أغنيات في الذاكرة : كل الحاجات .. ميلاد المرحلة الثانية من مشروع محمد منير
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
دائمًا ما يربط الجمهور بين عدة فنانين يتشابهون أحيانًا في التوجه الفني وأحيانا أخرى ينتمون إلى نفس البيئة، هذا الرابط يجعل التعاون الفني بينهم حتمي جدًا ولو حدث عكس ذلك لأصبح الأمر غير منطقيًا بالمرة، من أشهر من ربط الجمهور بينهم فنيًا المطرب محمد منير والشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي رغم أن التعاون تم متأخرًا بعض الشئ حيث كان اللقاء الأول بينهم في شريط “شيكولاته” الشريط السابع الرسمي لـ منير والذي ظهر فيه اسم الأبنودي موقعًا أربع أغنيات تعادل نصف الشريط.
يمكن تلخيص أسباب التأخير كون أن مشروع منير اعتمد في بداياته على كلمات الشاعر الكبير “عبد الرحيم منصور” الذي يعتبر الأب الروحي للتجربة كلها، مع تواتر بعض الأقاويل عن وجود خلافات كبيرة وضخمة بين عبد الرحيم منصور والأبنودي لذا كان من الصعب تجاور اسميهما داخل شريط واحد، لكن سندع هذا السبب غير الفني والذي يصعب التأكد منه بشكل جدي ونذهب إلي السبب الرئيسي وهو ان مشروع منير في بداياته كان مبنيًا بالأساس على كلمات عبد الرحيم منصور وكان في احتياج لصوته الشعري المختلف والذي يسير في فلك مضامين مغايرة لسوق الغناء على العكس من كلمات الأبنودي الذي يكبت الأغنية بمفهوم قاهري بحت بعيدًا عن مفرداته الصعيدية القحة وهنا أتحدث عنه كشاعر أغنية وليس شاعر العامية ، لكن على أي حال ظهور الأبنودي اعتبره البعض تعويضًا مؤقتًا لرحيل عبد الرحيم منصور.
في أواخر الثمانينات حدثت هزة كبيرة لسوق الغناء بعد قنبلتي “لولاكي – ميال” والتي جعلت كثير من المطربين إعادة حساباتهم في اختيارات الأغاني بما يتوافق مع الموجة الجديدة التي ظهرت وعرفت بالأغنية الشبابية، وفي نفس الوقت الحفاظ على أصالة تجاربهم وهو ما فعله منير تحديدًا في شريط “شيكولاته” الذي كان يكتب الفصل الأول في المرحلة الثانية من مشروعه الغنائي وهي المرحلة الأخطر حيث الاعتماد على نفسه في قيادة التجربة بعد الخروج من شركة سونار والخلافات مع يحيى خليل وأحمد منيب.
بدأ شريط شيكولاته وانتهى بكلمات الأبنودي حيث تنوعت المفردات والأفكار ما بين الجنوب وبين القاهرة مع تنويع في الإخراج الموسيقي ما بين الاستعانة بـ طارق مدكور أحد رموز المرحلة الشبابية في التوزيع الموسيقى وما بين رومان بونكا وفرقته لوجيك انيمال والتي كانت منحت تجربة منير ثقلًا غربيًا وما بين عماد الشاروني أهم الموزعين الكلاسيكيين في تلك الفترة مع ظهور مفاجئ لصاحب ضربة البداية مع منير الموسيقار الكبير “هاني شنودة” في أغنية وحيدة هي “كل الحاجات” والتي سنلقي عليها الضوء في أغنيات في الذاكرة.
كل الحاجات أغنية تحمل كثير من البهجة في موسيقاها على الرغم من الاّسى الواضح في كلماتها وتلك النقطة التفت إليها البعض مؤخرًا وبدأت تنتشر فيديوهات تسخر من عدم ترابط الفكرة بين الكلمات والموسيقى.
كلمات الأغنية مباشرة وسلسة جدًا من الأبنودي يحكي فيها عن عذاباته في غياب المحبوب ورغم أنه استفاض وكتب أغنية تعتبر طويلة بمقاييس تلك الفترة مكونة من مذهب وثلاث كوبليهات إلا أنه لم يستهلك نفسه في المفردات وظهر وكأنه ينهل من بحر لا ينتهي مع تراكيب لغوية جيدة صنعت في النهاية أغنية قوية جدًا يمكن تأويلها على أكثر من فكرة مع أنتشار أن الأبنودي كتبها بعد رحيل فاطمة قنديل والدته ومعلمته الأولى.
لحن ووزع الأغنية هاني شنودة أحد الأعمدة الاساسية التي قام عليها مشروع منير الغنائي، واحد المجددين في شكل الأغنية المصرية الحديثة، الأغنية لحنها على مقام النهاوند بفكرة رئيسية في المذهب وفكرة متكررة في الكوبليهات مع استنباط أفكار تحمل نفس الروح في قفلات المذهب والكوبليهات، اللحن متماسك جدًا وكل جملة ترد على الأخرى بسلاسة شديدة.
ملف السرقات الموسيقية الجزء الثالث : ألحان عالمية بكلمات مصرية
ما جعل الأغنية مرمى الكوميكس والميمز هو الإخراج الموسيقي أو التوزيع حيث نجد الإيقاعات السريعة اللاهثة التي لم تتناسب مع بعض مفردات الأغنية، اعتمد شنودة على نفسه في كل شئ في الأغنية تقريبًا حيث نفذها على طريقة أوركسترا الفرد الواحد مستخدمًا أصوات الكيبورد بتكنيك وبصمة مميزة جدًا، دون أن يستعين بأي الالات حية في الهارموني “الوتريات” ورغم أنها قد تكون في غير صالح العمل إلا أن الأغنية لا تشعر فيها بأي ملل ولم ينسى شنودة أن يعطي لنفسه مساحة ارتجال في منتصف الأغنية كنوع من كسر الملل وختمها بصولو إرتجالي يتصاعد منه “كروماتيك” مع تداخل صوت منير المتكرر.
في أغلب حوارات منير عن بداياته كان يقول أنه يريد أن يغزو القاهرة بأغنية تنافس أغنيتها التي تأخذ منحى مختلف تمامًا عن تجربته الخاصة والتي كان يرى أنها لا تخص بيئة أو منطقة بعينها بل طافت على كل ارجاء الوطن بمضامين مختلفة جدًا في ظل أن الأغنية المصرية دائمًا ما تسير في فلك موضوع واحد.
أعلنت أغنية كل الحاجات ميلاد المرحلة الثانية من مشروع منير وقدرته على غزو السوق الغنائي التجاري بمفهومه الخاص الذي حافظ فيه على اختلافه وتميزه وأخرجته من المقارنة مع أي تجربة فنية أخرى جعلتنا نقول أن من يستطيع منافسة منير هو منير نفسه.
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال