همتك نعدل الكفة
23   مشاهدة  

أمثلة على تعارض الحديث مع القرآن

تعارض الحديث مع القرآن
  • شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال



بخصوص مسألة تعارض الحديث مع القرآن تقول الفتوى رقم 347 – بتاريخ: 20-10-2009 على موقع دار الإفتاء الأردنية: “الأصل أنه لا يوجد تعارض بين السُّنة الصحيحة والقرآن، لأن مصدرهما واحد، وهو الله سبحانه وتعالى، ويستحيل على الله سبحانه وتعالى التناقض. وإذا ادعى بعضهم التعارض فذلك بحسب ما ظهر له، ولو تتبع ما قاله العلماء من السلف الصالح في هذا الموضوع لما وجد تعارضًا. وللعلماء طرق في التوفيق بين نصوص القرآن والسنة، محلها كتب علم الأصول، نذكر منها:

أولًا: أن تكون السُنة مُبَيِّنة لما ورد مجملًا في القرآن الكريم، كما بينت السُنة أحكام الصلاة والحِج ونحو ذلك مما ذُكِرَ في القرآن مجملًا.

ثانيًا: أن تُقَيِّدَ السُنة ما ورد مطلقًا في القرآن، فإذا جاء النص في القرآن مطلقًا، وجاءت السُنة بنص آخر مُقيِّد؛ فتكون السنة مُقيِّدة لمطلق القرآن، أو تُخصِّص ما كان عامًا فيه“.

فهل حقًّا تعارض الحديث مع القرآن محض وهم وكل ما ورد في من أحاديث (سُنة قولية)، وحُكم عليها بالصحيحة، تتفق والقرآن؟ وإذا ظهر تضارب ما هل يُضعف هذا الحديث بعينه أم يُعد طعنًا في السُّنة ككل؟

أحاديث “صحيحة”

يقول “ابن باز” في تعريف الحديث الصحيح: “الحديث الصحيح عند أهل العلم بالحديث هو الذي بلغ رجاله الذروة في الحفظ، يعني: موصوف بالحفظ والإتقان مع العدالة، مع الاتصال وعدم الشذوذ والعِلة، يقال له: صحيح، إذا كان رجاله ثقة ضابطين، يعني: عندهم كمال الضبط مع الثقة والعدالة، ومع اتصال السند وعدم الشذوذ والعِلة فيه، يسمى حديثًا صحيحًا” (فتاوى نور على الدرب).

YouTube player

بكاء الميت وتعارض الحديث مع القرآن

يُنسب لعمر بن الخطاب أنه روى عن النبي أنه قال: “المَيِّتُ يُعَذَّبُ في قَبْرِهِ بِما نِيحَ عليه. [وفي روايةٍ]: المَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الحَيِّ عليه” (المصدر: صحيح البخاري).

ما الرسالة التي يحملها هذا الحديث المنسوب للنبي؟ أمِنَ المفترض أن الإسلام يمنع المؤمنين من الشعور بالحزن أو التعبير عن مشاعرهم على مَن فقدوا من الأهل والأحباب؟

وإذا فُرِض جدلًا أن هذه الرسالة القاسية هي أمر ديني بوصفها وردت في حديث “صحيح”، فبطبيعة الحال على هذا الحديث “الصحيح” ألا يتعارض مع القرآن أو مع أي حديث “صحيح” آخر!

بالعودة إلى ذات المصدر، صحيح البخاري، نجد حديثًا آخر منسوبًا للنبي برواية أنس بن مالك، يقول فيه: “دَخَلْنَا مع رَسولِ اللَّهِ علَى أَبِي سَيْفٍ القَيْنِ، وكانَ ظِئْرًا لِإِبْرَاهِيمَ عليه السَّلَامُ، فأخَذَ رَسولُ اللَّهِ إبْرَاهِيمَ، فَقَبَّلَهُ، وشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عليه بَعْدَ ذلكَ وإبْرَاهِيمُ يَجُودُ بنَفسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسولِ اللَّهِ تَذْرِفَانِ، فَقالَ له عبدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: وأَنْتَ يا رَسولَ اللَّهِ؟ فَقالَ: يا ابْنَ عَوْفٍ إنَّهَا رَحْمَةٌ، ثُمَّ أَتْبَعَهَا بأُخْرَى، فَقالَ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، والقَلْبَ يَحْزَنُ، ولَا نَقُولُ إلَّا ما يَرْضَى رَبُّنَا، وإنَّا بفِرَاقِكَ يا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ“.

لا يقف التعارض عند هذا الحد أو هذا المستوى، بل يصل إلى حد التناقض مع القرآن، وفي نقطة شديدة الأهمية والحساسية، ألا وهي العدل الإلهي.

يقول سبحانه في الآية 18 سورة فاطر: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ﴾ وهو الأمر البدَيهي في فهم العدالة، فكيف بعد ذلك يُنسب للنبي أنه يقول إن الله يحاسب الشخص الميت بفعل شخص آخر حي إذا افتُرض بالأساس أن البكاء حزنًا على فقد عزيز هو جرم له وزره؟!

عذاب بلا بلاغ

نقل عن أنس بن مالك إنه قال: “أنَّ رَجُلًا قالَ: يا رَسولَ اللهِ، أيْنَ أبِي؟ قالَ: في النَّارِ، فَلَمَّا قَفَّى دَعاهُ، فقالَ: إنَّ أبِي وأَباكَ في النَّارِ” (المصدر: صحيح مسلم – حكم المحدث: صحيح).

حديث “صحيح” آخر يتضارب مع فكرة العدالة الإلهية المنصوص عليها في القرآن؛ حيث تقول الآية 15 من سورة الإسراء: ﴿مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ فكيف إذًا يكون مَن مات ولم تبلغه الرسالة في النار؟

وفي هذا الصدد وضع الفقهاء مصطلح “أهل الفترة” والذي يُعرفه “ابن باز” فيقول: “أصحاب الفترة هم الذين لم تبلغهم الرسالات، لم يبلغهم دعوة نبي، لا عيسى، ولا غيره، يقال لهم أهل الفترة، وهكذا ما بين محمد وما بين عيسى، وهي فترة طويلة، قيل: ستمائة عام، وقيل: أقل من ذلك“.

بناء على هذا التعريف يكون أبو السائل وأبو النبي كلاهما من “أهل الفترة”، فيصبح السؤال: ما مصير هؤلاء المندرجين تحت هذا التصنيف؟

مصير أهل الفترة

في برنامج “نور على الدرب” يَرِد سؤال بخصوص صحة الحديث في ضوء ما هو معروف عن مصير “أهل الفترة”، يقول السائل:

سؤالي عن أهل الفترة.. ما حكمهم؟ لأنني سمعت حديثًا عن رسول الله: أنه جاءه رجل فقال: أين أبي؟ فقال: في النار، فذهب الرجل يبكي، فناداه فقال له: أبي وأبوك في النار، فهل هذا الحديث صحيح؟ أفيدونا أفادكم الله“.

يجيب ابن باز عن السؤال قائلًا:

إقرأ أيضا
الكبير 8

الصواب: أنهم يمتحنون في الآخرة، ويؤمرون يوم القيامة، وينهون، فمن أجاب دخل الجنة، ومن عصى دخل النار. وقيل: إنهم من أهل الجنة، ولكن الصواب هو الأول، وقد جاء في الأحاديث ما يدل على ذلك: أنهم يمتحنون يوم القيامة، ويخرج لهم عنق من النار، ويؤمرون بالدخول فيها، فإن أجابوا صارت عليهم بردًا وسلامًا، وإن أبَوا، وامتنعوا، وعصوا أُخذوا إلى النار“.

بهذا الشكل يتماشى رأي “ابن باز” مع قوله تعالى ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ ويتعارض مع مقولة “أبي وأبوك في النار” المنسوبة للنبي.

تعارض الحديث مع القرآن
غلاف كتاب “أهل الفترة ومن في حكمهم”

ليسا من أهل الفترة

لكن ولأن السؤال يتضمن الحديث، يكمل “ابن باز” فتواه مؤكدًا صحة الحديث “وأما حديث: إن أبي وأباك في النار فهو حديث صحيح رواه مسلم”، ويحل هذا الخلاف الظاهر فينفي عن أبي سائل النبي وأبي النبي وأمه صفة “أهل الفترة” ذلك بقوله: “احتج العلماء بهذا على أن أبا النبي كان ممن بلغته الدعوة وقامت عليه الحجة، فلهذا قال: في النار، ولو أنه كان من أهل الفترة لما قيل له هذا، وهكذا لما أراد أن يستغفر لأمه نُهي عن ذلك، ولكنه أُذن له أن يزورها، ولم يؤذن له في الاستغفار لها.

فهذا يدل على أنهما بلغتهما الدعوة، وأنهما ماتا على دين الجاهلية، على دين الكفر، وهذا هو الأصل في الكفار أنهم في النار، إلا من ثبت -والله يعلم أحوالهم- أنه لم يبلغه الأمر ما بلغته دعوة الرسل فهذا هو صاحب الفترة، من كان في علم الله أنه لم تبلغه الدعوة فالله سبحانه وتعالى أحكم الحاكمين، هو الحكم العدل، فيمتحنون يوم القيامة“.

عدم اعتبار أبي النبي من “أهل الفترة” يحل الخلاف بين الآية والحديث، لكنه يتضارب وكتب السِّيَر التي تُجمع أن أبا النبي وأمه ماتا قبل أن يبلغ النبي الحُلُم.

فيصبح القارئ للمصادر الثلاث (القرآن) و(الصحاح) و(السير) لا يمكنه عند هذه المسألة أن يعتقد في صحتها جميعًا، ومن نافلة القول إن المؤمن الحق يمكنه تصور أن يخطئ “البخاري” و”مسلم” وكل المحدثين أو “ابن هشام” وكُتّاب السّير كافة، لكن لا يمكنه أن يتصور وجود خطأ في القرآن.. فهو كلام الله المنزّل.

ختامًا

ما ورد من أمثلة ليس كل الأحاديث التي تتعارض مع آيات الله البيّنات، وتلك الأحاديث مجتمعة ليست كل ما ورد من الأقوال المنسوبة للنبي، فإن عملية إعادة النظر في الروايات والأحاديث المنسوبة للنبي طبقًا لقواعد حديثة أكثر تطورًا وانضباطًا من سابقتها أمر مهم وليس بخطير، فهو لن يطيح بسُنة النبي، لكنه سيعمل على تصفيتها وتقطيرها أكثر فأكثر.. فالجهد الجهيد الذي بذله المحدثون عبر قرون لا يمكن محوه بجرة قلم، لكن الثبات عنده وتقديس مُنتجه يفتح عديد الثغرات في السردية الدينية.

الكاتب

  • تعارض الحديث مع القرآن رامي يحيى

    شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان