همتك نعدل الكفة
525   مشاهدة  

“أنا حبيت الطلاق قوي” هل شجع الممنوع في “البحث عن علا” على الطلاق

الطلاق
  • إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة



شاهدت عبر نتفلكس مسلسل فتيات صالحات Good Girls)) والذي بُث لأول مرة عام ٢٠١٨ على شبكة ان بي سي

(NBC) وحقق المسلسل نجاحا باهرا حتى عرض الموسم الرابع في يوليو٢٠٢١ كنا نحبس الأنفاس مع المسلسل نتوحد مع بطلاته ربات البيوت والأمهات اللاتي تورطن في عمليات سرقة متالية نتيجة ظروف مادية واجتماعية لدى كل منهن تعرض المسلسل للحاجة المادية الملحة لإحدى الأمهات التي يعمل زوجها فرد أمن ثم استطاع أن يحقق حلمه ويعمل ضابط شرطة رغم ذلك لم يكن راتبه كافيا لإنقاذ ابنتهم الوحيدة والتي بحاجة لزراعة عاجلة للكلى، فيما كانت تعاني أم عذباء من عدم قدرتها على الإنفاق على وحيدها ما اضطرها لإرساله للعيش لدى والده الميسور بينما تحاول الأم الثالثة والزوجة مساعدة زوجها في سداد القرض الشهري للبنك حتى لا يفقدا منزلهما، لم يخجل المسلسل من التعرض لتأثير الضغوطات المالية لإدراك صناعة أنه لا يمكنهم صناعة مسلسل دراما اجتماعي خالي من المال ومن جهة أخرى قدرتهم على صناعة حبكة لا تتعارض فيها الكوميديا بالمشكلات الاجتماعية والنفسية والتعرض لأثر الخيانة الزوجية ومشاكل الأم العزباء والموظف الحكومي في ثلاثة نماذج قدمها المسلسل في قالب تشويقي كوميدي مؤلم أحيانا حتى جعلك تتوحد مع بطلاته لكنه أيضا جعلك تقضي وقتا ممتعا  وتحبس أنفاسك مع نهاية كل حلقة

 

ما سبق والذي يمكنني تسميته بالوجبة الدرامية الكاملة لم يعد متاحًا في الدراما المصرية مؤخرًا حتى بعرض مسلسل البحث عن علا والذي استفاد كثيرًا من سابقه “عايزة اتجوز” لكنه لم يحقق شيئا من قيمته ولا تأثيره وأظن أنه – البحث عن علا- سيكون أقل عمرا ولن يتذكره أحد بمرور الوقت

 

لم يعد خافيا بعد كثير من التجارب الدرامية المصرية الأخيرة أن شيئًا ما ينقص الطبخة ويبدو هذا الشيئ متعمدا

وإذا كانت الحبكة هي العنصر الأهم والمميز للعمل الدرامي فقد تم استسهاله واستبداله بخطوط طولية وعرضية مصفوفة بعناية تحرمك المتعة الكاملة بسبب تعمد ممل ما أفقد القصة طبيعيتها وخيالها ومفاجاءتها وبالطبع الامها كما أفقدنا القدرة على التوحد مع أبطالها وتصديق الشخصيات المطروحة أمامنا، لذا يمكننا ببساطة أن نحلل مضمون الأعمال المقدمة لنكتب قائمة الممنوع من التناول دون أن نكون مطلعين على الأسرار ولا أهل اختصاص أو نقد وفي حال (البحث عن علا) ستجد العمل يتعرض لمشكلة الطلاق وهجر الزوجة دون أسباب قاهرة وهذا ما يحدث في واقعنا بالفعل مع التعرض للعلاقة المرتبكة بالأم وهي واقعية أيضًا، لكنك لن تلمح أي معاناة مادية بل يبدو كل شيئ ميسرًا للطلاق وممهدا للانفصال، على خلاف الواقع الذي تعيشه أكثر من ٨٥٪ من الشعب المصري فهل أصبح النموذج المتبع في انتاج الأعمال الدرامية الآن أن يكون العمل بلا زمن محدد ولا مكان ولا ظرف اقتصادي أيضًا لشخصياته، إذا أين الدراما!

 

علا عبد الصبور التي تعيش محبوسة في كومبوند نظيف كبقية الأعمال الدرامية الحديثة لا تخرج منه كما أبطال مسلسلات قواعد الطلاق الخمسة والأربعين – مع الفارق الفني طبعا – ومسلسل ستات حي المعادي وغيرهم كثير، حيث يسجن المخرج أبطاله داخل الأسوار ولو في طريقهم الى العمل أو المدرسة أو زيارة الطبيب أو لقاء أحد الأصدقاء، اختفى الشارع ومعه الأكشاك، المحال، البقالة وانتهى الكومبارس من الناس العادية والسيارات متفاوتة الحالة، وهذا يدعونا إلى طرح سؤال إذا كان مواطن الطبقة المتوسطة قد سكن الكمباوند والمدن الجديدة – وهذا وارد الحدوث جدا – فهل يعمل داخلها أيضًا ويعيش ويزور أصدقاءه وذويه، أم تتعمد الدراما اليوم رسم صورة ترتفع الاف الأمتار عن واقعنا وكأنما كتبت باستخدام الدرون دون اقتراب يضمن الحبكة دون كثير من المحاذير.

 

أنا حبيت الطلاق قوي

جملة قرأتها مكررة بأكثر من أسلوب عبر الجروبات النسائية على الفيس بوك وفي ظني أن هذا الانطباع الذي خرجت به المشاهدات هو ما شجع الأخريات على المشاهدة فهل يعتبر مسلسل البحث عن علا مشجعًا على الطلاق كما قرأت في انطباعات لدي بعض آخر؟

في رأيي أن المسلسل (لايت) وهذه الكلمة هي المطلوب تحقيقها في أي عمل مؤخرآ ويمكنك اعتبار وصف آمن هو مرادف لكلمة لايت أو خفيف، فلا عمق ولا حزن ولا وجع ولا واقع وكأن المطلوب هو الترفيه وتحقيق الربح دون نكأ جراح أو تحفيز فكر أو التشجيع على مواقف بعينها،

لذا إن كان للمسلسل تأثير ما فلن يكون في التشجيع على الطلاق بكل تأكيد، بل تشجيع على التغييب والسطحية وأحلام اليقظة بحيث نأخذ حياتنا بشكل “لايت” دونما جدية ولا عمق أو تفكير وسيحدث الطلاق وحده ربما كنتيجة للهايفة لا للمسلسل.

ربما تقول الآن وما المانع أن نشاهد أعمال مبهجة تسري عنا وتخفف من أثر واقعنا الأليم وتبث في روحنا الأمل!

أقول لك: معك كل الحق لا مانع على الإطلاق أن تشاهد أعمال تصحبك إلى عالم الخيال أو ترفه عنك وتضحكك ولو درامية طبعا، ولكن هل يمكنك التفكير لدقيقة واحدة في عمل واقعي حقيقي تناول التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي تحتل المرتبة الأولى في حياة وهموم المواطن المصري خلال الخمس سنوات الأخيرة! فلما كانت الإجابة بلا كانت كتابة المقال مناسبة.

 

في مسلسل البحث عن علا يتناول الجمهور وجبتهم السريعة غير المتقنة مبتعدين عن اختيار “الكومبو” الذي طالما نرفضه لاضطرارنا دفع قيمة المشروب الغازي الذي نريد استبداله مع العصير أو تناول البطاطس المحمرة دون لذة بدلا من أن نخسر ثمنها أونرميها، وهكذا بعضهم يحب فتحي عبد الوهاب وكلهم يتفقون على خالد النبوي ولا أحد مع بيومي فؤاد الجميع يسأل عن ملابس هند صبري ولا أحد يتذكر علا – رغم الأداء المتقن من الفنانة – وهكذا يمضي المسلسل في حوار جميل وواقعي لكنه مقطع كاسكتشات تصلح لليوتيوب دون خلط جيد للحبكة ما يفقد العمل تماسكه.

 

إقرأ أيضا
كأس الأمم الإفريقية

العالم اتجه لقياس لتأثير وهو استمرارية المشاهدات بعد انتهاء العرض بتصاعد محدد مع تغيير الاتجاهات الذي يمكن قياسه – حتى أن المسلسل الكوري لعبة الحبار على سبيل المثال الذي شاهده العالم في الشهر عرضه تراجعت مشاهداته بشكل مضطرب ما يجعله محل دراسة ورصد لمواطن الضعف.

 

إذا كنا نهدف التأثير والهيمنة ونشر الثقافة ونريد أن نكون رقما في استخدامنا لقوتنا الناعمة فلن تفلح معنا الوجبات سريعة التجهيز ولن ينفعنا دور المهرج دائمًا الذي يُضحك الجميع ولا يقدره أحد، كما أنه لا يمكننا الاستسلام أو الخضوع لإنتاج غير مصري ما يضطرنا لقبول معاييره وقوالبه وهنا لا أعني أن الدولة عليها القيام بالصناعة وحدها، بقدر ما أقول أن الفنان المصري هو الأقدر على انتاج فنه فلا فن مصري مهم بتمويل ودعم غير مصري، ذلك لأن الفنون منتج ثقافي شديد الخصوصية لا تصلح معه القوميات ولا العولمة، وكلما كان شديد المحلية أصبح عالميا، كذلك الفنون في دول العالم كافة

 إن لم تعبر عن ثقافة وهوية شعوبها بصدق فلن تصل.

 

ولذلك فكل طاقم عمل مسلسل “البحث عن علا” رائعين إنما تنقصهم حذف قائمة الممنوعات وإطلاق الأجنحة. فلا فنون تُحمل إلى العالم عبر أجنحة كسيرة أو مقيدة

 

الكاتب

  • الطلاق رشا الشامي

    إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة






ما هو انطباعك؟
أحببته
3
أحزنني
0
أعجبني
4
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
1


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان