابل مدحه للقوات المسلحة، حتى قبل نصر أكتوبر 1973م؟

هذه الردود على اتهام أحمد فؤاد نجم بالإرهاب، تمضي على نمط موضوعات جريدة “حرف” البحثية والتاريخية، مما يجعلني أكرر مرةً أخرى:
لا مجال لاختزال الشاعر في لحظة، ولا يجوز إدانة التاريخ بجملةٍ من قصيدة.
فالحكم العادل لا يُبنى على المزاج، بل على الوعي بالسياق، والعدل في التحليل.

الكاتب

  • حرف وسيم عفيفي

    باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان