أربعة ريشة
-
مريم المرشدي
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
كنتُ أعاني من آلام حادة بالأذن، فاتصلت أمي بالمستشفى الروماني في منطقة الحضرة بالإسكندرية لتسأل عن طبيب، فأخبروها عن وجود طبيب للأنف والأذن والحنجرة يدعى “شريف ويصا”.
ذهبت لألتقي رجلا مثل قطعة السكر حرفيًا، محترم للغاية وإنسان فوق الوصف، لا تفارق الإبتسامة وجهه وهو يتعامل مع مرضاه، فلا يعاملهم كأنهم حمير أو بهائم “لازم ياخدوا الدوا ويسمعوا الكلام وبس”، بالعكس تمامًا، يأخذ معك في الكلام ويعطي، ويشرح لك طبيعة مرضك ومسبباته، وعندما تراه يتعامل مع الأطفال تشعر أنك ترى أب يتعامل مع أبنائه، وإذا ما خاف طفل من الكشف وبكى، وضعه على حجره وداعبه وأعطاه قطع من البونبوني إلى أن يهدأ ثم يقوم بالكشف عليه بهدوء.
أسترق السمع كعادتي، تلك الخصلة المهببة التي أجيدها ببراعة والتي لا أستطيع التخلص منها، فإستمعت لبعض مرضاه الذين قد أجرى لهم عمليات جراحات في الأذن أو لإبنائهم عمليات إستئصال اللِوز يقولون كم إنه ممتاز كطبيب، ورحيم رفيق كإنسان، يطلب منهم أرقام هواتفهم ليتصل بهم ويتابع معهم الحالة إلى أن يشفى المريض أو الطفل ويقوم بالسلامة.
هذا الكائن الملائكي النوراني الجميل البشوش، الذي تتمنى أن يكون قريب منك، وأن تكون قريب منه، ينتظره الناس في ازدحام رهيب مهيب، فيحجزون أدوارهم من السادسة صباحًا وينتظرون مجيئه في التاسعة.
تعرفت في الإستشارة على سيدة في أوائل الأربعينات، جاءت ومعها زوجها وابنها الذي كان لا يتجاوز التاسعة من العمر واسمه يوسف، كانوا بسطاء وودودين وطيبين.
كان الصبي الذي ارتدي تيشرتًا كاكيًا قماشه أشبه بما يرتدونه ضباط الصاعقة يردد همسًا قائلًا: ” يا كفاتس أربعة ريشة يا كفاتس أربعة ريشة”، نهرته أمه، فضحك أكثر وهو يقول ساخرًا: “طب ريشة واحدة”.
ربتتُ على شعره ثم قلت : حلو أوي يا يوسف اللبس بتاعك ده، ممكن تسلفهولي ؟؟
قهقه ضاحكًا وقال : لو يجي مقاسك خديه..
ضحكتُ وأردفتُ :
_ حييجي مقاسي وحلبسه يا لمض، بس أنا زعلانة منك، عارف ليه ؟..
= ليه ؟؟
_ عشان مينفعش تقول أربعة ريشة دي، إحنا كلنا بنعبد ربنا، وإلهنا واحد، مفيش حاجة اسمها مسلم ومسيحي يا يوسف، وبعدين أنت ترضى حد يتريق على دينك ؟؟.. حتحس بإيه لو حد قال حاجة ضايقتك على دينك ؟؟؟…بص، أنت سافرت القاهرة قبل كده ؟
= أيوه سافرت..
_ سافرت زراعي ولا صحراوي ؟
= مش فاهم !!
_ حافهمك، عشان تسافر القاهرة فيه طريقين، طريق زراعي وطريق صحراوي، والطريقين بيوصلوا للقاهرة، يعني لو سافرت زراعي حتوصل ولو سافرت صحراوي برضه حتوصل.. زي الإسلام والمسيحية كده، الإتنين طريقين، والإتنين بيوصلوا لربنا، فمينفعش نتريق على طريق بيوصل لربنا ونقول أربعة ريشة والكلام ده..صح ولا كلامي غلط ؟
= لا صح..
_ وزي ما أنت متحبش حد يتريق على الطريق الزراعي اللي أنت اخترته عشان تسافر القاهرة، أكيد اللي اختار الصحراوي ميحبش حد يتريق على اختياره…تمام ؟
= تمام…..
قالها وهو يبتسم، وجاء ليجلس بجواري ثم نظر للتابلت الذي كنت أقرأ فيه كتابا إليكترونيا وتسائل : التاب ده عليه العاب ؟
أجبته : لا والله معلش…لو كنت أعرف إني حقابلك كنت نزلتلك ألعاب عليه..
وأعتقد انه لو كان أكبر في العمر كنت سوف أتحدث معه بتوسع أكثر من تلك الكلمات البسيطة، فكنت سأقول :
ربنا قال : ((تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا))…مقالش من كان مسلمًا.
وقال : ((إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ))… ماقالش ان المسلمين في جنات النعيم.
وقال : ((إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)) …مقاالش ان اكرمكم عند الله اسلمكم.
وقال : ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء)) وقال : ((فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى)) ..ده أمر من ربنا ونهي عن تزكية النفوس لأنه هو وحده العالم بالقلوب والنوايا.
وقال : (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)) …ربنا اللي حيفصل بين البشر يوم ما يقفوا بين ايده ..مش أنت ولا أنا ولا حد.
ربنا قال : ((يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ))…..قال لمن يشاء، لمن يشــــــــاء، وقدم المغفرة على العذاب وأكدها بالغفور الرحيم.
معرفش ليه بصراحة المسلمين مصرين على تزكية أنفسهم؟…وليه مصرين إنهم الوحيدين اللي على حق؟؟ وليه أنت كمسلم مصمم على احتكار الجنة لصالحك أنت وبس؟؟ زحمة مثلا وعايز تلحقلك مكان فيها ؟ ولا عندك واسطة غير أعمالك اللي حتقابل ربك بيها؟؟، ولو فيه شخص مش مسلم ومحترم وأخلاقه كويسة وبيساعد خلق ربنا وبيعاملهم بإنسانية زي دكتور شريف أو دكتور مجدي يعقوب، هل حيدخل جهنم عشان بس هو مش مسلم ؟، أي عدل ده اللي يخلي إله يحط واحد في عذاب أبدي وهوا كان ماشي صح في الدنيا وبيعمل كل شئ طيب وخيّر؟!!
بلال فضل كتب في مرة جملة عظيمة :
“من هو الأبله الذي يتصور أن الله خلق مليارات البشر لكي يلعبوا دور الكومبارس في تمثيلية مشهد النهاية فيها أن يدخل المسلمون فقط إلى الجنة ؟! ”
دينّا مأمرش إننا نكفر حد ولا نقول ده كافر وده مؤمن، حتى الآية اللي العالم ماسكة فيها ومتبتة (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) ربنا هو اللي بيقول وهو اللي حيحاسب، ليه تنصب نفسك إله، وإنت نفسك مضمنتش تدخل الجنة اللي بتوزع صكوكها دي!!
وفي نفس الوقت ربنا في القرآن مثلا نهى عن السخرية وأمر بنص مكتوب إننا ما نغتبش بعض ولا نتنابز بالألقاب(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، هل إحنا بقي بطبيعتنا كبشر بننفذ حرفيا كل ما قيل في القرآن؟؟!، هل عمرك متريقتش أو سخرت من حد أو تنمرت بحد؟؟، طب هل عمرك ما اغتبتش حد وأكلت في لحمه ؟؟ (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ)، ولا يغتب، نهي صريح أهو.
ربنا قال كمان ((قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) هل حضرتك بتنفذ الأمر الإلهي ده ومبتبصش على الستات والبنات الماشيين في الطريق ؟؟؟!!!!، وقال كمان (وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ) شوف بتضيع فلوسك فين وعلى إيه ؟؟، وكتير من الأوامر والنواهي ربنا أمر بيها، هل حضرتك بتنفذ حرفيا اللي قاله في كتابه الكريم ؟؟؟؟؟؟؟!!!!!
دينّا دين تسامح ولين ومكارم أخلاق، مش دين تكفير وإقصاء ولعن، ولا دين اللهم دخلهم جهنم وزلزل الأرض تحت أقدامهم وإخرب بيوتهم وأدخلهم النار ويتم أبنائهم ورمل زوجاتهم !
ده الرسول عمره ما دعى على أهل الكتاب، حتى أهل الطائف لما آذوه وجرحت أقدامه الكريمة مدعاش عليهم برغم إن جبريل نزل عليه وقال له لو عايز أطبق عليهم الأخشبين.
دخلت لدكتور شريف، وبعد أن أنهى كشفه وطمئنني إن أذني أصبحت أحسن، وكرر لي علاج ولغى آخر، أخبرته قائلة :
_ تعرف يا دكتور…أنا مش حدخل الجنة إلا لما أقول لربنا إنك تبقى جاري فيها…وقصرك يبقى جنب قصري….
ضحك وملئت عينيه سعادة غامرة وقال :
– أكيد حنبقى جيران في الجنة يا مريومة إن شاء الله…
علمونا خرافة ان أعدائنا هم المختلفون في العقيدة، لقنونا أن عدونا هو اليهودي والمسيحي وحتى المسلم المختلف في المذاهب، حذرونا من مساءلة شيوخ المساجد ومعلمي الفصول، الحمقى، يظنون إن معاداة الإنسان تزيد الإيمان !!….
الكاتب
-
مريم المرشدي
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
لا انكر ان المقال جميل
لكن كنت انتظر مع طول المقال التوجه الي سؤال
من اين تعلم هذا الطفل كلمة اربعة ريشة
وما هي اسباب ترديده الكلمة ظاخل مستشفي مسيحي انا شخصيا اتعالجت فيه😄
ومع هذه الاسئلة اجابة التي يمكن من خلالها تدارك هذا الخطأ في التربية