“أزمة جديدة تهز سوريا” تداعيات هزائم حزب الله وإيران على معركة حلب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
تمد إيران خيوطها العسكرية في عمق الأراضي السورية؛ حيث تبسط نفوذها عبر ميليشيات متباينة، كـ”حزب الله” اللبناني، وقوات الحرس الثوري الإيراني، إلى جانب تشكيلات طائفية ومحلية وأخرى أجنبية، ولم تكتفي إيران بترسيخ وجودها العسكري فحسب، بل تغلغلت في مفاصل الدولة السورية الحيوية، ناشرةً نفوذها في مختلف القطاعات والجغرافيا السورية.
هذا الانتشار منح إيران أوراق ضغط استراتيجية، سواء بتنفيذ عمليات تستهدف إسرائيل أو باستخدام ذلك النفوذ كوسيلة للابتزاز السياسي، دون الحاجة إلى الانجرار إلى مواجهة مباشرة، لكن جاءت حرب طوفان الأقصى لتغير المعادلة.
حرب غزة وانعكاساتها على حزب الله وإيران
تتسارع وتيرة الخسارات التي تتعرض لها إيران في سياق استراتيجيتها الإقليمية التي طالما كانت تدور حولها، وتدفعها إلى فقدان أدوات تموضعها المركزي ضمن بنية النظام الإقليمي، ففي غزة، تكشفت ملامح المواجهة غير المتكافئة التي تتمخض عنها معركة تكسير عظام، رافقها صمت دولي مطبق.
وعلى الجبهة اللبنانية، جاءت الضربة القاسية التي وجهتها إسرائيل إلى “حزب الله”، محققةً إصابة دقيقة لمنظومة القيادة وشبكة الاتصال والتواصل، ما يعني انتقال إسرائيل إلى مرحلة الإعلان عن قدرتها على تفكيك الحزب اللبناني الموالي لإيران؛ عن طريق عمليات نوعية واستخبارتية تستهدف قياداته وكوادره بالتوازي.
هذا المشهد وضع الموقف الإيراني في قلب دوامة من الخيارات الصعبة التي تتراوح بين تعزيز جبهات معينة، أو خوض مواجهة مفتوحة وشاملة على عِدة جبهات، تبدأ من اليمن ولا تنتهي في العراق.
وفي إطار هذه الاحتمالات، برزت الجغرافية السورية كساحة أخرى للتصعيد المحتمل، من خلال وكلاء إيران المحليين، خاصة في ظل الموقف المتردد لنظام بشار الأسد، الذي يتقاطع مع الطموحات الروسية التي تسعى إلى عزل سوريا عن أي صراع قد يعيدها إلى دوامة الديناميكيات العسكرية التي تهدد مكاسب “موسكو” الاستراتيجية.
هجمات حلب ووضع إيران في سوريا
بعد أكثر من أربعة أعوام من المعارك الضارية، نجح النظام السوري وحلفاؤه من إيران وروسيا و”حزب الله” في طرد الفصائل المتمردة من مدينة حلب، ثاني أكبر المدن السورية في 2016م، اعتُبر هذا النصر بمثابة نقطة تحول حاسمة في الحرب الأهلية السورية.
إلا أن المفاجأة كانت في الهجوم المفاجئ الذي شنته الفصائل السورية المسلحة على المدينة، ما أدى إلى استعادة السيطرة عليها خلال أيام قليلة، بما في ذلك مناطق لم يكن الجيش السوري قد استرجعها، وجاء هذا التطور المفاجئ نتيجة مباشرة للأحداث العسكرية المستجدة خارج حدود سوريا، والتي كان لها تأثير كبير على مجريات الصراع داخلها.
والعامل الأبرز وراء خسارة الأسد لحلب يكمن في الهزيمة التي ألحقها الجيش الإسرائيلي بـ”حزب الله”، إذ كان للحزب أكثر قوات المشاة تدريبًا وكفاءة في القتال نيابة عن الجيش السوري، وكان يمثل أداة فعّالة في ردع مكاسب المتمردين في مراحل سابقة.
لكن في أكتوبر من العام الماضي، انخرط “حزب الله” في الحرب ضد إسرائيل؛ التي أشعلتها حماس، وبينما قام الحزب بإعادة نشر قواته وأسلحته من سوريا للانخراط في الحرب مع إسرائيل، ظنًا منه أنها ستكون حملة مدروسة بعناية، تكبد الحزب خسارة عسكرية كارثية.
أدى هذا إلى فراغ عسكري واسع، ورغم وجود القوات المسلحة السورية في مدينة حلب، إلا أنها لم تكن مؤهلة بالشكل الكافي؛ فهي تفتقر للتدريب والانضباط العسكري، إلى جانب غياب الخطط التكتيكية الفعّالة، بل إن خطة انسحابها كانت كارثية بكل المقاييس.
وفي سياق حرب غزة، تكبدت إيران خسائر جسيمة بفقدان عدد من كبار قادة “الحرس الثوري” في سوريا ولبنان، نتيجة للغارات الجوية الإسرائيلية، وبدلًا من أن يعكس الانتقام الإيراني عن قوة الردع، جاء تبادل الصواريخ المباشر بين البلدين ليؤدي إلى قصف إسرائيلي مكثف للدفاعات الجوية الإيرانية ومنشآت إنتاج الأسلحة، فشكلت هذه الضربة هزيمة مزدوجة، ليس فقط على الصعيد العسكري، بل أيضاً على مستوى الهيبة السياسية لطهران في الإقليم.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال