رئيس مجلس الادارة: رشا الشامي
رئيس التحرير: أسامة الشاذلي

همتك معانا نعدل الكفة
80   مشاهدة  

أمركة السينما المصرية (2) صراع كريم وبدرخان

أمركة السينما


حينما ظهرت الموسيقى في السينما، ظهرت في البداية كمصاحبه للفيلم المعروض وتعزف منفردة بعازفين يجلسون على مقربة من الشاشة أو عبر بيانولا صغيرة يديرها أحدهم بالجوار، ولكن بطبيعة الحال لم يستمر الأمر طويلًا، مازال الكثير في فن السينما سيتم اختراعه، ولكن أهم ما كان مطلوبًا وقتها، هو أن يكون للسينما صوتها، لتتحدث، ولكن صدق أو لا تصدق أول حديث للسينما لم يكن حوارًا بل حينما نطقت السينما في بادئ الأمر، غنت.

حينما نطقت السينما “غنت”

آراء فنانين مصر في السينما الناطقة - مجلة الدنيا المصورة، أعداد متفرقة من نوفمبر 1929م
آراء فنانين مصر في السينما الناطقة – مجلة الدنيا المصورة، أعداد متفرقة من نوفمبر 1929م

في 1927 ظهر للعالم فيلم مغني الجاز أول فيلم ناطق في التاريخ، وأول فيلم غنائي في التاريخ أيضًا، ولكن المهم هو أين ظهر وأنتج وعرض، ظهر في أمريكا بالطبع، الحقيقة أنه منذ بداية العشرينات كانت هناك محاولات من المخترع الأمريكي لي دي فورست في تنفيذ بعض الأفلام الموسيقية القصيرة التي تبلورت في النهاية لمغني الجاز، الفيلم الذي أعلن معه بداية عهد سينمائي جديد.

أفيش فيلم مغني الجاز
أفيش فيلم مغني الجاز

تلك البداية لم تتأخر قليلًا في الوصول إلى مصر، حينما قدمت السينما المصرية فيلمان يتنافسان حتى الآن من له الأسبقية ليحمل لقب أول فيلم غنائي مصري، وهما “الوردة البيضاء” للمخرج محمد كريم وبطولة محمد عبدالوهاب و”أنشودة الفؤاد” إخراج ماريو فولبي وبطولة نادرة.

 إعلان عرض فيلم أنشودة الفؤاد
إعلان عرض فيلم أنشودة الفؤاد

في الوردة البيضاء يظهر استمرار تأثر كريم بالسينما الأمريكية، الحقيقة أن السينما الأمريكية وقتها تحولت إلى قبلة تتجه إليها أنظار الجميع، فهي السبّاقة في التطوير والتحديث وإدخال الجديد في عالم السينما، فكان التأثر بها عالميًا خاصة في الشكل المرئي للفيلم، الصورة والكادرات وأحجامها وحركة الكاميرا المحدودة ولكن ربما أهم ما يميز فيلم الوردة البيضاء هو إصراره على جعل الحبكة مصرية للغاية، والحوار مصري، ولكن حتى من حيث الشكل والملابس خاصة النسائية منها، كان كريم متأثرًا للغاية بالسينما الأمريكية.

YouTube player

لم يكن التأثر وقتها ظاهر السينما تحبو مازالت، ولكن دخول عبدالوهاب لعالم السينما كان الدافع الرئيسي لدخول منافسته الأهم لعالم السينما وظهور اسم احمد بدرخان للمرة الأولى، بدرخان الذي هوى السينما، كان سببا رئيسيًا في دفع طلعت حرب في التفكير بجدية في إنشاء ستوديو مصر.

من إعلانات فيلم وداد
من إعلانات فيلم وداد

وحينما تم افتتاح تعين بدرخان في ستوديو مصر بل وخلال سفره لباريس عام 1934 وصله سيناريو فيلم وداد، أول أفلام أم كلثوم، والذي كان مقررًا أن يخرجه أحمد بدرخان قبل تدخل مدير الاستوديو المخرج أحمد سالم لإسناده للألماني فريتز كرامب، واعتراضًا على هذا استقال أحمد بدرخان من ستوديو مصر.

كريم وحلم السينما المخملية

المخرج محمد كريم
المخرج محمد كريم

ولكن رغم استقالة بدرخان بدأ عهد جديد في السينما المصرية، وهو صراع فني شرس انتقل من سوق الأسطوانات والمسارح والسرادقات إلى قاعات العرض السينمائي، صراع عبدالوهاب وأم كلثوم، عبدالوهاب ومخرجه المفضل محمد كريم وأم كلثوم ومخرجها الأثير أحمد بدرخان، صراع مخرجين تلقوا السينما في باريس وكلاهما تأثر بالسينما الأمريكية ولكن بشكل مختلف تمامًا عن الأخر.

محمد كريم وأحمد بدرخان
محمد كريم وأحمد بدرخان

في سينما محمد كريم، ومنذ البداية وهو يميل لما يمكن تسميته برفاهية السينما، والحلم الرائع، حتى في خضم أحداث مأساوية أو تراجيدية، لا تخرج صورة الفيلم عن مخملتيها وأناقتها، كجزء أصيل من هدف السينما وهو الترفيه، وترويج الحلم، وكأنه يغازل الطبقة الأرستقراطية، فلن تجد عبدالوهاب مثلا في ملابس شعبية.

YouTube player
YouTube player

ووضح تأثر كريم بالعصر الذهبي للفيلم الغنائي في السينما الأمريكية، هذا التأثر كان واضحًا بميله لاستخدام الاستعراضات المصاحبة للغناء، والتغيير في أماكن الغناء، مثل الغناء في البانيو في أغنية “المياه تروي العطشان”، وأغنية “يا وابور قولي رايح على فين”، بل والأهم من ذلك هو إدخال فكرة الدويتو الغنائي إلى السينما حينما غنى مع ليلى مراد في فيلم “يحيا الحب” عام 1938 ” يادي النعيم اللي أنت فيه يا قلبي” وعلى الرغم المغالطة الشائعة أن أول دويتو في السينما كان بين عبدالوهاب وأسمهان في أوبريت “مجنون ليلى” في فيلم ” يوم سعيد” عام 1940، ولكن كان لليلى مراد السبق في ذلك.

YouTube player

اتجه كريم للتجريب في مجال تطوير الفيلم الموسيقى المصري، وفقا لما يستجد في السينما العالمية والتي تتخذ السينما الأمريكية إلهامًا لها، صحيح أن هناك سينمات أخرى استمرت في طريقها، بل وأصبح لها تميز في عديد من المجالات السينمائية مثل المونتاج الذي كانت السينما السوفيتية سببا في تطوره واستحداث تكنيكات جديدة، وألات التصوير والعرض التي كانت السينما الألمانية رائدة صناعتها وتطويرها، ولكن ربما لم تؤثر تلك السينمات في العالم التأثير الشامل لأنها كانت سينما ترتكن على أيدولجيتها أو سينما موجهة للداخل، فلا ننسى أننا نتحدث عن السينما الألمانية في ذروة العصر النازي، وكذلك الخلاف الواضح بين الغرب والاتحاد السوفيتي ربما منذ بدايته، ولكن هذا لم يوقف موجات التأثير المتبادل وإن كان حصرها في نقاط محددة.

من أحوال الرقابة السينمائية في الغرب والاتحاد السوفيتي وألمانيا النازية قبل الحرب العالمية الثانية
من أحوال الرقابة السينمائية في الغرب والاتحاد السوفيتي وألمانيا النازية قبل الحرب العالمية الثانية

ويمكن الإشارة إلى نمط محمد كريم بالتأثر بالسينما الأمريكية، في بعض الملامح السريعة، مثل اعتماده على النجم الوسيم للغاية والمطرب، واعتماده على المواضيع الرومانسية التي تتيح لأبطال العمل الغناء، وهذا ما جعل حبكاته في الأفلام شبه مكررة أو معاد تدويرها، وكأنها خلطة تضمن لأصحابها النجاح، ولكن كان لبدرخان رأي أخر

بدرخان والانحياز لسينما المجتمع

من اجتماعات أحمد بدرخان مع مخرجي السينما
من اجتماعات أحمد بدرخان مع مخرجي السينما

تأثر أحمد بدرخان هو الأخر بالسينما الأمريكية هو الأخر ولكن تأثره كان منصبًا على التكنيك، على شكل الصورة السينمائية، فسينما بدرخان في هذا التوقيت هي النقيض التام لسينما كريم، سينما تراجيديا لديها مشكلات وقضايا تحاول أن تناقشها وتطرحها، سينما تخاطب الشارع ورجاله ونساءه العاديين، من الطبقات المتوسطة، سينما بها مشكلات مثل الطلاق في فيلم “نشيد الأمل” أو أزمات الزمن مثل فيلم “عايدة” و”فاطمة” وحتى حينما أراد الخروج من هذا القالب لم يلجئ لحبكة غربية، بل تحمس لإخراج فيلم “دنانير” فيلم يحمل بداخله بعضًا من روح أفلام الغرب الأمريكي، حيث الصحراء والمناظر الطبيعية والأماكن المفتوحة، وهو ما كان غير مطروق أو متداول في فيلم غنائي مصري وقتها.

YouTube player

بدرخان انتمى سينمائيًا، للواقع حتى وإن كانت سينماه لم تصنف وقتها كسينما واقعية، ولكن في أفلامه لن ترى قصور أو منازل فارهة ، لكنك سترى منازل بسيطة وأسطح منازل وخيام، ولكن كل هذا مغلفًا بغلاف أمريكي من حيث الصورة والكادرات، وانطلاقه في الكادرات الواسعة التي تظهر المنظر بشكل كامل، ربما على النقيض مما يفعله كريم في أفلامه بانحيازه للتركيز على الممثل في كادراته مع اختيار حجم كادر متوسط يجعل دائما الممثل هو العنصر الأكثر وضوحًا في الصورة، بينما بدرخان كان يفهم تمامًا أن بيئة العمل هي الأخرى جزء أصيل من الصورة.

إقرأ أيضا
المانجا
أحمد بدرخان مع مساعديه
أحمد بدرخان مع مساعديه

بدرخان هو الأخر عمل على تعزيز فكرة الدويتو الغنائي في السينما ففي نفس العام الذي أخرج فيه كريم “يحيا الحب” قدم بدرخان فيلم “شيء من لا شيء” بطولة نجاة علي وعبدالغني السيد، بل الحقيقة كان بدرخان أكثر إخلاصًا للفيلم الغنائي والدويتو الغنائي من محمد كريم نفسه، فتجارب بدرخان في هذا الصدد عديدة، فهو قدم فريد الأطرش وأسمهان في انتصار الشباب ومحمد فوزي ونور الهدى في مجد ودموع، وغيرها من الأفلام التي قامت على فكرة وجود مطرب ومطربة هما أبطال العمل.

YouTube player

سينما بدرخان في رأيي هو أولى بدايات السينما الواقعية وعلى الرغم التأثر الشكلي أو التأثر من حيث التقنيات بالسينما الأمريكية التي بدأت في التحول إلى اتجاهات مختلفة، ولكن بدرخان في رأيي هو أول من أسس لخصوصية السينما المصرية، أو التأثر بالسينما العالمية ولكن من داخل قضايا من المجتمع المصري تهم أصحابه، وربما يقدم هذا تفسيرًا جيدًا لشهرة أفلام بدرخان عن أفلام كريم واستمرارها حتى تلك اللحظة هي الأكثر شهرة، حتى وإن كان السبق دائمًا يحمل اسم محمد كريم.

اقرأ أيضًا
أمركة السينما المصرية (1) الحرب السينمائية الأولى

 

يُتْبَع 
الحلقة القادمة
أمركة السينما المصرية (3) خير في نيازي ونيازي في خير

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
3
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان