همتك نعدل الكفة
38   مشاهدة  

أمركة السينما المصرية (10) حسام الدين مصطفى الكاوبوي المصري بالثلاثة

حسام الدين مصطفى


مع مطلع الستينات كان هناك تغيرات في شكل السينما العالمية، في أوروبا كانت الواقعية الإيطالية قد ثبتت أقدامها وانطلقت للعالم وتأثرت بها السينما المصرية بقوة، رغم أن السينما المصرية كانت البادئ بطرح هذا النوع من خلال فيلم العزيمة ولكنه تطور ونمى وأصبح اتجاه مستقل وانتسب للسينما الإيطالية، وفي فرنسا كانت موجة السينما الفرنسية الجديدة هي الأخرى تصعد بقوة، بينما في أمريكا تطور كل شيء، وأصبحت السينما “متعولمة” إن جاز التعبير فكل المدارس تختلط وتمتزج في السينما الأمريكية، وظهر في تلك الفترة مصطلح السباجيتي ويسترين، أفلام الغرب الأمريكي لمخرجين إيطاليين أو إسبان قدموا أفلام الكاوبوي الأمريكية، كانت أفلام الأكشن في طريقها لعرش السينما الأمريكية.

محاولة لصنع سينما جديدة

 كانت في منافسة كبيرة بين ما تبقى من سينما العصر الهوليوودي الذهبي من أفلام استعراضية وفيلم نوار، ولكن الأكشن كان قادم بقوة شديدة، من منتصف الخمسينات ويتصاعد نجاح أفلام الأكشن ولا سيما الكاوبوي في السينما الأمريكية لتنجح في جذب المخرجين من كافة بقاع الأرض وفي تلك الفترة كان حسام الدين مصطفى يدرس الإخراج في أمريكا.

حسام الدين مصطفى
حسام الدين مصطفى

مع عودته، عمل مساعد مخرج للمخرج العالمي سيسل بي ديميل في فيلمه الملحمي الوصايا العشر، وبعدها انطلق للعمل في السينما المصرية، والملاحظ هنا هو محاولة حسام الدين مصطفى في بدايته تقديم سينما تشبه الموضوعات السينمائية المطروحة في قاعات العرض المصرية وقتها، مثل فيلم حياة غانية أو فيلم كفاية يا عين أو غيرها، 4 سنوات قضاها حسام الدين مصطفى يقدم أعمالًا لا تعلق في الذاكرة وأغلبها بخلطة واحدة دائرة حول كلاشيه الاستغلال الجنسي للأنثى، بعضها تأثر بالفيلم نوار الأمريكي ولكن لم تظهر بصمته الحقيقة بعد.

حسام الدين مصطفى

يمكن اعتبار عام 1960 هو العام الأول الذي يفصح فيه حسام الدين مصطفى عن شخصيته السينمائية المتأثرة والمتشبعة بالسينما الأمريكية، في هذا العام قدم حسام الدين مصطفى فيلمان الأول وهو رجال في العاصفة وهنا يظهر التأثر الواضح لحسام الدين مصطفى وحبه لأفلام الغرب الأمريكي والأهم حبه وإتقانه لصناعة أفلام الأكشن والمعارك.

حسام الدين مصطفى

هناك العديد من العوامل التي يمكن من خلالها تصنيف الفيلم أنه ينتمي لأفلام الكاوبوي سواء كانت أمريكية أو أوروبية، وربما اهم تلك العوامل هي مكان الأحداث نفسها، أحداث أفلام الكاوبوي دائما ما تكون بعيدة عن المدن في المناطق النائية وخاصة الصحراوية منها، حيث المناخ الخشن العنيف القاسي، ولكي يتجه أحدهم في رحلة لهذا المكان لابد من وجود دافع قوي يتركز حول عمل أو ثروة، وعلى هامش هذا الصراع نرى قصة حب، بعض من الأكشن والمعارك ولا سيما المطاردات.

سينما بالثلاثة

عوامل بسيطة وكلها جاذبة للمشاهد وتأتي قوة أفلام الكاوبوي من قوة الحبكة وشدة الصراع، بالإضافة لقيمتها وجمالياتها البصرية والتمثيلية، وهذا ما برع فيه حسام الدين مصطفى، منذ أول مره حاول تقديمه في فيلم رجال في العاصفة، ولكنه طوره وبرع فيه بعد ذلك ليقدم أفلامًا هي نماذج رائدة لما يمكن أن يطلق عليه أفلام الكاوبوي المصري.

حسام الدين مصطفى

وربما تطرف حسام الدين مصطفى في التأثر بالسينما الأمريكية، ليخلق تركيبة في السينما المصرية لم توجد من قبل، تركيبة مستوحاة من أفلام مثل الطيب والشرس والقبيح، تلك التركيبة المعتمدة على ثلاث شخصيات رجال، فظهرت في السينما المصرية العديد من الأفلام التي تحمل الرقم ثلاثة في أسمائها مثل الأشقياء الثلاثة والمساجين الثلاثة والمغامرون الثلاثة وغيرها من الأفلام التي حملت توقيع حسام الدين مصطفى.

في تلك التوليفة حاول  مصطفى إيجاد تركيبة خاصة به وتتناسب مع السينما المصرية لتقديم ما يفضله من موضوعات، وما يميل إليه من السينما الأمريكية، بشكل مصري يتناسب والسوق السينمائية المصرية، فمازالت الكوميديا هي الجواد الرابح، ولكن حتى في ذلك الوقت قدم  مصطفى الكوميديا المصرية على طريقة الويسترن الأمريكية مع العديد من التعديلات.

حسام الدين مصطفى

التخفيف من حدة الصراع في الأفلام حتى يمكن أن يتم إضافة الكوميديا لها بشكل مناسب، كان أهم هذه التعديلات، وجود بطل اعتاد الجمهور على قيامه بأدوار الأكشن داخل التوليفة مثل رشدي أباظة أو أحمد رمزي أو كلاهما، مع الاعتماد على وجود ممثل كوميدي أو ممثل خفيف الظل مثل حسن يوسف أو محمد عوض، واختيار بطلة طاغية الأنوثة مثل سعاد حسني أو برلنتي عبدالحميد أو هند رستم.

الكاوبوي في كل شيء

توليفة حسام الدين مصطفى في السينما المصرية لم تتوقف أبدًا عن محاولة تمصير أو “أقلمة” أفلام الكاوبوي مع السينما المصرية ولكنه كان يمتلك من الجرأة والفهم للمزج بين نوعين من أنواعه المفضلة في السينما الأمريكية وهما الفيلم نوار وأفلام الكاوبوي، تلك التوليفة التي يمكن أن تظهر جليًا في فيلم “ابن الشيطان”.

حسام الدين مصطفى

يتخلى حسام الدين مصطفى عن عنصر هام من عناصر أفلام الغرب الأمريكي وهو الكنز أو المهمة مقابل أن يضيف لفيلمه عنصريين مهمين من أفلام النوار الأمريكية وهما الجريمة والغموض، والحقيقة أن ما قدمه حسام الدين مصطفى في فيلم ابن الشيطان مثال استثنائي على دمج المدرستين، مثال يدل على أن هذا الرجل لا يقلد أو ينقل، ولكنه يحب ويفهم ويدرك كل نوع ويريد تقديمه بطريقته هو لا نقلًا عن.

حسام الدين مصطفى

ويمكنك أن ترى هذا جليًا في محاولته الأشهر في تقديم فيلم نوار مصري كوميدي، وبالمناسبة هي أحد أهم التجارب الكوميدية وأشهرها إلى الآن، والحديث هنا عن فيلم شنبو في المصيدة، الفيلم القائم على تكنيك تقديم أفلام العصابات في الثلاثينات والأربعينات حتى بموسيقتها المميزة، الفيلم القائم على فكرة وجود عصابة منظمة ضمن الأحداث، وجريمة قتل غامضة، فيلم به كافة عناصر الفيلم نوار الأمريكي، ولكن يحمل السمة المصرية والكوميديا المصرية الخالصة، والغريب أن تلك التجربة تحديدًا لم يتم الوقوف أمامها نقديًا للتحليل بالشكل المناسب.

خلف الأكشن من هوليوود إلى بوليوود

الحقيقة أن حسام الدين مصطفى أحد المخرجين الذين ظلمتهم تيارات النقد السينمائي المصرية، لا سيما في السبعينات حيث النقد الأيديولوجي كان سيد الساحة، وحصره في قالب محدد من الأفلام، ولكنه على الرغم من هذا يمكن اعتباره مخرجًا متنوعًا للغاية، فربما لم يترك نوعًا سينمائيا إلا وقدمه، بما في ذلك الأفلام الحربية.

حسام الدين مصطفى

إقرأ أيضا
وسام شعيب

قدم  مصطفى أفلام عن روايات لنجيب محفوظ مثل الطريق والسمان والخريف والشحات وشهد الملكة والحرافيش، وليحيى حقي قدم رجل وامرأتان، وقاع المدينة ليوسف إدريس، وغيرهم من الروائيين المصريين، بالإضافة لأنه قدم رواية دوستويفسكي “الجريمة والعقاب” في سونيا والمجنون وكذلك رواية الأخوة الأعداء، بالإضافة للأفلام الغنائية ولعل أشهرها شاطئ المرح، والأفلام التراجيدية والكوميدية والأفلام الحربية ولعل أشهر فيلم حربي مصري يحمل بصمة حسام الدين مصطفة وهو فيلم “الرصاصة لا تزال في جيبي”.

حسام الدين مصطفى

الحقيقة أن سينما حسام الدين مصطفى رغم تنوعها الكبير إلا أنها تحمل بداخل أغلبها سمات وبصمات سينما الغرب الأمريكي، فقليلة هي الأفلام التي أخرجها حسام الدين مصطفى وتدور أحداثها في المدينة، ويمكن احتساب هذا لصالح حسام الدين مصطفى حيث استكشف العديد من الأماكن البكر والمحافظات والمدن الجديدة التي لم تكن في خريطة تصوير أفلام السينما المصرية، بالإضافة لإطلاق العنان لصيحات سينمائية مختلفة، ومواكبة كل جديد في عالم الأكشن.

حسام الدين مصطفى

وفي تلك النقطة تحديدًا لا أحد يمكنه منافسة حسام الدين مصطفى، الرجل الذي رأي نجاح الأفلام الهندية والأسيوية المعتمدة على رياضة الكاراتيه فكان رائدها في مصر حينما قدم فيلم الأبطال، ولكن هذه المرة خرج مصطفى من محاولة صنع تركيبة خاصة للتمصير غير الجيد عن السينما البوليوودية، والحقيقة أنه لم يكن هو وحده من خرج من فكرة التمصير والتأثر إلى مرحلة النقل والتقليد، فالسينما المصرية وقتها كانت على موعد مع النصف الثاني من السبعينات حيث التخبط السينمائي والتقليد في مواجهة تجارب جديدة وشكل سينمائي جديد ولكن لهذا حديثًا أخر.

 

الحلقة القادمة

أمركة السينما المصرية (11) نفق السبعينات شبه المظلم.

 

 

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان