أفكار لقتل النفس والأبناء..هكذا يتطور المرض النفسي دون علاج
-
إسراء سيف
إسراء سيف كاتبة مصرية ساهمت بتغطية مهرجانات مسرحية عدة، وبالعديد من المقالات بالمواقع المحلية والدولية. ألفت كتابًا للأطفال بعنوان "قصص عربية للأطفال" وصدر لها مجموعة قصصية بعنوان "عقرب لم يكتمل" عن الهيئة العامة المصرية للكتاب بعد فوزها بمسابقة للنشر، كما رشحت الهيئة الكتاب لجائزة ساويرس.
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
نعبر جميعنا عن آلامنا الجسدية بأريحية مع الأصدقاء، وربما على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن مازلنا نفتقد الوعي بضرورة طلب العون عندما نقع بمعاناة نفسية تلازمنا، ويختار البعض أن يتألم وحده وألا يلجأ لطبيب!..
مع تكرار حالات الانتحار، أصبحت هذه الظاهرة تستحق أن نتوقف عندها، ونراجع أنفسنا من جديد. اليوم سنشارككم بعض القصص من مرضى يتماثلون للشفاء أرادوا المساهمة بتجاربهم معنا، وكذلك مشاركات من مختصين للإجابة عن أسئلتنا.
“كانت بتجيلي هواجس اقتل ابني”
ظلت تردد هذه الكلمات على مسامعي أثناء حواري معها، وكأنها لا تتخيل أن هذه الأفكار كانت تطاردها من قبل. عين هي شابة بالعشرينات من عمرها، عانت من اضطراب القلق والوسواس القهري، وتشاركنا قصتها فتقول:
“تصورت بالبداية إن دي أعراض اكتئاب ما بعد الولادة، ولكن تطورت بالوقت. جوزي وأهلي رفضوا اروح لدكتور نفسي، ومنهم اللي كان شايف إن بادلع، بس وقفت لهم، وقلت لهم عن تطور أفكاري تجاه ابني، وإن لازم الحق نفسي”
أجابت عين عندما سألتها عن سر تخيلاتها لقتل ابنها:
“كان عندي قلق طول الوقت مش عارفة اتحكم فيه. كان بيجيلي هاجس إن بقتله علشان احميه من شرور العالم”
أكد الطبيب الشخصي لها أن الوسواس القهري كان سيتطور إن لم تأخذ القرار المناسب بالعلاج، وأن اضطراب القلق كان تطور معها بالفعل، وأضافت:
“الناس ما عندهاش الوعي الكافي بضرورة وجود طبيب نفسي في حياتنا، وإننا ممكن نعاني من أمراض ما نعرفش عنها حاجة، وإن مش عيب نتعالج، لكن العيب نسيب نفسنا للمرض”
نسبة السيدات اللاتي يتحدثن عن تجاربهن مع المرض النفسي كبيرة بشكل ملحوظ بجانب التجارب التي نقرأها للرجال على مواقع السوشيال ميديا، ورغم ذلك أحب الشاب ي.أ مشاركتنا تجربته هو الأخر مع الأفكار حول الموت والانتحار، فيقول:
“وقعت في حب فتاة مريضة باضراب الشخصية الحدية؛ هكذا شخص مرضها أكثر من طبيب ذهبت إليه بعد تعرضي للإيذاء نفسي بسبب علاقتي بها، وكانت تراودني الأفكار الانتحارية بسبب تعاملها المتأرجح معي”
أضاف ي. أ أن العلاقات العاطفية المؤذية تدفعنا للتفكير أن العيب فينا، ولكن سرعان ما ندرك أنه يجب علينا استشارة مختص. وبعدما شرع في خطوات علاجه من الاكتئاب، سرعان ما قطع علاقته بهذه الفتاة، واسترد حياته وصحته النفسية.
أما عن هند عبد السلام، فأحبت أن تشاركنا هذه الكلمات عن تجربتها مع الاكتئاب ثنائي القطب:
“عمر ما كانت مشكلتي في الشعور الزايد أو اللاشعور، أنا مشكلتي التأرجح الحاصل لي بينهم؛ مشكلتي إني أهوى إلى قاع الإكتئاب، ثم فجأة الاقيني مبسوطة من اللا شيء. يومين أحس في شيء قاعد على قلبي، ويوم اجري واوزع ابتسامات ومبسوطة، وفجأة ارجع انتكس”
تعمل هند عبد السلام كأخصائية نفسية، وأحبت أن تشاركنا تجربتها ليعرف الجميع، أن حتى من يعملون على علاج المرضي معرضون للمرض في مرحلة ما من حياتهم لسبب أو لأخر، وأن للاكتئاب أكثر من وجه قبيح.
أما عن سامية مصطفى وهي مدرسة لغة عربية، فحكت أنها عانت من نوبات القلق الحادة وقالت:
“”كنت باحس بضيق في التنفس وإني هموت. لو برا البيت أقول لأهلي ودوني البيت، ولو في البيت تجيلي الأعراض وأقولهم يخرجوني من البيت، وما كنتش بنام كويس من الأفكار عن الموت والحزن”
قررت سامية البدء بالعلاج عندما تأكدت أنها لا تعاني من مشاكل عضوية، وقالت أن أول مرة فكرت فيها بالانتحار عندما سمعت والدتها تقول في مشادة كلامي يعني انط من البلاكونة ولا أعمل ايه؟ فتقول سامية:
“الانتحار والكلام عنه عدوى كارثية، فعندما سمعت أمي تردد هذه الكلمات تصورت أنها أصبحت لا تطيق مرضي، وأن الطريق الوحيد لإراحة الجميع مني هو الانتحار”
تقول سامية أن طبيبها الأول لم يكن يستمع لها بشكلِ حقيقي، فيما تحسنت حالتها على يد طبيب أخر كان يتعامل معها كإنسانة أكثر من كونها مريضة، وتجاوب معها في طلبها ألا يشخص حالتها لها حتى لا تزداد هواجسها وقلقها، ويكتفي بشروعه في العلاج، ومع الجلسات السلوكية والأدوية. وأشادت بمركز “دعم” بالإسكندرية الذي يوفر ورشًا لدعم المرضى بالعلاج بالفن وطرق أخرى مختلفة.
معدلات الانتحار بمصر والعالم
طبقًا لموقع منظمة الصحة العالمية يلقى ما يقارب من 800000 شخص حتفه بسبب الانتحار، ويعتبر ثاني أهم سبب للوفاة بين من تتراوح أعمارهم من 15 ل25 سنة. وحسب الاحصاءات الأخيرة لمنظمة الصحة العالمية عام 2016، فإن مصر قد احتلت المركز الأول بين الدول العربية من حيث معدلات الانتحار، وأن هناك كل مئة ألف مصري 88 حالة انتحار.
أخصائيون يقدمون الحل
وقد اهتمننا بتوجيه الأسئلة للمختصين حول هذه الظاهرة، والأمراض المختلفة التي تدفع بالمريض للتفكير في الانتحار. تقول المعالجة النفسية عبير علي:
هناك أمراض عندما تزداد حدتها عند المريض دون علاج تدفعه للتفكير بالانتحار؛ كاضطراب الشخصية الحدية، والقلق، والاضطراب السلوكي لدى الأطفال والمراهقين. وعندما يلجأ إليك أحدهم لتنقذه من أفكاره الانتحارية أنصحه بالتوجه إلى طبيب نفسي فورًا، وكل ما عليك فعله؛ عدم الاستهتار بمشاعره وحزنه أيًا كانت.
أما عن الاكتئاب وأعراضه وعلاقته بالأفكار الانتحارية قالت:
يجب على الإنسان أن يفرق بين شعوره ببعض الحزن والضيق المؤقت، وبين شعوره بأعراض الاكتئاب التي تتطلب استشارة الطبيب. الاكتئاب يمنع الإنسان من ممارسة حياته بشكل طبيعي؛ كأن يفقد الاهتمام بكل شيء، وشغفه بالأشياء التي كان يفعلها قبل شعوره بالاكتئاب، وشعوره بالحزن المتواصل.
واستطردت أن هناك أنواع مختلفة للاكتئاب، فقالت:
هناك أنواع من الاكتئاب؛ كاكتئاب ثنائي القطب والذي يكون عبارة عن شعور بالحزن الشديد بعد نوبة من الهوس، واكتئاب له علاقة بتغيير الهرمونات؛ كاكتئاب فترات الحيض، وما بعد الولادة. وهناك الاكتئاب الموسمي الذي يصاحب تغيرات فصول السنة، ولكنه أقل حدة من الاكتئاب العادي، ويستطيع الإنسان التكيف معه دون لجوء لطبيب، ولكن عليه محاولة التغلب عليه والتكيف معه، أو اكتئاب بسبب مرض عضوي مزمن.
هل الانتحار عدوى؟
بالطبع الانتحار عدوى، وأثبتت الدراسات أن انتشار أخبار الانتحار تزيد من معدله، وسميت هذه الظاهرة بـ”فرتر” نسبة لرواية ألمانية ليوهان جوتة بعنوان “آلام الشاب فرتر” وانتهت بانتحار الشاب، فتأثر الناس بحالته وازدادت من بعدها معدلات الانتحار، فُأطلق على هذه الحالة فرتر.
وكيف يؤثر على الناس انتشار فيديو بتفاصيل حالة انتحار؟
الفيديوهات التي تحمل تفاصيل حالات الانتحار يكون تأثيرها السلبي في زيادة معدلاته أكبر بكثير من انتشار مجرد خبر. وستجدين انتشار تعبيرات من بعض الأفراد بمواقع السوشيال ميديا تقول، أنهم لو كانوا أكثر شجاعة لانتحروا؛ إذن فقد تحول الفعل من فعل مشين لفعل شجاع!..فتمجيد البعض للفعل، وتحويلهم للمنتحر لبطل يزيد أيضًا من معدلات الانتحار.
لاحظت أن نسبة النساء الاتي يشاركن تجارب علاجهم من الأمراض النفسية مع أخرين أكبر من نسبة الرجال، فما تفسيرك لهذا الأمر؟
في مجتمعنا ردود الأفعال تختلف من النساء للرجال في كل شيء، وبالتأكيد بالأخص التعبير عن المشاعر والمشكلات النفسية، وهذا بسبب وضع الرجل في قالب معين للتعبير عن مشاعره من قِبل المجتمع.
فالنساء أكثر تعبيرًا عن مشاعرهم بطبيعتهم مع أصدقائهم، وطبيبهم المعالج، فيما يميل الرجال لكبت مشاعرهم بصورة أكبر، وتخريجها في شكل عنيف، أو بإدمان العمل والجيم والألعاب الإليكترونية. وأحيانَا في شرب الكحول والمخدرات.
يخاف بعض المرضى من تناول الأدوية النفسية لما يتردد من مفهومات مغلوطة عنها، وعن هذا الأمر قالت عبير:
الطبيب المعالج هو من يحدد ضرورة الدواء حسب حالة كل مريض بجانب العلاج السلوكي، وهناك بعض الحالات التي لا تحتاج للتدخل بالدواء، وعلى المريض الاستجابة لأوامر الطبيب إذا رأى ضرورة الاستعانة بالدواء لمساعدته، والأدوية جميعها إذا اُستخدمت بشكل خاطىء تمثل ضررًا على الإنسان هذا كل ما في الأمر.
أما عن ريهام خيري وهي إخصائية نفسية تعمل بإحدى الدول العربية، فقالت:
بمجتمعنا الوعي بضرورة الذهاب لطبيب نفسي قليل جدًا نسبة لباقي المجتمعات من حولنا، والذهاب لطبيب نفسي لا يتطلب أن يكون الإنسان وصل لحالة مرضية مؤذية، ولكن يلجأ الناس في المجتمعات من حولنا للطبيب النفسي عندما يريد ون التخلص من الأفكار السلبية بوجه عام، والتي تعيقهم عن الإنجاز كما يريدون بحياتهم، أو يذهبون للأطباء لاستشارة في مشكلاتهم.
وقد أضافت ريهام:
يجب علينا زيادة وعي المجتمع تجاه العلاج النفسي وأهميته من خلال الإعلام بوسائله المختلفة بالصحافة والبرامج التلفزيونية، كما يجب على الناس فهم أن الأدوية وحدها ليست كافية لعلاج المريض، ولكن عليه الاستمرار على جلسات العلاج السلوكي، والتدرب على الأفكار التي تسيطر عليه وعلى مشاعره، وكذلك معالجة الصدمات والمشكلات التي أدت به للوقوع بالمرض.
اقرأ أيضا
الكاتب
-
إسراء سيف
إسراء سيف كاتبة مصرية ساهمت بتغطية مهرجانات مسرحية عدة، وبالعديد من المقالات بالمواقع المحلية والدولية. ألفت كتابًا للأطفال بعنوان "قصص عربية للأطفال" وصدر لها مجموعة قصصية بعنوان "عقرب لم يكتمل" عن الهيئة العامة المصرية للكتاب بعد فوزها بمسابقة للنشر، كما رشحت الهيئة الكتاب لجائزة ساويرس.
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال