همتك نعدل الكفة
5   مشاهدة  

أسطورة الثقافة “المشتركة” والأعراض الجانبية للغة العربية

الثقافة
  • شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال



بعد ما سَبَق وعرفنا إزاي الاستعراب بيختزل الهوية ويدمر الآثار حان الآن موعد تفنيد أسطورة “الثقافة المشتركة”؛ من ناحية عن طريق توضيح بعض الفروق الثقافية الكبيرة بين أغلب شعوب الدول الناطقة بالعربية.. ومن ناحية تانية من خلال التعريف بـ”الأعراض الجانبية للغة العربية”.

تعريف الثقافة

اللغة هي وعاء الثقافة.. بس مش هي “الثقافة” ككل، فنفس الوعاء الواحد ينفع يشيل رز بلبن أو كوسة بالبشاميل أو حلبة حصى.. إلخ.

الثقافة حسب تعريف البريطاني إدوارد تايلور Edward Tylor (1832 – 1917)، مؤسس علم الأنثروبولوجيا الثقافية هي: “ذلك الكُل المُركب؛ الذي يشمل المَعرفة والمُعتقدات والفَن والأخلاق والقانون والأعراف والقُدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان باعتباره عضوًا في المجتمع“.

فمايصحش بعد كده المواطن يرمي تعريف شامل زي ده وياخد بكلام أي كادر حنجوري يسبح بحمد “عبناصر” آناء الليل وأطراف النهار ويطالب بالديموقراطية ويُصلِح ساعات، حتى احترامًا للراجل الكُبرة ده.

الثقافة
إدوارد تايلور

اللغة والحدود

من المتعارف عليه إن اللغات الأكتر انتشارًا في العالم (باستثناء الصيني) حققت ده في الأساس بقوة السلاح. فبالنظر لخريطة انتشار اللغات في العالم، نقدر نلاحظ أن دول كتير تبنت لغة أخر مستعمر كلغة رسمية ليها، بالتالي قايمة أكتر اللغات انتشارا “خارج حدودها” هي أوتوماتيك نفس قايمة أكتر دولة ليها مستعمرات.

وده لإن غالبية دول التحرر الوطني مش هي صاحبة ترسيم حدودها؛ إنما تم اعتماد الحدود الإدارية اللي  رسمها المُستعمر؛ كحدود سياسية وطنية للدول الوليدة.

مبدأ “لكل ما في حوزته“، يتلخص المبدأ في أن الدول المتجاورة والتي حصلت على الاستقلال حديثا؛ توافق على أن تكون الحدود التي تفصل بين أقاليمها هي ذات الحدود التي تفصل بين هذه الأقاليم إبان فترة السيطرة الاستعمارية، والمصدر التاريخي لهذا المبدأ مُشتق من المصطلح اللاتيني (لكل ما في حوزته – Uti possidetis).

وهو مصطلح بادرت باستخدامه دول أمريكا الجنوبية المستقلة لتحديد حدودها المشتركة، وُيقصد بها الفواصل الإدارية التي كانت موجوده عام 1810 بين المستعمرات الإسبانية.

وبتبني ذلك المبدأ، تكون هذه الدول أعلنت تعهدها باحترام الحدود أو الفواصل الإدارية التي كانت تفصل بينها في عام 1810؛ أثناء خضوعها للاستعمار الإسباني، واعتبارها حدود دولية تفصل بين سيادتها الإقليمية بعد حصولها على الاستقلال“.

والمبدأ ده نتج عنه ظهور عديد من الدول “المُلفقة”؛ بتضم شعوب وقبائل ومجموعات بشرية ماكنتش بالضرورة عايشة مع بعض قبل كده، بالتالي شعوبها “حديثة التكوين” غالبا مش بتتكلم لغة واحدة، فاعتمدوا لغة المستعمر الأجنبي كلغة رسمية لأكتر من سبب.

منها العالم يفهمهم، ومنها الشعوب اللي لقت نفسها مضطرة تتعامل سوا دي تلاقي لغة وسيطة يتفاهموا بيها، ده غير تفادي أزمة “نستخدم لغة أنهي قبيلة أو جماعة بشرية فينا”.

ده طبعًا غير الحدود اللي تم رسمها بمعرفة الدول الاستعمارية نفسها؛ زي ما حصل لمنطقة الشرق الأوسط، عبر اتفاقية سايكس-بيكو.

YouTube player

الفشل المُركب

فشل مشروع القومية العربية هو فشل ليس له مثيل “لا في الأولين ولا في الأخرين”، إذ فشل أن يتحقق بشكله الطوباوي المتخيل في رؤوس منظريه الأوائل أمثال ناصيف اليازجي (1800-1871) وبطرس البستاني (1819-1883) ونجيب عازوري (1870-1916) وغيرهم من المُفكرين المسيحيين الشوام، اللي اخترعوا فكرة ماكنتش في راس العرب نفسهم.

(العرب كانوا شايفين نفسهم أحق بكرسي الخلافة من العثمانيين الأتراك لإنهم “عرب”، وفعلا لما انتصرت ثورتهم العربية ضد الأتراك، بدعم مادي ولوجيستي ومخابراتي بريطاني، أعلنوا دولتهم الجديدة من دمشق “مهد الدولة الأموية” وبقيادة “فيصل بن الشريف حسين بن الشريف على الهاشمى”، ومؤهلاته للحكم هنا هي كونه “هاشمي” يعني معاه الشرعية القرشية للحكم).

الثقافة
الأمير فيصل وعلى يمينه لورانس العرب مع بعض القيادات البريطانية

اقرأ أيضًا
خسارة المسيحيين وعودة الهاشميين

كمان فشل المشروع القومي العربي في طبعته البعثية والناصرية، فلا عرفوا يتحدوا سوا ولا حد فيهم عرف يبني دولة ناجحة. المشروع الناصري إتكسر بهزيمة 67 والمشروع البعثي العروبي حول سورية والعراق لمعتقلات مفتوحة (هنستعرض كوارثها في مقال تاني) وأخيرا بقت ساحة لصراع مليشياوي.

إنما أشنع فشل للمشروع العروبي على الإطلاق.. فهو فشله في إنه يفشل؛ “أه والله زمبؤلك كده”، المشروع ده فشل إنه يحقق القومية غير العنصرية اللي حلم بيها مُنظريه الأوائل، ثم إتبنته مجموعة أنظمة عسكرية شمولية أغلبها فشلت في الارتقاء ببلادها وفشلت حتى عسكريًا، وبعد كل ده فشل فلول المؤمنين بيه في إنهم يواجهوا نفسهم بفشلهم أو يعلنوا فشل مشروعهم ع الملأ، زي جورباتشوف ما عملها وأعلن نهاية الاتحاد السوفيتي.

YouTube player

أوجه الاختلاف

لو بصينا من منظور “إدوارد تايلور” لثقافة شعوب الدول الناطقة بالعربية هنلاقي إن “الكُل المُركب” مفرداته مش شبه بعضها فـ(المَعرفة والمُعتقدات والفَن والأخلاق والقانون والأعراف والقُدرات والعادات الأخرى) متباينة جدًا من شعب للتاني.

هنا مش بنتكلم عن “تنوع ثقافي” جوه دولة بتضم شعب متنوع ثقافيا زي الهند، إنما بنتكلم عن “تباين ثقافي” جوه ثقافة “المفترض” إنها واحدة.

فعلى مستوى المُعتقدات هنلاقي مجتمعات فيها تنوع عقائدي ومجتمعات مافهاش، ومجتمعات عارفة تتعايش مع التنوع ده ومجتمعات بيولعوا في بعض، ومجتمعات كانت عارفة تتعايش بس بتمويل من مجتمعات تانية إتعلموا يولعوا في بعض.. وهلم جرا.

أما على مستوى العادات فحدث ولا حرج، فمن أول الناس ما تقابل بعضها كده مختلفين عن بعض وبمسافة كبيرة جدًا.

فمثلا الخلايجة عندهم تحية اسمها “السلام بالخُشم”؛ ومعناها إن لم أتنين يتقابلوا يلمسوا طراطيف مناخيرهم لبعض مرتين أو تلاتة، ولو بينهم فرق سن أو مقام كبير.. فالصغير يبوس مناخير الكبير.

الثقافة
سلام الخُشم عند الخلايجة

وهي طريقة في السلام أي حد هيفكر يعملها حدانا هيتفهم على طول إنه بيتفرج على نيتفيلكس كتير.

الفن

مش “تايلور” بس اللي أكد على أهمية الفن كجزء أصيل من ثقافة الشعوب، فيُنسب للمؤلف الموسيقي الألماني “روبرت شومان” (1810-1856) إنه قال: “إذا أردت أن تتعرف على أخلاق الشعوب، إستمع إلى موسيقاها“. ويُنسب للشاعر الأمريكي “دانيال أوكونيل” (1849-1899) إنه قال: “دعني أكتب اغاني الشعب ولا أبالي بمن يكتب قوانينه“.

فلما نييجي نبص على فنون الشعوب دي نفسها هنلاقي إن فنونها وخصوصا أغانيها ومزيكتها مختلفة، وبرضه مش مجرد اختلاف بسيط يندرج تحت تنويعات ثقافة واحدة غنية.. إنما اختلاف وصل لدرجة الإقصاء.

إقرأ أيضا
تاريخ التليفون في مصر

في 2022 استضافت دار الأوبرا المصرية فاعليات “مهرجان الموسيقى العربية” في دورته الواحد وتلاتين، وهي دورة شهدت استبعاد السودان من المشاركة.

YouTube player

وده لإن الموسيقى السودانية سلِمها خُماسي والموسيقى العربية سلمها سُباعي؛ حسب تصريح السيد حلمي بكر عضو لجنة تحضير المهرجان وقتها؛ ومن الجدير بالذكر إن هو نفسه مُلحِن أوبريت “الحلم العربي” اللي بيتكلم عن أهمية تكاتف الشعوب العربية، والكليب بتاعه مليان صور لعبناصر.

YouTube player

ولو كملنا بنفس النسق على كل المفردات الواردة في تعريف “تايلور” هنلاقي اختلافات كبيرة وواسعة، وتقريبا كده مافيش غير اللغة؛ اللي حولها قومجية العصر الحديث إلى “كل الثقافة” عن جهالة بمفهوم الثقافة أو عن تضليل متعمد بغرض الترويج لأسطورة “الثقافة المشتركة”.

فخ اللغة وأعراضها الجانبية

مبدئيًا كده غالبية دول المنطقة مابيفهموش كلام بعض وبيحتاجوا لوسيط؛ لغة وسط يتفق الطرفين على فهمها.. فبيلجأوا للغة العربية أو العامية المصرية. وهنا مانيش ناوي أدخل جدل حوالين “إحنا بنتكلم لغات غير العربية ولا مجرد لهجات منها”؟، ولا العربية أصلا مجرد لسان، إنما فقط بوضح أحد أهم أشكال استخدام شعوب المنطقة للغة العربية.

كم المُنتج المعرفي والأدبي باللغة العربية من عصر المخطوطات لعصر الـPDF، هو كم وكيف مهول بكل ما تحمله الكلمة من معان؛ فرغم قدر البؤس اللي بنعيشه في عصر الديجيتال لما ندور “بالعربي” على معلومة دقيقة.. بسبب وجود طبقات فوق طبقات من الكذب والتعمية والتدليس، لكن يبقى كم وكيف المُنجز المعرفي والأدبي باللغة العربية أكبر من أن يتم تجاهله وأهم من أن يجرؤ أحد على اغفاله.

وبالإضافة لكم وكيف المُنجز الثقافي بالعربية؛ لعبت اللغة العربية دور مهم جدًا في التقريب بين “النُخب” الناطقة بالعربية في الإقليم كله، فالكاتب في أي دولة من الدول الناطقة بالعربية يقدر يتطلع بسهولة على كل ما يخص مجاله من المحيط إلى الخليج ومن شمال سورية إلى جنوب الصومال.

بالتالي يحسب للغة العربية “المكتوبة” إنها ساعدت على تقريب “نُخب المنطقة” من بعضهم دون الحاجة لحركة ترجمة كوسيط بينهم.

لكنها في نفس الوقت عَزلِت “مجموع النُخب” دي نفسها عن “مجموع شعوبها”، لإن من الأعراض الجانبية لاستخدام اللغة العربية إن غالبية شعبك (أي كان بلدك) اللي بيستخدم لغة محكية في كل تفاصيل حياته مش هيكون على تواصل جيد مع منتجك المطبوع باللغة العربية ماتعودش ينطقها أو يتعامل بيها، فبقى عندنا من المحيط للخليج “نُخب” متواصلة ومشتبكة مع بعض.. وفي نفس المساحة الجغرافية “شعوب” بره عنها كل الكلام الداير بين “نُخبها”.

YouTube player

في الختام مثال دال

على سبيل المثال لا الحصر، اللغة العربية في ذاتها تستمد مرجعيتها ورسوخها من القرآن والإسلام، بس رغم كده أطنان كُتب التراث وكبار رجال الدين المتخصصين بكل منجزهم المكتوب على مر العصور؛ ماحدش فيهم كان له رُبع تأثير الشيخ كشك أو الشعراوي.. اللي ماحدش منهم قدم للعالم كتاب من تأليفه، إنما منجزهم كله سماعي اعتمدوا فيه على استخدام “العامية المصرية”؛ إن كان في تفسير القرآن أو تشكيل الخطاب الديني في عصر الصحوة.

فعن أي ثقافة مشتركة تتحدثون وأي لغة عربية تقصدون؟

YouTube player

الكاتب

  • الثقافة رامي يحيى

    شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان