أم كلثوم نقيبًا للموسيقيين…قصص من حياة أم كلثوم “كوكب الشرق” (19)

أم كلثوم  نقيبًا للموسيقيين هذا ما ستتناوله السطور القادمة من قصة كوكب الشرق أم كلثوم ال19، وفيها سنتطرق إلى الحديث عن نقطتين مهمتين في مسيرة  وحياة من حياة أم كلثوم ، الأولى هي مواصفات صوت أم كلثوم، والثانية هي  قصة نقابة الموسيقيين التي سعت لها  كوكب أم كلثوم.

مواصفات صوت أم كلثوم

استحقت أم كلثوم أن تكون أم كلثوم  نقيبًا للموسيقيين وهناك الكثير من المقالات التي تحدثت عن مزايا صوتها  وعظمته وتفرده، والحقيقة أن كل ما كتب عن كوكب الشرق لم ولن يوفيها حقها في هذا الصدد، أتت أم كلثوم بما لما يأت به من سبقوها، وحررت المغنى من قيوده، وأطلقت العنان للطرب فأبهرت المشايخ والمطربين والموسيقيين، غنت المغنى التقليدي فأبدعت في الطقاطيق البسيطة في العشرينات.

وغنت الأدوار القديم منها والجديد فأبدعت وتركت بصمتها، آهاتها في الأدوار شكلت فنا يطلبه المستمعون، وترديدها مع البطانة تونيسا سلب عقول محبيها، ومع انطلاق حفلاتها في مواسمها الغنائية تربعت على عرش الطرب بوقوفها شامخة على المسرح ترتجل وتفرد بجرأة وقوة، امتلكت جوابا صارخا وقرارا ثابتا أهلها لغناء كل شيء، نشأت وترعرت بين المشايخ والمنشدين فتركت المشيخة بصمتها بصوتها ولم تفارقه إلى أن رحلت عن عالمنا، ولعل من أجمل ما قيل عن مواصفات صوتها ما نقله الدكتور فيكتور سحاب عن الفنان سليم سحاب، الذي قال أن صوت أم كلثوم امتاز بستة عناصر قوة جعلته صوتا عظيما.

إقرأ أيضًا…

قصة الموسيقى في مصر 2

العنصر الأول هو المساحة، إذ يغطي صوت أم كلثوم ديوانين كاملين، من وسط موقع صوت “الباريتون” الصوت الرجالي المتوسط في تصنيفات الأصوات الغربية، وهذا نادر للغاية في أصوات المغنيات في العالم، وعرف أن صوت الشيخ سلامة حجازي يغطي ثلاثة دواوين، وصوت مغنية البيرو الشهيرة إيما سومالك يغطي أربعة دواوين لكن غنائها يمتاز بهذه الصفة الفيزيائية في الصوت دون أن تكون له قيمة فنية ممتازة خلافا لصوت ام كلثوم.

العنصر الثاني هو التملك من الصوت، فقد كانت تستطيع أن تؤدي بسهولة جملا غنائية صعبة للغاية بزخرف صوت يصل إلى حد الإعجاز، وأعلق على هذه النقطة بما جاء في وصلة أتعجل العمر ابتغاء لقائها من ألحان الموسيقار رياض السنباطي حين فردت أم كلثوم و ارتجلت عند أشكو فتكذبني الشكاة فأنثني، وكيف فعلت فيها المستحيلات، أما سليم سحاب فيضرب المثل بوصلة يا ظالمني حين فردت وارتحلت في كلمة “عشان” من جملة عشان تعطف علىّ يوم، وكلمة ضنين من وصلة غلبت أصالح في روحي، إذ الوصف الوحيد لزخرفها الغنائي هو أنه من غير طينة الصوت البشري، ولا أخفيكم سرا فهذا ما اشعر به حين اتسمع لوصلة هوى الغانيات، حين تقول صاحبة العصمة فتوددت بالحنو وبالعطف، وحين تقول وهوى الغانيات مثل هوى الدنيا، تلقاه تارة وتخيب.

والعنصر الثالث هو عنصر قوة الصوت، فالغناء المعتمد على الحجاب الحاجز في أسفل الرئتين يجعل ضغط الهواء في الحنجرة مساويا مرتين ونصف للضغط الجوي، أما غناؤها فكان يعتمد على الضغط المباشر على الحنجرة ولذا كان الضغط على حنجرتها هائلا، وكانت تبتعد عن الميكروفون أكثر من متر في حفلاتها، فإذا ارتفعت نبرة الغناء ابتعدت أكثر، وانقرضت فصيلة هذا الصوت في عصر الميكوفون، ويذكر بعض أساتذتي الموسيقيين أن أم كلثوم في حفلات كثيرة كانت تغني للجمهور بلا ميكروفون أصلا وكان الصوت يردد من تجاويف القاعة، فقط كان هناك ميكروفون صغير للإذاعة وكان يوضع بعيدا عنها.

العنصر الرابع هو القوة البدنية، ذلك أن أطول حصة غنائية في أطول الأوبرات الأوروبية لمغن بمفرده لا تزيد على أربعين دقيقة، ولا تتجاوز مدة الغناء المتواصل خمس عشرة دقيقة، أما أم كلثوم كانت تغني أربع ساعات وحدها في سهرات كانت تستمر في المعتاد مع الاستراحة واللوازم الموسيقية ست ساعات تقريبا.

العنصر الخامس هو طول العمر، فأم كلثوم غنت منذ أن كانت في الثالثة عشرة وربما قبل ذلك، وحتى الثالثة والسبعين، أي ستين سنة كاملة وربما أكثر، وليس في تاريخ الغناء في العالم ظاهرة مماثلة أو حتى مقاربة، ولم يعرف مغنون أوروبيون غنوا أكثر من أربعين سنة.

العنصر السادس هو دقة الصوت، ففي عام 1975م أجريت تجارب إلكترونية لقياس نسبة النشاز في الأصوات المصرية المعروفة، ويذكر أن الطنين الكامل بين مقام دو ومقام ري يتخذ معيارا في القياس، إذ أن تُسع الطنين هو الفارق الذي تستطيع الأذن العادية تمييزه، وأظهرت الآلات الإلكترونية أن دقة صوت أم كلثوم قد بلغت واحدا على الألف من الطنين ودقة صوت عبد الوهاب واحدا على ألف ومأتين من الطنين، ولا يقال في أصوات كهذين إلا أن دقتهما مذهلة.

أم كلثوم  نقيبًا للموسيقيين

إقرأ أيضا

“أخطاء في تاريخ حلاوة المولد النبوي” من ربطها بالفاطميين إلى هبدة الحملة الفرنسية

تروي الدكتور رتيبة الحفني وقائع  تشكيل تلك النقابة حيث أصبحت أم كلثوم  نقيبًا للموسيقيين وموقف عبد الوهاب منها على ما سنذكره بعد قليل، وإن كنا قد قفزنا بالأحداث ليكتمل نصاب الحلقة بتلك النقطتين المهمتين على أن نعود مجددا للمشوار الفني الخالص في الحلقات القادمة، وعنه تقول الدكتور رتيبة الحفني: كانت أم كلثوم تتوق إلى إقامة نقابة، وكذلك رغبة الموسيقار محمد عبد الوهاب، وقد كان من أصدقائها الدكتور محمود أحمد الحفني رائد التعليم الموسيقي في مصر وعبد الله بك أباظة وكيل وزارة الاقتصاد.

وكانت وزارة الشئون الاجتماعية لا تجيز إقامة نقابتين وقد ساعدوها في إقامة النقابة وبالطبع كان بعض العازفين ينضمون إلى عبد الوهاب وبذلك لم ينضموا للنقابة، وحول ذلك يحكي الفنان الكبير أحمد الحفناوي:”قررنا إقامة حفل لزيادة موارد النقابة المالية، وعرضنا على محمد عبد الوهاب أن يغني فوافق، وعند تحديد موعد الحفل تراجع عن موافقته، وقتها اجتمعت أم كلثوم بمجلس إدارة النقابة بعد أن أصبحتأم كلثوم  نقيبًا للموسيقيين وقرر المجلس عدم التعاون مع محمد عبد الوهاب إلا إذا حدد ميعادا للحفل وأعلن موافقته على المشاركة بالغناء، وعندما أصر عبد الوهاب على موقفه بعدم الغناء.

وقالت له أم كلثوم: “طالما مش ها تغني ادفع فلوس، فوافق عبد الوهاب ودفع ألفي جنيها مصريا، وبعد قيام الثورة فوجئنا بأحد رجال الثورة يسألها عن الأجر الذي تتقاضاه فرقتها منها، ولما عرف المبلغ قال للفرقة لابد أن تثوروا على أم كلثوم وبالفعل أثناء اجتماع الجمعية العمومية للنقابة احتد أحد العازفين مع أم كلثوم فأمرت بخروجه من الاجتماع، ومن هنا بدأ الأعضاء يتضايقون من قوة شخصيتها، واجتمعت الجمعية العمومية ليقيلوا أم كلثوم من منصبها كنقيبة، وقد بلغ ذلك أنور السادات المشرف على الإذاعة وقتئذ، فجاء والتقى بعدد من أعضاء مجلس الإدارة وطيب خاطرهم وذكرهم بفضلها في تأسيس وإقامة النقابة وقال لهم أنه يجب أن ينصبوها رئيسة شرفية لها، وأثناء اجتماع المجلس للنظر في مسألة خروجها أو التمرد عليها، قدمت أم كلثوم استقالتها من منصب النقيب.