أسباب فشل التأثير الثقافي على المجتمع
-
عبد الرحيم طايع
- شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة
كاتب نجم جديد
الثقافة، معجميا، هي العلوم والمعارف والفنون، وهي أنواع: الثقافة العامة، والوطنية، والشعبية، والأساسية، والمضادة، والمهنية، يجاهد المثقفون كي ينشروا الثقافة في مجتمعاتهم، ينجحون تارة ويفشلون أخرى، لكنهم في العادة لا ييأسون فما دام في الصدور أنفاس ففي القلوب آمال لا ينقطع وميضها.. النجاح في الحقيقة أقل، لا سيما في مجتمعنا المصري، وهو ما يهمني للغاية من بين كافة المجتمعات، حتى تلك التي تشترك معه في عديد من الصفات، وتشبه أوضاعها أوضاعه إلى حد كبير..
أسباب فشل التأثير الثقافي وافرة، من بينها:
– استعلاء الثقافة نفسها.
– انشغال جمهور الثقافة بالأحوال المعيشية الصعبة.
– غلاء أسعار المطبوعات عموما.
– صعود موجات، تنتسب إلى الثقافة، هدفها التسلية لا التثقيف.
باستعراضنا لكل نفطة من هذه النقاط الأربع نكون وضعنا أيدينا على جملة من أسباب الفشل، ولعلنا بعد ذلك نصل إلى حل، وإن كانت المشكلة معقدة حقا!
أولا: استعلاء الثقافة نفسها: الاستعلاء هو التكبر والترفع، ولا يجب البتة أن تتكبر الثقافة على الناس وتترفع عن طالبيها، لكنه ما جرى فعليا؛ فقد أمعنت الثقافة في التغريب والتجريب حتى شعر المصريون بالإبعاد تغريبا وبالحيرة في الفهم تجريبا، لا يعني هذا طبعا أن يكف المثقفون عن محاولة تجديد ثقافاتهم بكل طريقة، لكنه يشير، في الوقت نفسه إلى ضرورة الارتباط بالأرض المحلية والظروف القومية وثيقا بحيث لا تنفلت الخيوط من أياديهم..
ثانيا: انشغال جمهور الثقافة بالأحوال المعيشية الصعبة: المعيشة هي المعاش من المطعم والمشرب والدخل، ولا ريب في أن الناس صاروا يركزون على أحوالهم المعيشية فوق ما كانوا يفعلون؛ فالمعيشة ارتفعت تكاليفها بصورة صادمة تماما، ولم يعد طبيعيا أن يترك الإنسان حاجاته الأساسية كالمسكن والملبس والدواء ويتفرغ لندوة ثقافية تتطلب مواصلات ومصاريف حضور، ولم يعد ممكنا أن يوفق بين المعيشة والثقافة فاختار المعيشة طبعا بلا تفكير!
ثالثا: غلاء أسعار المطبوعات عموما: تتصل هذه النقطة بسابقتها، وإن كان الحديث هنا عن شيء أكثر تحديدا هو المطبوعات الثقافية (الصحف، المجلات، الكتب) فالمطبوعة التي كان ثمنها لا يجاوز جنيهات قليلة جاوزت عشرات الجنيهات، والكتاب الذي كان بعشرة صار بمئة، الأوراق والأحبار جن جنونهما، ومطابع أغلقت أبوابها، وناشرون كثيرون أفلسوا وغادروا المهنة إلى غيرها آسفين أو غير آسفين، وأما القارئ فاعتمد على المطبوعات الإلكترونية، وكف عن الشراء والسؤال عن الأسعار، قمع رغبته الطبيعية في الحصول على مطبوعته المفضلة وكتابه المنتظر؛ لأنه، ببساطة، لا يملك الثمن.
رابعا: صعود موجات، تنتسب إلى الثقافة، هدفها التسلية لا التثقيف: مثل هذا منتشر جدا في هذه الآونة، فقد خفت الفنون، وهي من صلب الثقافة، إلى درجة جعلتها بلا ثقل تقريبا، لا هدف لها سوى التسلية، وكثيرا ما تكون تسلية بائسة؛ وهو ما أفقدها متابعين كثيرين، لم يكونوا يحسبون أن تؤول الأمور إلى هذه التفاهة التي آلت إليها؛ وعل هذا جرت خسارة قطاع عريض من المتلقين الذين أصابهم الإحباط، ولم يعودوا حريصين على التواجد في نطاق المعروض كما كانوا من قبل.
لا حلول معي بالتأكيد لمشكلة فشل التأثير الثقافي غير أن مفاتيح الحلول يمكن استخلاصها مما ذكرته نفسه، وإن كنت أشك في فاعليتها؛ فالأبواب مغلقة بإحكام، والهموم ثقيلة بكل معنى الكلمة، لكننا نستطيع أن نزيل بعض العقبات من الطرق فنسير بأمان نسبي!!
الكاتب
-
عبد الرحيم طايع
- شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة
كاتب نجم جديد