عن مشوار ثومة الإذاعي..حكايات كوكب الشرق أم كلثوم (32)
-
أحمد كريم
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
هلا بكم أعزائي القراء في الحلقة الثانية والثلاثين من قصة كوكب الشرق ودرة القرن العشرين الآنسة أم كلثوم إبراهيم، وفيها نتحدث عن مشوار أم كلثوم مع الإذاعي والحفلات الغنائية.
كوكب الشرق أم كلثوم وافتتاح الإذاعة:
بدأ البث الإذاعي في مصر في عشرينيات القرن المنقضي من خلال ما عرف باسم الإذاعات الأهلية، وهي محطات كانت مملوكة لمجموعة من التجار وكانت تستخدم لبث الإعلانات التجارية إلى جانب إرسال إذاعي بمحتوى هابط ومسف جعلها مادة للتهكم والسخرية، إلا أن اهتمام السلطات المصرية والسلطات البريطانية الحاكمة في مصر وقتئذ قد أثاره انتشار البث الإذاعي الخاص وتزايده، فاتخذت خطوة هامة في مطلع العام 1934م وهي وقف بث كل الإذاعات الخاصة واحتكار موجات الأثير المحلية لمحطة رسمية واحدة هي إذاعة القاهرة، تشاركت في إدارتها السلطات البريطانية والسلطات المصرية وفقا لتقاسم السلطة السياسية.
إقرأ أيضًا…شركة Dox للتسويق الشبكي .. نصب أم استثمار (تحقيق)
بدأ بث الإذاعة الحكومية المصرية في الحادي والثلاثين من شهر مايو من العام 1934م، بجملة هنا القاهرة التي قالها الإذاعي الشهير أحمد سالم وسمع صداها على مدى الإذاعة في أرجاء البلاد، ومن أبرز وقائع اليوم الأول للإذاعة المصرية بخصوص أم كلثوم، أنها دعيت إلى المشاركة فيه فقدمت وصلتها الغنائية الأولى التي استغرقت أربعين دقيقة تقريبا، ويقول الدكتور فيكتور سحاب في كتابه عن أم كلثوم: أن البث الإذاعي في ذلك الوقت كان مباشرا على الهواء لأن آلات التسجيل ومعداته لم تستخدم في الإذاعة إلا بعد سنوات عديدة، ولذلك فإن تاريخ كوكب الشرق والموسيقار محمد عبد الوهاب الغنائي قد شهد عددا لا بأس به من الأغنيات التي كانت تقدم مباشرة على الهواء ولم تأخذ طريقها للاسطوانات أو آلات التسجيل، فأصبحت هذه الأغنيات تراثا فنيا مفقودا، بحيث يتحدث المؤرخون عن عناوين تلك الأغنيات وأسماء شعرائها وملحنيها ولكن دون وجود أي أثر سمعي لها تحتفظ به الأجيال وتتناقله.
السنوات الأولى لأم كلثوم بالإذاعة:
كان العقد الأول الذي وقعته ثومة مع الإذاعة في ثلاثينيات القرن المنصرم بأجر مقداره خمسة وعشرون جنيها مصريا بما فيها أجور الموسيقيين والمؤلف والملحن، فيما يذكر بعض المؤرخين أن هذا الأجر كان الأعلى في ذلك الوقت، وقد سجلت الإذاعة ما غنت الست فيما بعد في ثلاث دفاتر بمجموع أغنيات وصل إلى ثلاثمائة وستون أغنية، وكان من عادة أم كلثوم أن تسجل الأغنية قبل تقديمها في وصلات حفلاتها، إذ أن الحفل له طبيعته الخاصة التي تقتضي الإعادة والتكرار والاسترسال، فالجمهور يستعيد ويستزيد وأم كلثوم تستجيب لرغباته وبذلك كانت مدة الأغنية تطول ومن ثم يصعب إذاعتها، وعلى الرغم من ذلك كله كانت الإذاعة لا تكتفي بما تسجله أم كلثوم قبل الحفل فكانت تقوم بتسجيل جميع حفلاتها، وقد روى لي بعض الأساتذة السميعة ممن عاصروا أناسا حضروا حفلات أم كلثوم الأولى أن هناك حفلات كثيرة غنت فيها أم كلثوم بدون ميكروفون معتمدة على تجاويف المسارح التي كانت تنقل الصوت عبر الصالة غير أن الإذاعة كانت تضع ميكروفونا صغيرا لتنقل الحفل عبر أثيرها وأم كلثوم تغني، وتقول الدكتور رتيبة الحفني في كتابها عن أم كلثوم: من ضمن تسجيلات الإذاعة لصوت أم كلثوم شريط منقول من أحد أفلامها مسجل عليه تلاوة للقرآن الكريم مدتها ثلاث دقائق، وتم تسجيله في السابع من شهر يونيو من العام 1951م، وهو التسجيل الوحيد لأم كلثوم للقرآن الكريم فلم تكرر هذه المحاولة مرة أخرى، وقد جاء في إحدى المجلات الأسبوعية أن الاسطوانة الوحيدة الباقية لأم كلثوم من الزجاج “حيث كانت الاسطوانات القديمة تصنع من الألمونيوم أو الزجاج ” قد كسرت أثناء نقل الإذاعة من مبناها في شارع علوي إلى شارع الشريفين وكان مسجلا عليها أغنية أواني الورد.
كانت كوكب الشرق أم كلثوم تغني حفلا واحدا كل شهر على الرغم من قدرتها على الغناء يوميا لو أرادت، إلا أن ذلك كان صيانة منها لكرامة الغناء، فضلا عن حرصها على تقديم الجديد، وعلى حد تعبير مؤرخي الموسيقى، كانت ثومة تعطي من فنها بثراء طيلة السهرة، كانت تتعبد في العطاء، كانت مدرسة تحافظ على تقاليد الغناء العربي الأصيل.
تفاصيل من المراحل الأولى لعمل كوكب الشرق الإذاعي:
من تفاصيل عمل أم كلثوم الإذاعي في المراحل الأولى أنها لاحظت أن الاستراحة التي كانت تفصل بين الوصلتين الغنائيتين في السهرة الواحدة كانت الإذاعة تبث خلالها اسطوانات لأم كلثوم فدفعها ذلك إلى الاعتراض وطلب عدم إذاعة أي اسطوانة لها بين الوصلتين الغنائيتين، وبالفعل استجابت الإذاعة لطلب أم كلثوم، إلا أن استجابتها تلك لم تنفذ إلا تدرجا، حيث عمدت الإذاعة في البداية إلى إذاعة اسطوانة واحدة فقط لأم كلثوم بين الوصلتين، وبعدها توقفت عن إذاعة أي اسطوانة لها بين الوصلتين، وفيما بعد أصبحت الإذاعة نفسها تمنع إذاعة أي اسطوانة ثومة طوال اليوم الذي ستقدم فيه سهرتها الغنائية.
أم كلثوم وحفلاتها الغنائية:
كانت السنوات الأولى من تعاون كوكب الشرق مع الإذاعة موزعة على نوعين من الحفلات، النوع الأول هو الحفلات الإذاعية، وهي حفلات كانت تبث من داخل الاستوديو بلا جمهور، والموعد الأول لهذه الحفلات كان يوم الإثنين الأول والثالث من كل شهر أي بمعدل سهرتين إذاعيتين في الشهر الواحد، أما النوع الثاني فهو الحفلات الحية، وتلك الحفلات كانت تقدم بالتناوب بين قاعة إيوارت التذكارية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة ومسرح حديقة الأزبكية، في يوم الخميس الأول من كل شهر وتنقلها الإذاعة عبر الأثير مباشرة، وبمرو الوقت توقفت الحفلات المذاعة على الهواء مباشرة من ستوديو الإذاعة وبدأ التركيز على حفلة واحدة شهريا في يوم الخميس الأول من كل شهر وذلك في موسم سنوي يتكرر، وظلت الحفلات الحية لأم كلثوم تتألف من ثلاث وصلات حتى عام 1967م، فكانت آخر حفلاتها ذات الوصلات الثلاث في مصر هي حفلة المنصورة والتي خصص ريعها للمجهود الحربي وذلك في الخامس من أكتوبر 1967م، وبعد ذلك بدأت ثومة تقليدا جديدا في حفلاتها الشهرية تقتصر فيه على وصلتين فقط في الحفل، وكانت بداية هذا التقليد في حفل المغرب في التاسع والعشرين من شهر مارس من العام 1968م، بأغنيتي أمل حياتي والأطلال، إلا أن هذا التقليد الجديد لم يبدأ في القاهرة إلا مع مطلع الموسم الغنائي 1968- 1969م، وذلك في دار سينما قصر النيل في الخامس من شهر ديسمبر 1968م، عندما غنت الأطلال للمرة العشرين وهذه ليلتي للمرة الأولى.
كانت كوكب الشرق هي أول مطربة تقدم أغانيها في شكل حفلات ووصلات غنائية بالإذاعة وكان مقدم حفلاتها الإذاعية هو الإذاعي الكبير محمد فتحي الذي اقترن اسمه بحفلات الست الإذاعية لنجاحه الكبير في تقديمها، ومحمد فتحي هو الذي اقترح على الإذاعة خروج حفلات أم كلثوم إلى المسرح وتم الاتفاق حينها مع كوكب الشرق على تقديم حفلة واحدة في الخميس الأول من كل شهر تنقلها الإذاعة على الهواء مباشرة.
تقول الدكتور نعمات فؤاد في كتابها عن أم كلثوم: كانت ثومة منذ عام 1925 تغني في مسرح فؤاد بشارع عماد الدين، وكان هذا المسرح يتسع لثلاثمائة متفرج في الصالة والألواج، وكان حلم ثومة الكبير مسرح حديقة الأزبكية، ولاحت الفرصة في عام 1934م، حين غنت في حفلة خاصة ببنك مصر فلما تعاقدت معها الإذاعة على الحفلات العامة تمسكت بمسرح حديقة الأزبكية.
وإلى هنا أعزائي القراء نكون قد وصلنا إلى نهاية هذه الحلقة على أن نكمل الحديث في حلقات قادمة إن شاء الله.
دمتم في سعادة وسرور.
الكاتب
-
أحمد كريم
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال