همتك نعدل الكفة
70   مشاهدة  

أمركة السينما المصرية (11) الهيبيز ونفق السبعينات المظلم

الهيبيز


انتهت الحرب، ورفع العلم المصري على الضفة الشرقية للقناة، تلاشى أو كاد أن يتلاشى دور الدولة في مجال السينما، وبعدما عاشت السينما المصرية عصرًا ذهبيًا كان أوجه وقمته في السنوات الست اللي فصلت بين نكسة وانتصار، جاءت الفيزياء لتقول كلمتها، حيث يصاحب كل صعود لتهبط السينما المصرية في نفق مظلم، وبعدما كان مجمل الإنتاج السينمائي جيد على المستوى الفني به بالتأكيد عدد من الأفلام الرديئة، أصبح العكس هو السائد، وظهر الهيبيز على الساحة السينمائية المصرية.

الحب لا الحرب

في تلك الفترة كانت السينما الأمريكية تحت وطأة سينما النقد الداخلي وسينما المعارضة لحرب فيتنام، وانقسمت تلك المعارضة لأشكال مختلفة ولكن أبرزها في تلك الفترة كانت أفلام يمكن أن نطلق عليها اصطلاحا سينما الهيبيز، ولكن الغريب أن المصطلح نفسه كلمه هيب صيغ في السينما لأول مرة في فيلم رسوم متحركة عام 1902، وكان معناها الوعي أو المعرفة.

في منتصف الأربعينات أصبح المصطلح شائع الاستخدام بكثرة في موسيقى الجاز، قبل أن نصل لمنتصف الستينات ليتحول المصطلح لحركة شبابية قوية مؤثرة، وكان معنى الهيبيز الاصطلاحي الرائعين او غير العاديين أو أصحاب الوعي والمعرفة، لأن حركتهم جاءت لتتمرد على كل ما هو سائد في المجتمع الأمريكي وقتها، في ظل تصاعد وتيرة الحرب الباردة، وتصاعد التدخل الأمريكي في فيتنام، تمرد الهيبيز على كل شيء.

الهيبيز

متمردين على سلطة الكبار، على القيم المادية والنفعية والاستهلاكية، متمردين على الحروب والصراعات، متمردين على الأعراف والأديان، وحتى على أشكال الفنون والموضة السائدة، من التمرد والدعوة للحرية غير المحدودة خرجت حركة الهيبيز، لتنتشر كالنار في الهشيم، ولتأثر على السينما الأمريكية لتظهر العديد من الأفلام التي تدور في عالم الهيبيز لعل من أبرز تلك الأفلام في بداية الحركة فيلم Psych-Out للمخرج ريتشارد راش عام 1968، وبالطبع لا يمكن إغفال صوتهم الموسيقي الأكثر تأثيرًا في العالم وهم فرقة البيتلز، وتأثيرهم على الموضة والأزياء.

الهيبيز والرقابة الذاتية

مصر في تلك الفترة كانت بها طائفة من الشباب ضحايا غير مباشرين لنكسة قاصمة، فكانوا يحاولون الهرب من هذا المجتمع المنتكس، سواء بالهجرة أو الاغتراب داخل المجتمع، لتظهر حركة الهيبيز في المجتمع المصري في البداية قبل أن تلتقطها السينما المصرية وتناقشها في أفلامها.

الهيبيز
شاهيناز وثلاثي أضواء المسرح من فيلم شاطئ المرح

لعل البداية عام 1967 حينما عرض فيلم شباب مجنون جدًا، كانت الحركة في قد أصبحت منتشرة في المجتمع بالفعل ولكن في شكلها الأولي، شكل فرقة البيتلز وموسيقاهم المختلفة، فيقدم نيازي مصطفى فيلم شباب مجنون جدا لسعاد حسني وأحمد رمزي وثلاثي أضواء المسرح، ليعتاد ظهور أشكال الهيبيز في السينما، ولكن بأشكال مقننة لعل أيضًا أبرزها كان فيلم الزواج على الطريقة الحديثة لسعاد حسني وحسن يوسف وثلاثي أضواء المسرح وإخراج صلاح كريّم والذي عرض عام 1968.

الهيبيز
سعاد حسني وحسن يوسف من فيلم الزواج على الطريقة الحديثة

في التجربتين سنرى بشكل واضح، ظهور فكرة التمرد والحرية المطلقة، ولكن داخل ما تسمح به الرقابة الذاتية لصناع الأفلام، ولكن لم يقتصر ظهور البيتلز في السينما المصرية على الأفلام التي تتماس مع أفكارهم، بل إن أفكارهم نفسها تحولت لشكل سائد في السينما المصرية، فسنرى السينما المصرية أكثر جراءة وتحررًا من حيث الشكل، حيث الملابس وأيضا زيادة جرعة مشاهد الحب الساخنة في الشريط السينمائي.

الهيبيز لا تأكل اللحم

في الوقت نفسه تطرف العديد من الممثلين والممثلات المصريات في هذا الجانب من التحرر، خاصة في ظل باب سينما لبنان المفتوح على مصراعيه للفنانين المصريين، فنسرى أفلام مثل سيدة الأقمار السوداء وذئاب لا تأكل اللحم لناهد يسري وناهد شريف، حيث التحرر المطلق من كافة الضوابط المجتمعية والدينية، الأمر الذي أدى لظهور ناهد شريف عارية بشكل كامل في أكثر من مشهد في ذئاب لا تأكل اللحم.

ميرفت أمين ومحمود يس من فيلم أنف وثلاث عيون
ميرفت أمين ومحمود يس من فيلم أنف وثلاث عيون

تلك الظاهرة نفسها لم تسلم من النقد داخل السينما المصرية، فسنرى فيلم أنف وثلاث عيون عن قصة إحسان عبدالقدوس وإخراج حسين كمال والذي عرض عام 1972 يتطرق بالنقد لظاهرة الهيبيز، ولكن لعل أبرز التجارب الفنية التي تعرضت بالنقد لتلك الفكرة كفكرة وليس كشكل، كان فيلم زهور برية عام 1972 للمخرج يوسف فرانسيس وبطولة نادية لطفي وحسين فهمي.

الهيبيز

ولكن هذا النقد لأن السينما المصرية اتخذت اتجاه جاد وظهرت فيها أولى الجماعات السينمائية، وهي جماعة السينما الجديدة، فكان هناك حراك سينمائي كبير، ولكن بعد أكتوبر 1973 تراجعت تلك الحركة، وأصبح الهيبيز وملابسهم وأفكارهم ركن ثابت في الأفلام المصرية، فسترى أفلام مثل البحث عن فضيحة لنيازي مصطفى، رغم أنه ينتقد هذا النوع من الشباب ولكنه يؤكد على تغلغل الهيبيز بأفكارهم في المجتمع المصري.

إقرأ أيضا
الكبير
ناجي أنجلو وميرفت أمين من فيلم البحث عن فضيحة
ناجي أنجلو وميرفت أمين من فيلم البحث عن فضيحة

وعلى الرغم من إصدار السادات توجيهات يونيو 1972، والتي كانت تتضمن حذف المشاهد الخليعة والخادشة للحياء من الأفلام إلا أن جرأة الأفلام المصرية كانت أكبر من ذي قبل، وذلك لأن الهدف الحقيقي من تلك التوجيهات لم يكن المشاهد الحميمية بقدر ما كان فرض رقابة سياسية على السينما وهذا ما أثبتته الأيام.

وعلى الرغم من أن الهيبيز تراجعت موضتهم في العالم أجمع، وانحلت فرقة البيتلز، وانتهت حرب فيتنام ولكن السينما المصرية ظلت لسنوات بعدها تدور في فلك أفكار الهيبيز قبل أن تزداد الرقابة على السينما تقيدًا مع تنامي التيار التكفيري في مصر، وأيضا مع تغير شكل السينما المصرية وبداية عصر كان فيه صراع سينمائي كبير ما بين أفلام المقاولات وسينما الواقعية الجديدة.

 

الحلقة القادمة

أمركة السينما المصرية (12) صراع المقاولات والواقعية الجديدة

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان