ألبومات في الظل .. سلوى أبو جريشة وألبوم نوبيكا
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
كانت الأغنية فى بداية الثمانينات تسير تحت هوى ومزاجية جمهور القاهرة، كانت مزاجية لا تسمح بظهور تجارب من ثقافات أخرى إلا في أضيق الحدود، وظلت تلك التجارب على الهامش تُحارب كثيرًا؛ كى تجد مكانًا داخل الوسط الغنائي حتى كٌتب لبعضها النجاح وحققت انتشارًا جيدًا مثل تجربة منير ومنيب وحميد الشاعري وبحر أبو جريشة.
ساهم نجاح ألبوم علي حميدة “لولاكي” في ازدهار سوق الكاسيت وأسس لقواعد جديدة في شكل اختيار الأغاني، اختلط فيه الحابل بالنابل وانصهرت تلك الثقافات المتعددة بثقافة القاهرة، وساعدهم على ذلك جمهور كان يستهلك الأغنيات سريعًا كما يستهلك أفلام الأكشن الهندية وساندوتشات الكبدة المستوردة في نوادي الفيديو المنتشرة بعد الانفتاح.
كانت الثقافة النوبية من أهم الثقافات الموجودة والمنتشرة داخل مجتمع القاهرة بعد التهجير، وكانت تشكل جزءًا لايمكن إغفاله من جمهور تلك الفترة وإن عانت تلك الأقلية من العزلة بعض الشيء وحافظت على هُويتها ونفس طقوس أفراحها وأغنياتها الخاصة، حتى كسرت حاجز العزلة شركة صوت الدلتا، وهي أول من ذهبت إلى تلك التجمعات وقدمت بعض مطربيها إلى الساحة الغنائية من خلال إصدار أول ألبوماتهم الرسمية، منهم على سبيل المثال:
(بحر أبو جريشة) و(حسن بشير) و (مصطفى سلوم) حتى صارت النوبة جزءًا من الثقافة السمعية للجمهور العادي.
كان اللون النوبي تحديدًا يسيطر عليه الرجال ولم يكن هناك صوت نسائي حقيقى خارج من أرض النوبة لأسباب تلخصها التقاليد والعادات التي تمنع البنت من احتراف الغناء، كانوا يستعيضوا على الوجود النسائي في أفراحهم بمطربات من السودان أو الحبشة أمثال ( جواهر وحنين وسلمى العسل)، حتى ظهرت سلوى أبو جريشة التي قررت كسر تلك العادات واحتراف الغناء بتشجيع من والدها المطرب النوبي الكبير ( بحر أبو جريشة )، من ورثت عنه نفس الشجن والدفء في الصوت.
كان من المفترض أن يكون الظهور الرسمي الأول لسلوى عبر “دويتو” يجمعها بمحمد منير عبر أغنية “شتا” والتي صدرت في ألبوم “ممكن” وكان متفق أن تغني سلوى كوبليهًا كاملًا داخل الأغنية بمفردها، لكن تدخلات منير قلصت من زمن غناء سلوى أبو جريشة التي لم تملك حق الرفض كونها فرصة جيده للظهور بجانب الصوت الأشهر للنوبة وقتها، واقتصر وجودها على غناء مصاحب لمنير، نعم ظهرت في الخلفية ككورال لم يلحظه كثيرون.
في نفس العام الذي صدرت فيه أغنية “شتا” كانت تستعد سلوى أبو جريشة لإصدار أول ألبوم لها بعنوان (بربريكا) وهو الاسم الذي اعترضت عليه شركه سونار منتجه الألبوم خوفًا من الاتهام بالعنصرية بسبب كلمة “بربر” ذات السمعة السيئة في الثقافة المصرية فتم تغييره فيما بعد إلى ( نوبيكا أو شباب النوبة ).
لم يكن لسلوى مطلق الحرية في اختيار كل الأغاني، بل اختارت نصف أغنياته تقريبًا وفرضت شركة سونار النصف الباقي في سبيل صنع توازن فني للألبوم؛ كي يصل إلى كافة الجمهور ولا يكون موجه إلى جمهور بعينه.
عند ذكر النوبة لا يمكن إنكار فضل الموسيقار علي كوبان على الحركة الموسيقية النوبية والزخم الفني الذي كان يصنعه من حفلات وإحياء أفراح، إضافة إلى أغنياته المنتشرة في أوساط المجتمع النوبي القاهري، كان وجوده أساسيًا في أي تجمع غنائي نوبي سواء بأغنياته أو بفرقته، وهي الفرقة التي كانت تعزف خلف مطرب أفريقيا الأول ( محمد وردي ) عند قدومه إلى مصر.
بالطبع كان لابد أن تختار سلوى عددًا من أغاني كوبان، اختارت 4 أغنيات وهم ( منين، نوبيكا، لا يا حبيبي، وسميري) وشاركها كوبان الغناء في (سميري) و(لا يا حبيبي).
ضمت سلوى أغنية من السودان ( هانت الأيام )، تنتمي إلى أغاني الحقيبة السودانية، كانت تُقدم عبر الإذاعة السودانية في أوائل القرن الماضي، إضافة إلى ( بربريكا ) و( على قدي ) و( فانوسي )، وهي أغنيات يمكن القول إنها اختيار من الشركة؛ لتغازل الجمهور المصري كونها تشبه أغنيات السوق التجاري الغنائي وقتها. شارك سلوى في غناء الألبوم بالإضافة إلى كوبان المطرب ميكا ثابت، وكورال مصاحب ستونة، وسلمى العسل.
أحد أهم مفاجآت الألبوم هي ظهور أحمد الناصر وعمرو أبو ذكري كموزعين للألبوم، لكن بشكل منفصل بعد فض الشراكة الفنيه بينهما، وزع الناصر خمس أغنيات وتولى أبو ذكرى توزيع ثلاثة أغنيات، ويبدو أن الشراكة الفنية الناجحة للثنائي مع منير كانت سببًا رئيسيًا في الاستعانة بهما في توزيع الألبوم في محاولة من الشركة لاستنساخ نجاح تجربة منير.
الألبوم كان جيدًا.. من الناحية الفنية حافظت خلاله سلوى على خصوصية مشروعها الفني بسلمه الخماسي النوبي وإيقاعاته الأفريقية الصاخبة، مع توزيعات اتسمت بحضور لافت للآلات الموسيقية الحية من نحاسيات وجيتارات وظهر العود خجولًا في أغنية واحدة من عزف المطرب والملحن وجيه عزيز.
بعد صدور الألبوم ظهرت أبو جريشة في الكورال خلف منير في حفل افتتاح متحف آثار النوبة بعد إعادة ترميمه في أغنيه ( اللالون )، شاركته الغناء في نسخة الاستوديو التي صدرت بعدها في ألبوم “لقاء النجوم”.
خلال تلك الفترة كانت شركة “سونار” تلملم أوراقها من السوق المصري بعد خروج غالبية نجومها لشركات أخرى، وماطلت سلوى كثيرًا لإنتاج ألبومها الثاني حتى أغلقت الشركة أبوابها.
شاركت سلوى بعدها بألبوم غنائي ضمن مشروع سلامات، الذي أطلقه عازف الإيقاع النوبي المهاجر إلى المانيا ( محمود فضل ) واحتوى المشروع على عشر ألبومات أعاد فيها فضل توزيع بعض الأغنيات المصرية والنوبية القديمة، واختار سلوى لأداء بعض أغنيات السيدة أم كلثوم ( أغدًا ألقاك.. أنت عمري.. سيرة الحب.. حيرت قلبي معاك.. دارت الايام ).
ظل الألبوم مجهولًا فترة كبيرة حتى ساهم الإنترنت في خروجه إلى النور مرة أخرى، خاصة بعد انتشار تراك لها على موقع اليوتيوب تغني فيه مقطع من أغنية ( دارت الايام ) والذي عوضها قليلًا عن التجاهل الذى لاقته وقت صدور ألبومها الأول.
لم يكتب لمشروع سلوى الغنائي الاستمرار في ظل متغيرات السوق الغنائي وانهيار الصناعة، قررت الاستقرار في الغردقة والاكتفاء بالغناء داخل أحد فنادقها، وعادت مؤخرًا بأغنيه جديدة لها من كلماتها وألحانها وتوزيعها.
إقرأ أيضاً
أفضل عشر ألبومات في مسيرة الملك “محمد منير “
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال