همتك نعدل الكفة
693   مشاهدة  

أغنيات في الذاكرة : الغربة اسماعيل البلبيسي .. عندما يكون العمل أشهر من صانعه

اسماعيل البلبيسي
  • ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال



في فيلم “لا تراجع ولا استسلام” استدعى الممثل أحمد مكي  أغنية “الغربة” للمطرب اسماعيل البلبيسي في مشهد المركب الذي يهاجر عليها شخصية “حزلقوم” وجاءت الأغنية كخلفية متوافقة مع طبيعة المشهد متوائمة مع شخصية حزلقوم الغارق في نوستالجيا التسعينات من حيث الملابس ونوعية الأغاني التي يستمع إليها، ساهم مكي بالطبع في إحياء الأغنية وتعريف بعض الجمهور عليها مع التأكيد على أن الأغنية معروفة بشكل كبير بين جمهور التسعينات رغم أنه قد لا يعرف اسم مطربها اصلًا.

اسماعيل البلبيسي أحد من دخلوا في فئة أصحاب الأغنية الواحدة الناجحة رغم أن في رصيده ثلاث ألبومات غنائية والعديد من الألحان بصوت مطربين أخريين منها مثلًا “لالي” محمد محي – “هدي ” حميد الشاعري “قلقوني” حسام حسني “هاتي “ هشام عباس، ورغم ذلك لم يمتلك شهرة توازي شهرة أغنية الغربة الكاسحة، وهذا الأمر يفتح جدالًا واسعًا حول علاقة الفنان بالعمل الفني ومن من يستمد الشهرة هل العمل الجيد يفرض نفسه دون النظر إلي هوية الفنان أم أن شهرة الفنان قد تجبر المستمع على التعاطي مع فنه بغض النظر عن كونه يقدم فن جيد أو رديء.

الكلمات :

كتب كلمات أغنية الغربة أحد رفقاء درب اسماعيل البلبيسي الشاعر “عنتر هلال” هذا الشاعر المثير للجدل دومًا بأفكار أغانيه وتراكيبه اللغوية الغريبة رغم امتلاكه تجربة عظيمة جدًا مع المطرب محمد محي والتي ظهر فيها كشاعر أغنية حقيقي بعيدًا عن الصورة الذهنية التي استقرت في ذهن الجمهور عن كونه شاعر حلمنتيشي يكتب زجلًا ساخرًا في الغالب، لكن يبدو أن ماكينة الإنتاج التجاري استغلت تلك الصورة وحصرته في خانة شاعر أغاني “هدي – بابا أوبح – كامننا” والتي أهدرت طاقته بشكل كبير وحرمتنا من أن نرى له إبداعات كثيرة خارج تجربة محي.

 في منتصف التسعينات كانت تسيطر على سوق الغناء الأغنية العاطفية الخفيفة وجاءت أغنية الغربة كي تكسر هذا القالب التقليدي بفكرة تعود بنا إلى حقبة الأغنية البديلة حيث كانت المضامين الإنسانية والإجتماعية تلقى رواجًا جماهيريًا بالأخص مضامين الغربة في ظل هجرة أعداد كبيرة خارج الوطن أو داخله وجسدت تلك الأغنيات معاناتهم مع الغربة والحنين إلى الوطن والبيت والحبيبة. 

لم يستخدم هلال في الصياغة بنية تقليدية مكونة من مذهب وسينيو وكوبليهات بل قسمها إلى أربعة مقاطع بداية من “أنا م البداية يا غربة بتحمل – وخلاص كفاية صعب ان انا اكمل – طريق يقرب لقلبي مناه – خد عمري بين لياليه وتاه”

 ثم فاصل موسيقي ليدخل مقطع قصير يعاد مرتين ” يا ما كان منانا نتلاقى ونقرب وعشان هوانا برحل وبتغرب”

 ثم فاصل موسيقي ليدخل المقطع الثالث القصير أيضًا” واعيش غريب وطال الليل معاه -جريح ومن غيرك دواه”

 ثم فاصل موسيقي ليدخل الجزء الأخير ” مجروح وراجع مدى الايدين حني – والروح مواجع وانا مين يطمني – ناديت فى البعد ضاع صوتى وصداه – ردى على قلبى نداه”

صياغة عنتر هلال كانت مباشرة بعض الشئ وأن تلائمت مع أغاني تلك الحقبة التي كانت تبتعد عن الصور الشعرية الغزيرة و الإسقاطات والتأويلات غير المباشرة. 

الموسيقى :

طوع اسماعيل البلبيسي أفكاره في لحن تعبيري جدًا تلاعب فيه بالكلمات بشكل جيد جدًا، اللحن على مقام الكرد بجمل تصاعدية ترد على بعضها البعض مع تكرار لبعض الأفكار اللحنية في بعض المقاطع مع تجزئة اللحن في بعض المقاطع حتى ينهيها في الإعادة بجمل متماسكة جدًا مرددًا جملة اّه التي كانت تعبيرًا عن معاناته مع الغربة.

 وزع الأغنية الموزع طارق مدكور صاحب النجاحات الضخمة جدًا في التسعينات وأحد من أرسوا قواعد أغنية البوب الناجحة في مصر، ظلم مدكور كثيرًا لإدخاله في مقارنة ظالمة جدًا له مع حميد الشاعري رغم تميزه بأسلوب موسيقي خاص بل وتفوق عليه مرارًا بالعديد من الأغنيات الناجحة مع محمد فؤاد وعلاء عبد الخالق و عمرو دياب.

إقرأ أيضا
الاسكندرية

تبدأ الأغنية من الدفوف ثم تبدأ المحاورة المميزة جدًا بين العود والكولة في تناغم بديع جدًا خلف إيقاع مقسوم بطئ بحليات إيقاعية بسيطة، مع بداية الغناء وبالتبادل تدخل الكولة ومعها العود كي ترد على الغناء بجمل شجية جدًا غير متكررة مع وتريات هلامية من الكيبورد ساندت جزء الهارموني قليلًا.

توزيع الأغنية بسيط جدًا تحرر فيه مدكور من سطوة إيقاع المقسوم السريع الذي يصاحبه غالبًا كوردات الجيتار وصنع تيمة لحنية مميزة جدًا كانت تستخدمها قنوات التليفزيون بكثرة في فواصلها طيلة اليوم.

رغم ابتعاد إسماعيل البلبيسي عن الساحة الغنائية إلا أنه لازال حاضرًا وبقوة بسبب أغنية الغربة التي تحصد كل فترة مستمعين جدد وتثبت أن العمل الجيد يعيش طويلًا حتى لو اختفى صاحبه.

YouTube player

 

الكاتب

  • اسماعيل البلبيسي محمد عطية

    ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
6
أحزنني
0
أعجبني
4
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
3


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان