أنا وسانتا كلوز سنخبر الله بكل شئ !
-
مريم المرشدي
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
كانت أمي رحمها الله تقص علينا كيف كانت عائلتها تحتفل برأس السنة الميلادية، وكيف كان جميع المحيطون بها من أقارب وجيران يسمرون في تلك الليلة.
كانت جدتي لأمي ترتب وتنظف المنزل كما ترتبه وتنظفه في عيدي الفطر والأضحى، وكان جدي قبيل الثلاثين من ديسمبر يشتري أوراق الكوريشة والكارتون الملونة لأمي وأخوالي رحمة الله عليهم جميعًا، ثم يجلسوأ ليقصقصوا تلك الأوراق ويلصقونها بعضها ببعض، لتصبح زينة رأس السنة، وبعدها يعلقونها على الحوائط وفي السقف وعلى الراديو كذلك، وقبل الأول من يناير بيوم واحد كان جدي يشتري اللب والسوداني، والبرتقال واليوسفي والموز.
في ليلة رأس السنة يجلسون في حلقة حول الراديو، يستمعون لحفلات أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش، ووفي الدقائق الأولى من أول يوم لبداية العام الجديد يسمعون الجيران يقذفون ببوابير الجاز والزجاجات والبرطمانات الزجاجية من الشرفات والنوافذ، كبشرى وفأل أن سنة قديمة مرت وأخذت معها كل أحداثها السيئة، وتيمنًا بسنة جديدة قادمة تحمل معها أحداثًا حسنة وجيدة، يسهرون حتى ساعات الفجر الأولى ثم يذهب كل منهم إلى سريره حاملًا آمالًا وأحلامًا يرجو تحقيقها في العام الجديد.
توارث أبي وأمي رحمهما الله الإحتفال بنفس الطريقة في كل عام، وإن لم يكن هنالك داع لقص أو لصق الأوراق الملونة، فقد كانت الزينة معدة وجاهزة، لم نكن نزين الراديو أو التلفاز كذلك، كنا فقط نكتفي بتزيين الحوائط بتلك الزينة الحلزونية والتي تعطي شكلًا مبهجًا للجدران الصماء، وليلًا كنا نسهر على تقشير البرتقال واليوسفي وقزقزات اللب وصوت مضغ السوداني مختلطًا بصوت شدو كاظم الساهر وسميرة سعيد ولطيفة في حفلاتهم على القناة الأولى، وكذلك النكت التي يلقيها المونولوجست حمادة سلطان، وتهنئات الفنانين والإعلاميين والمشاهير في التسعينات، أو فيلم السهرة الأجنبي الذي يعرض لأول مرة على القناة الثانية.
كنا نتبادل الزيارت والتهنئة مع أصدقاء والدي ووالدتي من المسيحيين، نحمل قطع الشيكولاته ونذهب لتهنئتهم بعيد الميلاد المجيد، نأكل من كعكهم، ونفطر معهم أحيانا على مختلف أنواع اللحوم والطيور أو الأسماك.
تلك التفاصيل البسيطة والمبهجة، والتي تطورت بالطبع على مدار الأعوام مع انفتاح العالم بعضه على بعض، فبدلًا من تبادل الزيارات أصبحنا نكتفي بالتهنئة على الواتساب أو الفيسبوك، وبجانب حبات اللب والسوداني ظهر الكاجو والمكسرات، إلى جانب ظهور العديد من العديد من أصناف وأنواع قطع المخبوزات، وبدلًا من قص ولصق الزينات ظهرت شجرة الكريسماس وكذلك سانتا كلوز في الثقافة المصرية، وشخصية سانتا كلوز مستوحاه من قصة القديس “نيكولاس”، أسقف مدينة ميرا التركية، والذي عاش في القرن الخامس الميلادي، وقد عُرف عنه تقديمه لمهور الفتيات الفقيرات خوفاً من أسرهن، كذلك فقد كان يضع النقود في أحذية الفقراء سرًا، وبعد وفاته توارثت الأجيال هذه الفكرة حتى الآن، حيث اعتبره الأطفال أبًا روحيًا لهم، وكنوع من التفاءل بهذا اليوم ارتبطت صورة سانتا كلوز بشخصية رجل صاحب لحية بيضاء، يحمل كيسًا على ظهره، ويقوم بتوزيع الهدايا والحلوى على الأطفال.
ولا أعلم حقًا من ذلك الأحمق المعتوه الذي جرّم وحرّم الاحتفال بإنقضاء سنة ومجىء سنة جديدة، وفقًا للحديث : “قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذا اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر.” ؟؟ وماذا لو احتفلنا بميلاد نبي الله المسيح عيسى ابن مريم كما نحتفل بمولد رسولنا الكريم؟؟!! وماذا لو احتفلنا بعيد رأس السنة الميلادية كما نحتفل بعيد رأس السنة الهجرية، والتي تعتبر من الطقوس الحديثة، ويحتفل بها الجميع في مختلف أنحاء العالم، وتعتبر من الاحتفالات (غير الدينية)، فقط يُعبّر الناس عن فرحهم وسعادتهم بقدوم عام جديد، من خلال احتفالات ليلة 31 ديسمبر من نهاية كل العام في كافة دول العالم وفقاً لطبيعة كل شعب وعاداته وتقاليده؟؟؟!.
لا أرى داعي لتلك الخناقة والعركة السنوية، فإن كنت لا تريد الاحتفال بأعياد رأس السنة لا تحتفل، وإن كنت لا تريد تهنئة “النصارى” بأعيادهم فبركة، ولن تنقصهم عدم تهنئتك شيئًا، ولا تفرض رأيك على أولئك الزنادقة مثلي ممن يهنئون أخوة لهم في الإنسانية بأعيادهم، ودع الذين يحتفلون بغير أعياد المسلمين أمثالي يصلون نار السعير كما تعتقد، وعن نفسي سأظل أهنئ أشقائنا المسيحيين في وبــ (أعيادنا)، وسأغدو احتفل بعيد رأس السنة في كل عام، وسأعلّم ابنائي وأورّث لهم التهنئة والاحتفال في كل مناسبة، وسأخبر الله مع سانتا كلوز كل شئ عن وعاظ ثقافة الموت، قُطّاع الفرح، الذين يخنقون البهجة بمشاعر من قصدير لهوسهم بملاحقة الفتنة، الذين تفزعهم كل ألوان البهجة، الذين يعادّون كل تعابير الإنسان التي يمتن بها للوجود، ويخافون من كل لحظات يقظة الحياة لأنها تهدم كراسيهم.
سترى العالم كله يستقبل عامه الجديد بفرح وتفاءل وبهجة حتى البسيطة منها، إلا أولئك الحمقى رواة التاريخ العابسون المتجهمون دومًا !
إقرأ أيضاً
“في مقاومة العقل السلفي” حكم احتفال المسلمين في رأس السنة الميلادية
الكاتب
-
مريم المرشدي
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال