862 مشاهدة
أغنيات في الذاكرة : ثلاثية حميد الشاعري العظيمة
في عام 1993 كان يتربع على عرش التوزيع الموسيقي في مصر اسمًا واحدًا فقط هو حميد الشاعري، يكفي أن تضع اسمه على غلاف أي ألبوم تضمن له النجاح الجماهيري مهما كانت هوية المطرب، هذا النجاح الضخم والجماهيرية الكبيرة التي عاشها حميد أوغلت صدر بعض الموسيقيين من الحرس القديم وبدأت فصول حرب شعواء ضده بعد اقدامه على توزيع بعض الأغاني الكلاسيكية القديمة وانتهى الأمر في النهاية بقرار نقيب الموسيقيين “صلاح عرام” بإيقافه عن العمل وشطبه من النقابة.
هذا الإيقاف تسبب في تعطل مشاريع غنائية كثيرة كانت تعتمد على توزيعات حميد الشاعري واضطر البعض إلى حذف اسمه من على أغلفة بعض الشرائط تجنبًا للصدام مع القرار أشهرها غلاف شريط المطرب علاء عبد الخالق “مكتوب” الذي خلى من أسم حميد الشاعري رغم أنه وزع ثلاث أغنيات فيه.
رغم الإيقاف و تبعاته السيئة على حميد ومشاريعه الكثيرة داخل مصر إلا أنه كان لازال يمتلك فرصة العمل خارج مصر، حيث أرسلت إليه إحدى شركات الإنتاج الخليجية كلمات أغنية لتلحينها كي تؤديها المطربة المغربية “رجاء بلمليح” وظهرت إلي النور “صبري عليك طال” تلك الأغنية التي ردت إلي حميد بعضًا من كرامته الفنية وأثبتت قدرته على التعاون مع الأصوات القوية بعد سنوات كثيرة اتهم فيها بتخريب الذوق العام وتقديم أصوات غنائية تندرج تحت خانة المؤدي وليس المطرب، انطلق حميد بعدها ليتعاون مرة أخرى مع رجاء بلمليح في أغنية “يا غايب عن عيوني” والتي لاقت نجاحًا موازيًا نجاح “صبري عليك طال” ثم عاد حميد إلي العمل مرة أخرى ولكن مع تغيير كبير في شكل إخراجه الموسيقي وبدأ يوسع من تعاونه مع بعض المطربين المحسوبين على الغناء الطربي الرصين مثل “مدحت صالح – محمد الحلو” ثم انتقل إلى شركة ميجا ستار التي وفرت له التعاون الأهم في النصف الثاني من التسعينات مع المطربة الكبيرة “ذكرى” في أغنية “يا هاجري” والتي شكلت مجدًا فنيًا جديدًا له.
“صبري عليك طال” .
كلمات الشاعر أبو فيصل صيغت في قالب من اللهجة البيضاء التي جمعت بين العامية والفصحى في بعض مواضعها مع صور جيدة جدًا في أغنية مكتوبة برهافة جدًا تعكس اهتمام الخليج بالكلمات التي دائمًا ما تكون عنصر فعال في نجاح الأغنية.
لحن حميد على مقام الكرد بجمل بسيطة جدًا تعلق في الأذن بسهولة وفي نفس الوقت تعبيرية جدًا تعكس طبيعة الكلمات التي تشكو من صد وجفاء المحبوب، أفكار اللحن جيدة بقفلات متماسكة جدًا تنفي عن حميد تهمة الاستسهال وفي نفس الوقت تشير إلي قدرته على صنع أغنية بسيطة تحمل لمحات تطريبية دون فذلكة أو استعراض وأن البساطة هي السبيل الأهم للوصول إلي المستمع.
أهم ما في الأغنية هو توزيع حميد الذي قرر أن يكون بسيط أيضًا لكنه يحمل في نفس الوقت شكل جديد بعيدًا عن مقسومه التقليدي المكرر في أغلب توزيعاته، بدأت الأغنية بصولو من الأكورديون مع إيقاع نوبي ثم دخل بعده العود الشرقي بجملة قوية جدًا ودمج ما بين إيقاع المقسوم الصعيدي والنوبي دون صخب أو حليات مبالغ فيها مع كوردات جيدة جدًا وخط باص جيتار قوي أعطى ثراء وقوة لكومبو الأغنية ثم يعطينا فاصل من الدفوف كي تسلم جملة الفاصل التي هي نفس جملة العود في مقدمة الأغنية.
“يا غايب عن عيوني”.
نجاح صبري عليك طال كان سببًا في استمرار التعاون مرة أخرى في أغنية “يا غايب عن عيوني والتي لم تختلف كلماتها عن “صبري عليك طال” من حيث الصياغة باللهجة البيضاء ودمج بين الفصحى والعامية من نفس الشاعر “أبو فيصل”.
لحن حميد على نفس المقام “الكرد” وتشعر بأن اللحن كان استكمالًا لـ لحن أغنية “صبري عليك طال” ولكن بجمل جديدة تمامًا و بتنوع مدهش في جمل اللحن الذي كان أقوى بمراحل من الأغنية السابقة ، وكأنه يرسل رسائل تأكيد على قدرته على التنوع وفي نفس الوقت الحفاظ على بصمته الفنية.
يواصل حميد الإبهار في الإخراج الموسيقي حيث استعان بالموزع يحيي الموجي كي يضع له الوتريات، الأغنية بدأت من الوتريات التي ترد عليها القانون ثم تأخذ الخط الرئيسي للموسيقى ثم تدخل همهمات رجاء تزحف خلفها الوتريات ثم يعيد حميد تكرار نفس الإيقاع المدمج “الصعيدي – النوبي” وصولو العود وجمل الوتريات المصاحبة للغناء والتي كانت جملة الفاصل القوية جدًا.
الأغنية واحدة من الأغاني المكتملة في تاريخ حميد الشاعري حيث تضافرت جميع العناصر لتصنع أغنية مازالت تعيش حتى الآن في ذاكرة المستمع بل وساهمت مع شقيقتها الكبرى “صبري عليك طال” في صنع شهرة رجاء بلمليح داخل مصر.
“يا هاجري”
بعد النجاح الضخم الذي حققته المطربة “ذكرى” في شريطها الأول داخل مصر “وحياتي عندك” دخلت في خلافات مع منتجها “هاني مهنى” بسبب عدم اهتمامه بـ الدعاية لألبومها الثاني “أسهر مع سيرتك” لتنتقل إلي شركة ستار السعودية والتي بدأت معها الرحلة بشريطها الأيقوني “الأسامي” وفي نفس الوقت كان حميد يتنقل بين العديد من الشركات حتى انضم إلى شركة ستار التي أنتجت له شريط “صديق“.
في تلك الفترة كان هناك عرف في شركات الإنتاج بإطلاق البومات مجموعات “كوكتيلات” تضم جميع مطربين الشركة ومنها شرائط ميجا ستار الخاصة بشركة ستار وبالطبع في وجود حميد الشاعري كان لابد له أن يشرف على تلك الشرائط حيث كان له باع طويلًا في نجاحها مع شركات أخرى مثل هاي كواليتي و الشرق و سونار.
في شريط ميجا ستار 3 صدرت اغنية ذكرى ” يا هاجرى” موقعة بألحان وتوزيع حميد الشاعري وكلمات رفيق دربه الشاعر عادل عمر.
حاول الشاعر عادل عمر أن يصيغ الكلمات في قالب من اللهجة البيضاء وأن وقع في فخ التلفيق في بعض المواضع مثل تكرار الكلمات في “مرت ساعات فاتت شهور مرت سنين” او تكرار القافية في المقطعين لكنها في النهاية أفضل كثير من بعض كتاباته الأخرى.
لحن حميد على مقام الكرد ايضًا بجمل طربية أكثر ساعده في ذلك صوت ذكرى القادر على أداء أي لحن مهما بلغت صعوبته، إخراج حميد الموسيقي عاد فيه إلى شكله التقليدي بالمقسوم السريع وجملة فاصل من الساكسفون غير مستنسخة من أي جملة من اللحن، نجاح الأغنية جعل حميد يعيد توزيعها في نسخة أخرى من شريط ميجا ستار ولكن بتوزيع لاتيني لم يلقى نجاحًا يوازي نجاح الأصلية.
في سلسلة أغنيات في الذاكرة اعتدت أن ألقي الضوء على أغنية واحدة حفرت مكانة في هامة في ذاكرة المستمع أما اليوم كان لابد من المرور على تلك الثلاث أغنيات التي اشتركت جميعها في أنها موقعة ببصمة حميد الشاعري وتشعر بأن هناك ترابط وعلاقة وثيقة بينهم وكانوا بمثابة ثلاثية حميد العظيمة في التسعينات.
ميني ألبوم عمرو مصطفى مالوش زي .. محاولة صنع شئ جيد
الكاتب
ما هو انطباعك؟
