همتك نعدل الكفة
934   مشاهدة  

ألحان فريد المقتبسة من أغانيه .. حكايات الموسيقار محمد علي القصبجي

الموسيقار محمد


أهلا بكم أعزائي القراء في الحلقة السادسة عشر من قصة الموسيقار الكبير نحيل الجسد قوي الفكر، المرحوم محمد علي القصبجي، وكنا قد ذكرنا في اللقاءات السابقة أن محمد القصبجي بالإضافة إلى إنتاجه الفنى الغزير والبديع فقد كان علمه الموسيقى غزيرا هو الآخر، كذلك كان القصبجي أستاذا لجيل كامل من موسيقيين وفنانين كبار أكملوا المسيرة الفنية فى القرن العشرين وبخاصة محمد عبد الوهاب ورياض السنباطي وأم كلثوم وأسمهان وفريد الأطرش الذي لم يستطع الفكاك من مدرسة أستاذه محمد القصبجي، والواقع أن أشهر معزوفاته وتقاسيمه على العود والتى اشتهرت فى سائر أنحاء الوطن العربى ما هى في الأصل سوى نسخ من تقاسيم محمد القصبجى الذى لم يكن يؤديها فى حفلات على الجمهور كما كان يفعل فريد، وإن اختلف تكنيك العزف، بل إن ألحان فريد الأطرش والمعروفة بجمل لحنية معينة تكررت فى أغانيه مقتبسة من ألحان القصبجى ربما كما هي.

المرحوم محمد القصبجي بين النقد والإنصاف:

الحديث عن عبقرية المرحوم محمد القصبجي ودوره الفريد في تطوير وتجديد موسيقانا العربية لا يخلو أبدا من توجيه النقد إلى ذلك الموسيقار الكبير، ولعل ما يمكن وصفه بالإخفاق لدى آخرون قد يبرر لدى محمد القصبجي بأسباب لا حصر لها، فعلى الرغم من كل ما قدمه الموسيقار الكبير محمد القصبجي من جهد وفن فإنه كان باستطاعته تقديم أكثر مما قدم بكثير، ربما لو اتيحت له فرصة أكبر مما اتيحت له مع عمالقة الغناء في القرن العشرين لاسيما المشوار المبتور مع أم كلثوم في ذروة مجدها، لذلك دائما ما يذكر النقاد أن هناك أسباب معينه هي التي جعلت أعمال المرحوم محمد القصبجي تنحصر فى نطاق محدود، على اختلاف الآراء في الاعتداد بتلك الأسباب بحرفيتها ومن بين تلك الأسباب:
توقف المرحوم محمد القصبجي عن التلحين قرابة العشرين عاما، وربما عاد هذا إلى أم كلثوم أكثر منه إلى القصبجى كما ذكرنا في الحلقات السابقة، وكذلك لوفاة أسمهان المفاجئة وهى فى سن الشباب، وهي التي كان ينوى القصبجي استثمار إمكانيات صوتها لأقصى حد بما يدفعها في منافسة حقيقية لكوكب الشرق أم كلثوم على حد تعبير المرحوم فريد الأطرش، كذلك من الأمور التي قد تؤخذ على المرحوم محمد القصبجي عدم توغله كثيرا فى المنطقة الشعبية من الفن، وقد يرجع هذا إلى تركيبة محمد القصبجى النفسية والمزاجية الحالمة، وإلى كونه موسيقيا أكاديميا من الطراز الأول، فرجل يصل بالمونولوج إلى تلك الذروة التي وصل لها بمونولوج إن كنت أسامح وانسى الأسية بتلحينه على مقام كمقام الماهور، أو ما فعله في مونولوج يا قلبي بكرة السفر وتغيب عن الأوطان ربما لم يكن ليتناسب معه فكرة الاحتكاك بالمساحة الشعبية من الفن، على أن تلك المساحة الخاصة كان لها عظيم الأثر بالنسبة لنجاح فنان كبير كالمرحوم الشيخ سيد درويش والذي بنى مجده الخاص على ذلك الفن، لذلك عرف بفنان الشعب ولم يعش من العمر سوى إحدى وثلاثين سنة، ارتبط اسمه فيها بالفن الذي ينقل صورة الطبقة العاملة والكادحة وكان ذلك سببا رئيسيا في تزعمه لحركة المسرح الغنائي، وتلك نقطة ربما تؤخذ على المرحوم محمد القصبجي الذي ركن إلى منطقة أخرى من الفن شاركه فيها كثيرون وإن حاز من الميزات الموسيقية ما لم يحزه غيره.

 

إقرأ أيضًا… هل سجنوا البحر ؟ .. الميزان يكشف حقيقة الصورة القبيحة

كذلك فكرة الإقلال من القصائد وشعر الفصحى كانت سببا في توجيه النقد للمرحوم محمد القصبجي، ولا شك أن هذا البعد قد أضفى الكثير من القيمة إلى فن من لحقوه كمحمد عبد الوهاب ورياض السنباطى ولو أنه كان قد أكثر منها لأضاف إلى أعماله الكثير خاصة فى ظل قدراته وإمكانياته الفنية العظيمة ورقى فنه بشكل عام، لذلك حين يتحدث أهل الفن والسماع والنقاد الموسيقيين على ميدان القصيدة إنما يسيدون المرحوم رياض السنباطي على المرحوم محمد القصبجي، وهي نتيجة طبيعية والحق يقال أن رياض السنباطي قد أحدث ثورة كبيرة في ميدان هذا القالب تماما كتلك التي أحدثها القصبجي في ميدان المونولوج، على أن تجارب القصبجي الأولى في تلحين القصائد لم تكن لتصل إلى فن الشيخ أبو العلا محمد الملحن الأول لهذ القالب مع كوكب الشرق، وإنما جاءت ألحانه على شكل جمل متلاصقة تفصلها لوازم سهلة ربما لا ترتقي لما قدمه موسيقي هاو كالمرحوم الدكتور أحمد صبري النجريدي مثلا والذي نحى منحى المعلم الأول لأم كلثوم ابو العلا محمد في طريقة تلحين هذا القالب.

 

والحقيقة أن حصر المسألة في نطاق قالب واحد من القوالب وبناء نقدا كهذا عليه ربما يكون قد جانب الصواب نوعا ما، ذلك أن كل ملحن من الملحنين الكبار الذين أسسوا لنهضة الموسيقى في القرن العشرين قد اختار لنفسه ميدانا أتقنه وأحدث فيه تجديده وتطوريه الخاص وحظ المرحوم محمد القصبجي إنما كان في ميدان المونولوج، كزكريا أحمد الذي طور الطقطوقة والدور ولم يفلح تلحينه للقصائد هو الآخر بنفس الدرجة مع القالبين الآخرين.

كذلك من الأمور التي يمكن أن تؤخذ على الموسيقار محمد القصبجي بعده عن المسرح الغنائى، رغم أنه قد لحن للمسرح، صحيح لم يكن نتاجه به غزيرا إلا أنه خاض التجربة ونجح فيها، وهذا أمر يدعو للاستغراب ذلك أن إمكانيات محمد القصبجى الفنية الهائلة كانت تمكنه من خوض هذا المضمار بتمكن تام دون شك، وربما أدى نجاح القصبجى فى الأغنية ووصوله إلى القمة من خلالها إلى تشجيع فنانين آخرين على الاقتصار على هذا النوع من الفنون الموسيقية كمحمد عبد الوهاب ورياض السنباطى بينما استمر الشيخ زكريا فى تقديم عشرات من الأوبريتات المسرحية.

 

إقرأ أيضا
الطريقة التيجانية

على أن كل هذه الانتقادات لا تنتقص من قيمة أعمال محمد القصبجى بأى حال، فبالنظر مثلا إلى المرحوم الشيخ سيد درويش والمرحوم الشيخ زكريا أحمد نجد أن أعمالهما قد بنيت أساسا على الموسيقى الشعبية المستوحاة من كلمات الأغانى التى كتبت معظمها بالعامية المصرية والقليل من الفصحى، وقد استطاع كلاهما الوصول إلى أعلى الدرجات الفنية عن طريق استثمار الفن الشعبى، وبينما كتب معظم أغانى القصبجى شاعر مرهف كشاعر الشباب أحمد رامى، فقد اعتمد سيد درويش على كلمات بديع خيرى وهو أفضل من كتب الأغانى الشعبية وهو الذى صور أغانى الطوائف فى تلك الصور التى ألهبت خيال سيد درويش، وكذلك سيد شعراء العامية بيرم التونسى الذى كتب له نصوص أغانى الأوبريت الشهير شهرزاد، كما اعتمد الشيخ زكريا هو الآخر على أشعار بيرم الغنائية وكونا معا ثنائيا متجانسا فى الفن الشعبى استمر لسنوات عديدة، وعلى العكس فقد بنى رياض السنباطى مجده على تلحين القصائد والموضوعات الكلاسيكية ولم يلجأ إلى الفن الشعبى إلا فى حدود ضيقة جدا.

وإلى هنا أعزائي القراء نكون قد وصلنا إلى نهاية هذه الحلقة، على أن نكمل الحديث في حلقات قادمة إن شاء الله.
دمتم في سعادة وسرور.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان