همتك نعدل الكفة
340   مشاهدة  

أزمة المصالح الحكومية .. النظام المميكن والموظفون بزمبلك

النظام المميكن
  • صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.

    كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال



من منا لم يشاهد فيلم “الإرهاب والكباب” العبقري عادل إمام بتجسيده للمواطن المغلوب على أمره يحاول أن يساير بيروقراطية ما قبل النظام المميكن والموظفين، كادرات المبدع شريف عرفة التي عكست المتاهة المسماة بمصلحة حكومية، وسيناريو وحيد حامد فنان صياغة الواقع حين لمس المأساة بل وجعلنا- نحن المتضررون منها- نضحك قبل أن نبكي.

معاناة المصالح الحكومية لم تترك فردًا خطى على أرض المحروسة إلا وطالته براثنها، التعامل مع “مدام عفاف” عزيزي القارئ شرٌ لا بدَّ منه أنت لا تملك حرية التجنُّب. في دراستك الجامعية تفترسك شؤون الطلبة، مكتبب يلقي بك إلى آخر بلا أدنى مبرر، وإذا جاد عليك حظك بوظيفة تبدأها قبل السلام عليكم بطابور شباك التأمينات.

ربما تعتقد أنك نجوت وتسعى خلف جواز السفر لكنَّ نقبك طلع على شونة، الحق يُقال أن قطاع الجوازات بعد التحديث خرج من طائلة مدام عفاف و”فوت علينا بكره”؛ إلا أن الحلو لا يكتمل فلا غنى عن شهادة تخرج- ترجع بك إلى دوامة الشئون- أو إثبات الوظيفة ناهيك عن شهادة الجيش.

        زحلقة الموظفين.. البيضة الأول ولا الكتكوت!

عادل إمام من فيلم الإرهاب والكباب
عادل إمام من فيلم الإرهاب والكباب

الميكنة خطوة إيجابية بدأتها الحكومة قبل سنوات، محاولة لضبط المنظومة وتحويل الأوراق إلى بيانات رقمية، علميًا المستند الذي يتطلب أيامًا أصبح بالإمكان استخراجه خلال دقائق. عمليًا المشكلة الآن ليست في الميكنة بل في العنصر البشري؛ للأسف شريحة عريضة من الموظفين خاصَّةً كبار السن منهم غير مؤهلين للتعامل مع النظام الجديد. حتى وإن تعلموا استخدام التنكولوجيا الجديدة بحكم السن هم أبطأ وأقل كفاءة، وحدِّث ولا حرج عن الروتين الذي ألقى بظلاله على الكمبيوتر.

بالفعل المستندات تخرج الآن من الطابعة في خمس دقائق- أو ساعة إذا ما احتسبنا الأعراض الجانبية للطوابير-، رغم ذلك يجب أن تلف السبع لفات بحثًا عن إمضاء ومراجعة وختم أو لا قدَّر الله تصحيح. لفة أخرى تبدأ حين يتضح أنك “زبون” العميل المفضل للموظف الكسلان، حين تسمع جملًا مثل “إيه اللي جابك هنا؟ أو ده مش شغلي يا أستاذ” فقد حصلت على اللقب. الزبون يمكن زحلقته على موظف زميل، أو إقناعه بالذهاب إلى النصف الآخر من الكرة الأرضية بحثًا عن ورقة في درج المكتب.

التعامل في المصلحة الحكومية أحيانًا يمشي بمبدأ “البيضة ولا الكتكوت”؛ العميل يرغب بانقضاء مصلحته وأمامه عم شكري يقنعه أن الخطوة الأولى ليست من اختصاصه “فوق عند مدام عفاف سجل على الشاشة”، وفي الطابق الأعلى تحوقل عفاف وتضرب أخماس في أسداس “يا أستاذ هات لي وصل فوري من عم شكري”. يعود المسكين إلى الأرضي بحثًا عن طابور الوصولات وينجح أخيرًا في انتزاعه، يرجع به إلى عفاف، تدخل بياناته على الشاشة لتجده بقدرة قادر غير مسجل، ترمقه بنظرة مشمئزة من تحت إطار النظارة قائلة “مش تقول إنك غير مسجل؟”، وتبدأ لفة جديدة من الصفر.

التأمين الصحي والحجز الإلكتروني مأساة المرضى كبار السن

النظام المميكن
التأمين الصحي يخدم المرضى كبار السن

التأمين الصحي  قطاع يخدم الملايين في جميع أنحاء الجمهورية بدءًا من تلاميذ المدارس بمراحلها المختلفة حتى الموظفين وأصحاب المعاشات، طالته أيضًا طفرة الميكنة كالعديد من القطاعات. أصبح التسجيل لحجز العيادات مرتبط بالدخول على موقع الوزارة والتسجيل بالرقم القومي، ثم البحث عن أقرب عيادة واختيار التخصص والطبيب. النظام المثالي المطبق في دول العالم الأول، من المفترض أن يمنع التكدس ويخفف أعباء المرضى والأطباء؛ لكن الأمية الإلكترونية تقف عقبة أمام تلك الغاية.

نسبة غير قليلة من المرضى كبار السن يقفون أمام الورقة المدوَّن عليها رابط الحجز فاغري الأفواه، لا يمكن إلقاء اللوم على الرجل وقد بلغ من الكبر عتيا أو على النظام المميكن. معضلة غريبة وضحية بلا جاني، المريض لا يفقه شيئًا في جهاز الكمبيوتر أو الهاتف الذكي- وإن كان يستخدم فيسبوك لا يجعله هذا مؤهلًا-، كما أن الموظف والطبيب لا يمكنهم تقديم المساعدة بدون حجز.

في مثال حي والدي ووالدتي كانوا ضحايا تلك الدائرة لكن لحسن حظهم لديهم أبناء قادرون على المساعدة، أمَّا المتضررون الحقيقيون هم كبار السن الذين لم يترك لهم الزمن ولدًا أو أنيس. يضطر هؤلاء لاستجداء الموظفين والكشف بشكل تقليدي، أو البحث عن مركز خدمات الإنترنت القريب من سكنهم لدفع مبلغ مالي مقابل الحجز، هذا إن أسعفهم الحظ ودلَّهم ابن حلال على تلك الإمكانية.

المرور الإلكتروني وقطاع الجوازات علامات مضيئة على خارطة الميكنة

النظام المميكن
فرع إلكتروني تابع للمرور

الإيجابيات موجودة ولا يمكن تجاهلها وتعميم السلبيات، بعض القطاعات والمصالح طبقت نظام الميكنة بشكل أفضل من المتوقع. الخدمات أصبحت أسهل وأسرع واختفت ظواهر كثيرة سيئة؛ فالرشوة غير ممكنة في ظل النظام المميكن، التكاسل والفطور المتأخر اختفى من قاموس الموظفين.

إقرأ أيضا
القدس

إدارة المرور اعتمدت أفرع إلكترونية في عدة أماكن، وفقًا لمواطنين ترددوا على تلك المنافذ أصبح أمرًا روتينيًا معقدًّا مثل تجديد الرخصة ينتهي في ساعة زمن، إضافةً إلى الخدمة الممتازة يتسم العاملون في القطاع باللباقة والإتقان. قطاع الجوازات أيضًا نموذج ناجح للتطوير، رغم الزحام وتكدُّس العملاء مصريين وأجانب تنقضي المصلحة بخطوات بسيطة.

على كل حال لا يمكن إغفال حقيقة وجود شريحة من العاملين بالمصالح الحكومية من أصحاب الذمم النظيفة، إنسان قبل أن يكون موظف مسئول عن عهدة أو ختم، أمثلة عديدة تصادفنا لأشخاص يرغبون فعلا في التطوير ويحاولون المساعدة. نخجل من حقيقة أن الفئة المتكاسلة شوهت شكل الموظف المصري، وفي كثير من الأحيان أبخست المتفانين منهم حقوقهم وأبطأت من فاعلية خطوات الميكنة الجديدة.

الكاتب

  • النظام المميكن إسراء أبوبكر

    صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.

    كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
4
أحزنني
0
أعجبني
3
أغضبني
0
هاهاها
1
واااو
4


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان