أفلام أكتوبر “1” .. هل كانت الأغنية هي الممر؟
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
صبيًا شاهدت لأول مرة فيلم أغنية على الممر، بعدما رفع عنه المنع الرقابي للعرض التلفزيوني غير المبرر أو المفهوم، لأفاجئ أنني أما تحفة فنية حقيقية، لينضم وقتها بجدارة إلى قائمة الأفلام التي أحبها، قبل أن أدرس السينما فأكتشف أنني أمام كنز سينمائي ممتع، خاصة تلك الأغنية، لتتحول الأغنية من مجرد غنوة على الممر إلى ممر يربط بين عالمين.
أبكى.. أنزف.. أموت
5 رجال على خط النار خلال معارك هزيمة يونيو، يجلسون في مواقعهم في وضع صعب يتعرضون للهجوم ولكنهم يصرون على المقاومة، رغم نفاذ الأكل وانقطاع سبل الاتصال بالقيادة، ولكن كانت لهم دوافعهم القوية في الوقوف والدفاع،4 منهم على الأقل يملكون تلك الدوافع ليصمدوا حتى النهاية الحتمية.
هنا تتحول الأغنية من مجرد أغنية درامية إلى بطل درامي بالمعنى الحرفي، في الفيلم الذي يعد من الأفلام النادرة التي أنتجتها جماعة السينما الجديدة، ذاك الحراك السينمائي، والمجموعة التي تكونت عقب هزيمة يونيو وضمت صناع العمل السيناريست مصطفى محرم الذي حول مسرحية علي سالم إلى فيلم، والمخرج علي عبدالخالق مخرج الفيلم، إضافة لأسماء لم تشارك في الفيلم مثل رأفت الميهي ومحمد راضي، وغيرهم شكلوا حراكًا سينمائيا مغايرًا، وتعد تلك الجماعة هي النواة الحقيقة لما أطلق عليه بعد ذلك الواقعية المصرية الجديدة.
الفيلم الذي تم انتاجه وعرضه قبل انتصار أكتوبر كان يشترك مع الأفلام الجادة التي قدمت في تلك الفترة، في أنه يستعرض أسباب الهزيمة، وليست الأسباب السياسية والعسكرية هي المطروحة للاستعراض، ولكن الأهم الأسباب الاجتماعية، ذلك التفسخ الاجتماعي القاتل لكافة الأحلام.
أجل نحن في اغنية على الممر موعد مع 5 أحلام تحطمت بسبب تفسخ اجتماعي، الشاب المثقف الذي يفقد مستقبله دراسيًا ووظيفيًا لأنه رافض أن يكون ببغاء يردد ولا يفهم ولا يقتنع، الملحن الشاب يفقد حلمه تحت ما يسمى بالجمهور عاوز كدة من فن هابط، الصنايعي تحرمه الحرب من الاقتران بحبيبته، والشاب العابث حرمه الفقر من حلمه في الثراء فانحرف، بينما يحلم الشاويش محمد الأكبر سنًا بالثأر لزملائه من الشهداء في حرب 56.
وتعيش يا قمر المغرب
خمسة أحلام محطمة على خط النار ولكنهم يستبسلون بشكل استثنائي للدفاع عن حلمهم المشترك، كأنهم يحاولون تحقيق ما عجزوا عنه في المجتمع هنا على خط النار، ومن رحم كل هذا تنساب كلمات الأبنودي “وتعيشي يا ضحكة مصر” على نغمات ألحان حسن نشأت العظيمة ليخرج البطل الحقيقي للعمل من رحم المعاناة التي يعيشها أصحاب الأحلام.
بكلمات بسيطة ولحن بلا أي تعقيد كأنه همهمات أو غناء صنايعية، يصيغ الأبنودي ونشأت اغنيتهما، تلك الأغنية التي تتحول إلى ممر، ممر فعلي يحمل الرجال الخمسة إلى وجه أخر من مصر كانوا قد نسوه في خضم التفسخ والقهر المجتمعي الذي عانوا منه قبيل الهزيمة، والحقيقة أن الرجال الخمسة هزمهم المجتمع قبل أن تهزمهم الحرب.
وجه مصر الأخر الوجه الحقيقي يتجلي في تلك الكلمات “وتعيش يا قمر المغرب، وتعيش يا شجر التوت” وكأنما يذكرنا الأبنودي بذلك الوجه الذي نسيناه في الستينات تحت الدعاية الزائفة وصراعات القادة والتحول الزائف وحالة الانحلال المجتمعي المتكاملة التي عشناها فنتج عنها هزيمة توصيفها الحقيقي مجزرة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
وتعيشي يا ضحكة مصر
في المشهد الذي يتخيله الملحن “حمدي” وهو يسير بين العمال في الشارع يسمع اغنيته من حناجرهم اثناء عملهم، يتبلور حلمه ويتبلور معه وجه مصر التي يغني عنها ولها ويعرفها ويعود إليها رغم الهزائم والانكسارات، اعتماد حسن نشأت على صوت أحمد مرعي للغناء وصوت العمال للغناء والبعد عن استخدام أية آلات موسيقية جعل الاغنية أكثر حياة وصدق، جعلها جديرة لتتحول لهتاف حينما يريد أحدهم وتتحول لهمهمة حينما يريد أخر، كأنها جملة تتكرر في اللاوعي بشكل منتظم مستمر، وتعيشي يا ضحكة مصر.
اغنية على الممر ذاك الدرة التي قتلها المنع من العرض فترة وعادت للظهور لتكون أهم الأفلام التي تناولت الهزيمة وأسبابها، لم تقف عند هذا الحد بل إن الفيلم شديد الأهمية في وقت عرضه، في تلك اللحظة عام 1972 حينما تملك اليأس والإحباط من قلوب الكثيرين، حينما ترك العديد الوطن وهربوا من الهزيمة لأوروبا، رافضين مصر المنهزمة، كان أغنية على الممر صدمة رقيقة تذكر الجميع بمصر التي نعرفها فعلا ونعيش لها فعلا.
إقرأ أيضاً
مراحل تطور التحرش في تاريخ مصر الحديث .. هل أفلام عادل إمام هي السبب ؟
الكاتب
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال