موسيقار الأجيال (6) تقييم أغاني محمد عبدالوهاب في العشرينيات
-
أحمد كريم
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
أهلا بكم أعزائي القراء في سادس حلقات سلسلة موسيقار الأجيال والتي ستتناول أغاني محمد عبدالوهاب في العشرينيات من القرن الماضي، وكنا قد انتهينا في اللقاء السابق عند علاقة محمد عبدالوهاب الشاب بأمير الشعراء أحمد شوقي بك، ونكمل في هذه الحلقة ما انبثق عن تلك العلاقة من فوائد أثرت مسيرة محمد عبد الوهاب بالكثير من الخبرات، كذلك سنتحدث عن نتاج محمد عبد الوهاب في ميادين القوالب الغنائية في تلك الفترة، أي منذ نهاية العام 1924م وحتى عام 1932م، العام الذي رحل فيه شوقي بك.
اقرأ أيضًا
سيرة موسيقار الأجيال (1) تاريخ ميلاد محمد عبدالوهاب .. لماذا هو مختلف عليه ؟
في البداية كنا قد ذكرنا قبل ذلك أن محمد عبد الوهاب كان قد اكتسب الكثير من مهارات الغناء اعتمادا على سماع كبار مشايخ ومطربي عصره الذين عاصرهم فترة صباه كالشيخ سلامة حجازي والشيخ سيد الصفتي وصالح أفندي عبد الحي، كذلك هذا ما بدا بالفعل في طريقة غنائه في مرحلة المحاكاة والتقليد التي وصلت لنا في اسطوانتي (ويلاه ما حيلتي ويلاه ما عملي ضاع الرجاء وضاقت في الهوى سبلي) و( أتيت فألفيتها ساهرة)، إلا أن ما قدمه عبد الوهاب فيما بعد إنما كان يوحي بفكر متجدد في الموسيقى العربية لا استمرارا في المسير على ما تراكم من موسيقى تقليدية أتت قبله، باستثناء موسيقى الشيخ سيد درويش والتي أعجب بها محمد عبد الوهاب وقلنا من قبل أن هذا الإعجاب وإن كان شهادة جديرة بالتقدير من فنان كمحمد عبد الوهاب، إلا انها كذلك تنبيء بشكل أو بآخر عن ميل رأس ذلك الشاب إلى فكرة التجديد الموسيقي، وهو ما ظهر بوضوح في تلحين محمد عبد الوهاب للأدوار والقصائد موضوع الحديث في هذه الحلقة.
موقف شوقي بك من فكرة التجديد
ذكرنا أن شوقي كان يقدم النصائح الفنية لمحمد عبد الوهاب خلال السبع سنوات التي قضاها معه، إلا أن ذلك لم يكن تسلطا من شوقي عليه أو حجرا على عبد الوهاب في اختياراته الفنية، فقط كان شوقي يبحث لمحمد عبد الوهاب عن المكانة التي تليق به وعن طريقة التقديم التي تناسبه، وباستقراء سيرة الصديقين في تلك الفترة يبدو لنا ذلك جليا.
كان محمد عبدالوهاب شديد الإعجاب بفكر شوقي بك ويحبه حبا غزيرا لدرجة أنه أحجم أشهرا عن إسماع شوقي قصيدته الزجلية (في الليل لما خلي) عندما انتهى من تلحينها؛ ذلك أن شوقي إنما كان من هواة الفن الغنائي التقليدي، لا الفن المتجدد الذي أتى به المتأخرون، وعلم شوقي بذلك فما كان منه إلا أن حثه على استكمال التلحين بهذه الطريقة الحديثة، معللا ذلك بحاجة الميدان الموسيقي إلى التلحين لإسماع الآذان الآتية لا الآذان الذاهبة، يقصد التلحين للأجيال القادمة، لأن الفن التقليدي وقتئذ كان بالفعل قد اتخذ طريقة للاندثار، وعلى الرغم من أن الأغنية ظهرت على اسطوانة بيضافون سنة 1932م، إلا أن بذور ثورة التعبير والتطوير كانت بالفعل قد اتخذت مسارا واضحا في أغنيات محمد عبد الوهاب منذ سنة 1927م، وما أن وصل محمد عبد الوهاب لسنة 1935م حتى كان متربعا بالفعل على عرش الموسيقى، آتيا بما لم يات به غيره لدرجة ذهبت بالبعض إلى القول بأن محمد عبد الوهاب ولو مات سنة 1935م لظل هو محمد عبد الوهاب الذي نعرفه اليوم.
نتاج أغاني محمد عبدالوهاب في العشرينيات
سجل محمد أفندي عبدالوهاب في تلك الفترة نحو ستين عملا غنائيا، سجلت كلها بلا استثناء على اسطوانات بيضافون، فشكلت منعطفا في مسار الأغنية العربية، وركيزة ثابتة وواضحة للتطوير الذي حدث فيما بعد، وقد قسمت هذه الأغاني على ميادين القوالب الغنائية المختلفة فوزعت بين الأدوار والقصائد والمواويل والطقاطيق والمونولوجات وفي هذه الحلقة سنتحدث عن نتاج محمد أفندي عبد الوهاب في ميداني الدور والقصيدة، على أن نكمل نتاجه في باقي الميادين في الحلقة القادمة إن شاء الله.
أغاني محمد عبدالوهاب في العشرينيات .. أولا/ الأدوار:
وضع محمد عبد الوهاب خمسة أدوار كانت حصيلة عمله في هذا القالب طوال حياته وهي :
1/ دور يا ليلة الوصل استني سنة 1926م، وكان قد سجل نصفه ولم يكمله
2/ دور أحب أشوفك كل يوم سنة 1928م
3/ دور عشقت روحك وعشق الروح مالوش نهاية سنة 1931م
4/ دور القلب ياما انتظر سنة 1931م
5/ دور حبيب القلب سنة 1932م
أما الدور السادس فقد غناه ولم يسجله وهو دور “إن كان فؤادك”، وقد غنته له المطربة الكبيرة نور الهدى.
ملامح تلحين محمد عبد الوهاب لقالب الدور
يلاحظ في الأدوار الخمسة الأولى أن محمد عبد الوهاب قد سار فيها على نهج الشيخ سيد درويش في مسألة التلحين، بيان ذلك أنه لم يلحن أيا منها على مقام رائج ومشهور كالراست أو البياتي أو الصبا، بل اختار مقامات لم يكن معهودا تلحين الأدوار عليها، وهو بالضبط ما فعله الشيخ سيد درويش من قبل، كذلك بدا من حيث الشكل أن هذه الأدوار مبنية على شكل الدور التقليدي الذي خلفه محمد عثمان، والمبني في الأساس على تطوير لشكل الموشح، إذ يبدأ الدور بلحن الأساس ثم يتكرر اللحن في مقطع ثان، فيطور اللحن إلى أن تأتي مرحلة الآهات التي تدفع بالتطوير إلى ذروة الدور قبيل الختام ليعود اللحن الأول في الظهور من جديد.
يثير الدكتور فيكتور سحاب تساؤلا هاما عن سبب إحجام محمدأفندي عبد الوهاب عن متابعة وضع الأدوار بعدما بلغ بالخمسة أدوار المذكورة مراتب عالية في الغناء العربي، أما النوع التقليدي الآخر وهو الموشح فلم يعهد أنه غنى فيه سوى (يا حبيبي انت كل المراد) سنة 1927م من ألحانه و(ملا الكاسات وسقاني) سنة 1923م على اسطوانة جرامافون، من ألحان المرحوم محمد عثمان، على الرغم من أنه استخدم بعض ما يستخدم في الموشحات من عناصر ضمن أشكال وقوالب غنائية أخرى، وأنه ألم بفن الموشح إلمام لا مزيد عليه.
أغاني محمد عبدالوهاب في العشرينيات .. ثانيا/ القصائد:
لحن محمد عبد الوهاب اثنتي عشر قصيدة خلال تلك السنوات السبع هي :
1/ قصيدة: أخاف عليك من نجوى العيون سنة 1927م
2/ قصيدة: أنا أنطونيو سنة 1927م
3/ قصيدة: خدعوها بقولهم حسناء سنة 1927م
4/ قصيدة: يا حبيبي كحل السهد جفوني سنة 1927م
5/ قصيدة: ردت الروح على المضنى معك سنة 1928م
6/ قصيدة: وطاولت حبل الهجر (القلب الشارد) سنة 1928م
7/ قصيدة: يا جارة الوادي سنة 1928م
8/ قصيدة: يا ناعما رقدت جفونه سنة 1929م
9/ قصيدة: تلفتت ظبية الوادي سنة 1930م
10/ قصيدة: الهوى والشباب والأمل المنشود سنة 1931م
11/ قصيدة: علموه كيف يجفو فجفا سنة 1932م
12/ قصيدة: يا شراعا وراء دجلة يجري سنة 1932م.
ولو وضعنا في الاعتبار مراقبة المسار الذي سلكه محمد عبد الوهاب في تطوير تلحين القصائد انطلاقا من تلحين قصائد عبده الحامولي وسلامة حجازي وأبو العلا محمد، لتعين علينا أن نلقي الضوء على تلحين محمد عبد الوهاب للقصيدة في مراحل حياتية خارج تلك الفترة؛ كي نكون فكرة مكتملة عن ملامح التطوير في تلحين القصيدة على يد محمد عبد الوهاب، لذلك هناك ثلاث قصائد لحنها محمد عبد الوهاب تأتي في مراحل مختلفة من حياتة تبرز ذلك التطور وهذه القصائد هي :
1/ قصيدة: تعالي نفن نفسينا غراما سنة 1924م
2/ قصيدة: باتت تناجيني عيونه سنة 1925م
3/ قصيدة أجبت بي سنة 1935م.
أما بيان ملامح تطوير محمد أفندي عبد الوهاب لقالب القصيدة فسيحتاج لحلقة مستقلة، وهو ما سنتحدث عنه في الحلقة القادمة إن شاء الله، وإلى هنا أعزائي القراء نكون قد وصلنا إلى نهاية الحلقة السادسة من قصة موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، على أن نكمل في الحلقات القادمة.
دمتم في سعادة وسرور.
الكاتب
-
أحمد كريم
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال