أفلام عزت العلايلي بين ثالوث يوسف شاهين ونجيب محفوظ والسياسة
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
وضعت أفلام عزت العلايلي اسمه الفني في المركز الثالث في قائمة أكثر ممثلي جيله عملاً بـ 192 عمل فني، حيث يسبقه محمود ياسين بـ 258 عملاً ونور الشريف بـ 245 عمل، ويأتي بعده حسين فهمي بـ 190 عمل، وعادل إمام بـ 166 عمل، فيما جسد محمود عبدالعزيز 119 عملاً، واحتل الفنان أحمد زكي المركز السابع بـ 91 عملاً.
اقرأ أيضًا
أفلام المقاولات التي راهن صناعها على مطربيها فلم تحقق نجاح أغانيهم
رغم هذا لم يكن الفنان عزت العلايلي نجم شباك إلا في فترات معينة من مسيرته الفنية لأفلام بعضها لم يكتب له النجاح الجماهيري، وبعضها صار علامةً بارزة في مسيرته، لكن الشيء اللافت أن هناك أشكال مراحل حكمت مسيرة عزت العلايلي فنيًا.
أفلام عزت العلايلي في فن نجيب محفوظ .. ثورة 1919 الانطلاقة
جاءت بداية عزت العلايلي سينمائيًا عبر أعمال الأديب نجيب محفوظ وصل مجموعها إلى 4 أفلام ومسلسل؛ وهم «بين القصرين، الاختيار (سيتم تناوله فيما يخص يوسف شاهين)، أهل القمة، التوت والنبوت، الباقة من الزمن ساعة».
كانت الشخصية التي جسدها عزت العلايلي في بين القصرين سنة 1962 م هي إشارة نجيب محفوظ إلى أن روح ثورة 1919 لم تكن روح الهتافات وإنما أيضًا العمل السري، فـ فهمي عبدالجواد (صلاح قابيل) ثائر بالشعارات الرنانة والخطب الحماسية، أما إبراهيم (عزت العلايلي) فهو يجيد التخفي والعمل السري.
بعد 35 سنة من فيلم بين القصرين تناول عزت العلايلي ثورة 1919 بشكل مختلف في مسلسل الشارع الجديد حيث استعرض كل شرائح المجتمع المصري، وقام بتفصيل أحداث سنوات ما قبل الثورة في إطار اجتماعي أكثر منه تاريخي.
اقرأ أيضًا
عفوا مصطفى أمين.. معلوماتك عن ثورة 1919 خاطئة
تعرض مسلسل الشارع الجديد سنة 1997 م إلى هجوم عنيف من النقاد إذ اتهم بعضهم العمل بالهبوط لأنه مجرد موضة في إعادة الأعمال التاريخية المتعلقة بثورة 1919 م وعن هذا قال عزت العلايلي في حواره مع جريدة الوفد «ليست موضة ولا بدعة لأن تاريخ مصر حافل بالمواقف والبطولات النادرة وقد شهدت مصر من عام 1914 وحتى 1952 العديد من البطولات النادرة والملاحم الشعبية، ولا أرى أي مانع يحول دون أن نقيم هذه البطولات والقصص المجهولة التي لن يحصيها عمل فني واحد».
جاء فيلم أهل القمة كأول صرخة عنيفة من نجيب محفوظ ضد السادات حيث انتقد الانفتاح الاقتصادي بشكل شديد الجرأةإذ أبرز الفساد والرشوة وغيرها، وجسد فيه عزت العلايلي دور الضابط الشريف، وقد تكلم الناقد شريف الوكيل عن دوره قائلاً «استطاع تجسيد مشاعر الضابط الشريف الذى تقهره الظروف ، وإن ظل متماسكا كإنسان رغم كل عوامل الإحباط المحيطة به، وقد عبر عن ذلك ببساطة وعفوية تحسب له، وكان معبرٱ عند رفضه للواقع فى نهاية الفيلم، شديد المرارة حين قال بألم عميق ياخسارة لإدراكه أن الظروف الطارئة، على هذا المجتمع قد أضاعت أجمل ما فيه من قيم».
اختتم عزت العلايلي مسيرته السينمائية مع فن نجيب محفوظ بفيلم التوت النبوت عام 1986 م وهو أحد الأعمال السينمائية الستة التي جسدت ملحمة الحرافيش.
لعل هذا الدور لم يكن مميزًا في مسيرة عزت العلايلي أو بالأحرى لم يكن لائقًا على عزت العلايلي كون أن بنيانه الجسماني ليس بنيان فتوة يتمكن من ضرب رجال حسونة وحدهم؛ لكن تبقى مقولته بنهاية الفيلم هي الخالدة «أنا بحب العدل أكتر من حبي للحرافيش، وبكره الظلم أكتر من كرهي للأعيان».
عزت العلايلي وسينما يوسف شاهين .. حب واختلاف
تطورت بداية مسيرة الفنان عزت العلايلي أكثر عندما رفض الفنان شكري سرحان تجسيد شخصية عبدالهادي في فيلم الأرض وذلك لقناعته أنه سيكون تقليدًا لشخصية حمدان في فيلم ابن النيل مع يوسف شاهين.
تم ترشيح عزت العلايلي لأداء دور عبدالهادي وكانت شخصيته شخصية مركبة، فهو مكافح وشهم وبطل وفقير ونجم للتحطيب ومنافس شرسة لـ محمد أفندي على قلب وصيفة التي كانت في بداية الفيلم غير مستقرة رومانسيًا حتى مالت لعبدالهادي؛ وكان عزت العلايلي مقنعًا للغاية في توصيل صورة الفلاح.
توهجت مسيرة عزت العلايلي مع يوسف شاهين فوصل لحد بطولة فيلم الاختيار حيث جسد شخصية محمود وشقيقه التوأم سيد، وكان الدور سيقوم به يوسف شاهين ثم عدل الترشيح فجعله من نصيب العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ والذي رفضه لعدم وجود أغاني، فذهب الدور لمحمود ياسين الذي اعتذر عنه للانشغال، فقرر يوسف شاهين أن يمثله عزت العلايلي ويقوم نجيب محفوظ بالمشاركة في الكتابة.
اقرأ أيضًا
ماهر عصام .. قصة دوره مع يوسف شاهين ونور الشريف للدفاع عن فلسطين
فكرة الفيلم قائمة على تراكمات ما بعد نكسة 1967 ، لكن لقي الفيلم فشلاً ذريعًا لأنه يتكلم عن الشيزوفرينيا من وجهة نظر يوسف شاهين ولم يفهمه أحد على الإطلاق إلا يوسف شاهين الذي كان يقول «فيلم الاختيار هو عريضة الاتهام للمثقف الانتهازي وحالة الفصام التي يعيشها وأدت إلى التضليل والهزيمة، والتي في تصوري لم تكن عسكرية فقط، لكن رؤيتي كانت ناقصة وكان لدي المزيد من الكلام الذي أريد أن أقوله عن الهزيمة وأسبابها ورغبتنا في الخروج منها».
وجاء التعاون الثالث بين عزت العلايلي ويوسف شاهين من خلال فيلم الناس والنيل بنسخته الثانية سنة 1968 حيث جسد شخصية الدكتور أمين التي لم تكن موجودة بنسخة الفيلم الأولى سنة 1964 م، وكان حضور عزت العلايلي طاغيًا في الفيلم رغم توزيع الأدوار بشكل غير محوري، وربما ذلك لعدم اقتناع يوسف شاهين بالفيلم أصلاً لخلافاته مع الرقابة.
أما التعاون الرابع فكان عبر فيلم اسكندرية ليه وهو الدور الذي جعل سيد زيان يقول عن عزت العلايلي «عشطجي القطر»، إذ كان عزت العلايلي مقنعًا بشكل كبيرًا في دور الانتهازي الذي يساعد شباب الحركة الوطنية، لدرجة أنه أصدر حرف الخاء مكررًا فأضحك شاهين وقال أن الاسكندرانية لغتهم كدة.
اقرأ أيضًا
كيف خدع يوسف شاهين أبطاله من أجل السينما؟
يعد عزت العلايلي هو نواة مشروع البطل الشاهيني قبل زمن محسن محي الدين، ولم يكتمل المشروع فحاول تعويضه بالممثل سيف عبدالرحمن بطل فيلمي فجر يوم جديد والعصفور، ورغم هذه الصداقة بين العلايلي وجو لكن كان هناك خلاف بينهما بسبب فيلم الآخر في نوفمبر سنة 1998 حيث قال عزت العلايلي في حواره مع جريدة الحياة «إذا كان يوسف شاهين يرى أن رجال الأعمال في فيلم الآخر يستهينون باقتصاد الوطن وأنهم ليسوا شرفاء فأنا ضد هذه النظرية، فهناك رجال أعمال شرفاء ولم يتكلم عنهم شاهين».
السياسة في أفلام عزت العلايلي
الأسماء التي عمل معها عزت العلايلي وموضوعات أفلامه جعلت مقص الرقيب موجودًا بالمرصاد وبأشكال مختلفة ومنذ فترة مبكرة، ليس فقط مع يوسف شاهين في فيلم الناس والنيل وإنما حتى في فيلم زائر الفجر الذي يُعد نواةً لأفلام الكرنكة (أفلام تنتقد الحقبة الناصرية) لكنه أن الأكثر عمقًا في رسالته إذ لم يخص عهدًا بعينه وإنما أسقط على كل العهود، ولذلك رفضه السادات.
لم يتدخل السادات في فيلم زائر الفجر تدخل المنقذ بل كان في صف الرقابة، لكن هذا لم يحدث منه في فيلم أهل القمة، فنور الشريف يحكي أنه أجرى اتصالاً بالرئيس السادات وطلب منه أن يجيز الفيلم بعدما منعه النبوي إسماعيل فطلب الرئيس إرسال نسخة لمشاهدته، وبعد أن شاهده لم يطلب إلا حذف مشهد واحد وهو مشهد قيام ضابط الشرطة بتلقي رشوة.
درة أفلام عزت العلايلي السياسية جاءت من خلال فيلم المواطن مصري سنة 1991 م وأجاد عزت العلايلي دور الفلاح المغلوب على أمره المنكسرالمنسحق أمام الجبروت، فالرجل الذي كان عبدًا يعمل تحت سياط الإقطاع حتى أنقذه زهاء عصر جمال عبدالناصر لم يتغير لا في ظل عبدالناصر ولا بعد عبدالناصر فكأنما خُلِقَ ليكون عبدًا واستسلم لهذه العبودية.
كان مؤكدًا أن يكون الفيلم فريسة شهية للرقابة لأنه يشوه جيل حرب أكتوبر، لكن هذا لم يحدث، على الرغم من أن الفيلم شديد القتامة والمأساة وعبقري في التنفيذ من كافة الجوانب، لكن هناك عيوبًا وأشياءًا غير مقنعة به، ليس في طريقة استشهاد المصري عبدالموجود وإنما في مشهد التعرف على جثته، فقد تغافل الفيلم دور أهل البلد الذين كانوا حضورًا وأحدهم كان يعلم الحقيقة.
شيء من التاريخ في مسيرة عزت العلايلي .. سر الكراهية لقادسية صدام
جسد الفنان عزت العلايلي 4 أعمال تاريخية هي فيلم القادسية ومسلسل النديم وفيلم الطريق إلى إيلات ومسلسل الحسن البصري.
لعل أشدهم فشلاً هو فيلم القادسية فهو لم يكن فيلمًا تاريخيًا بهدف التاريخ ولا الفن وإنما كان فيلمًا سياسيًا من الدرجة الأولى إذ ساهمت فيه حكومة البعث ونظام صدام حسين لتبرير الحرب العراقية الإيرانية والتي كان يسميها نظام البعث قادسية صدام.
اقرأ أيضًا
دور الأزهر والكنيسة زمن تحرير الكويت “وثائق غير منشورة عن الإمام والبابا”
اعترف عزت العلايلي بعدم علمه بأن الفيلم له أهداف سياسية إذ قامت مؤسسة السينما العراقية بتوجيه دعوة له ولكل رموز الفن المصري بالعمل في الفيلم وقال العلايلي عن رأيه في العمل «لا أفتخر بمشاركتي في فيلم القادسية»، ولم يتغير رأي الفنان عزت العلايلي في الأعمال التاريخية رغم غضبه من فيلم القادسية الذي لازمه حتى رحيله، فقد قال أنه يجد نفسه في الأعمال التاريخية.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال