أن تستغرق 41 يومًا لتصوير 35 ثانية..عن شادي عبدالسلام وملحمة”المومياء”
-
أحمد الأمير
صحافي مصري شاب مهتم بالتحقيقات الإنسانية و الاجتماعية و السياسية عمل في مواقع صحافية محلية و دولية عدّة
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
أسلوب شديد الخصوصية تفرد به المخرج المصري الراحل شادي عبدالسلام الذي اهتم بشكل أساسي في أعماله على شكل ونمط سينمائي مغاير وطريقة اعتمدت على الفنون التشكيلية بجانب صياغة مشروع فكري وفلسفي واضح المعالم عالج به قضية الروح المصرية القديمة بلغة جديدة ممتعة ومميزة وعجيبة توهجت وبرزت في فيلم لن تغيب عنه ذاكرة السينما المصرية والعربية ” المومياء” الذي يعتبر نتاج روحه الصعيدية وثقافته السكندرية.
فن الديكور وتصميمه كان الأقرب إلى قلب شادي عبد السلام الذي بدأ مساعداً للمهندس رمسيس واصف عام 1957م وكانت مستهل علاقته بالإخراج وذلك في أكثر من عمل سينمائي وهي أفلام كان قد عمل فيها مساعد مخرج و أغلبها لمخرجين أجانب وشارك شادي في الفيلم البولندي “الفرعون” مع المخرج يرزي كافليرو فيتش ومن ثم كانت نقطة البداية الحقيقية في مشواره الفني المصري من خلال عمله كمساعد للمخرج صلاح أبو سيف في عدة أفلام.
خرج “المومياء” للنور عام 1970م وحظي الفيلم منقطع النظير بوضع المخرج المصري فيه خلاصة تجربته الشخصية ومنهجيته المهنية التي عشقناها ليبقى الفيلم دائماً أحد أجدر الأفلام السينمائية المصرية والعربية و أبرزها على مستوى القصة والاخراج والتصوير .تقول الكاتبة والناقدة السينمائية ماجدة خير الله لـلميزان:”هو رجل اختار طريق صعب ولم يكن تجاري وأشياء أخرى تتعلق بالرسم بالضوء وأدق التفاصيل وبأهمية الموضوع ومحاولة لفت نظرنا من خلال وجهات النظر المتعلقة بتاريخنا كمصريين وأن نحافظ على تراثنا وان ما نجده تحت الأرض هو جزء من حياة من سبقونا و أسسوا حضارة كل محاولات المخرج شادي عبد السلام كانت تتلخص في الإجابة عن سؤال من نحن؟.
عن سينما لا تعرف التجارة
هناك العديد من الأفلام السينمائية يمكن الحكم عليها أو يصعب بأنها تجارية أو فنية لكن سينما شادي عبد السلام لم تكن تجارة وتضيف ماجدة خير الله:”لم يحقق المومياء نجاح تجاري لكنه “عايش وبنتكلم عنه لحد النهاردة” فهناك بعض الأعمال تحقق نجاحًا لمدة عام أو اثنين ثم يتحول إلى محطة ليس لها تأثير مستقبلي أو بمعنى أخر فرقعة مؤقتة مثال ذلك أفلام السوبر هيروز التي تحقق المليارات بعد أسابيع قليلة من عرضها في السينمات وتختفي من الذاكرة بعد سنوات.
أحداث تحكي واقعًا حول حادثة تاريخية شهيرة شهدتها مصر تحديدًا في عام 1881م واشتهرت حينها بــ “حادثة اكتشاف خبيئة الدير البحري” تلك الرواية التي وثقها شادي عبد السلام وبين أحداثها في مشروعه الأيقونة “المومياء” وما دار دار في قصته حول الشاب “ونيس” الذي يرث أحد الأسرار المتعلقة مخبأ داخله مومياوات فرعونية كانت تعيش على سرقتها قبيلته التي تحمل اسم “الحربات” في إطلالات ومشاهد مصرية قديمة أدهش بها العالم.
أفكار مغايرة
أفكار مغايرة عن المألوف في السينما المصرية و شادي عبدالسلام لم يكن مخرج سينمائي فحسب فيقول الناقد السينمائي أحمد سعد الدين للميزان:” أدى شادي عبد السلام من الديكور إلى الإخراج الفني وهو في الأصل مهندس ديكور وفنان تشكيلي ناجح عندما عشق السينما فضل عمل لوحات تشكيلية داخل فيلمًا سينمائيًا فاختار قصة المومياء التي كانت خارج السرب بالنسبة إلى المنتجين والمخرجين والسينما التي كانت سائدة في نهاية ستينيات القرن الماضي.
كم تكلف إنتاج فيلم المومياء؟
فيلم المومياء من ضمن الأفلام التي تنتجها المركز القومي للسينما في هذا التوقيت أو الأفلام التسجيلية بميزانية حوالي 70 ألف جنيه مصري وهو رقم كبير آنذاك يكمل سعد الدين للميزان:”هنا يجب الحديث عن القيمة وأسلوب المخرج شادي عبدالسلام فهو يملك اسلوبًا سنمائيًا قائم على دمج السينما ناحية الفن التشكيلي فهو كان يرسم الكادرات وحركة الممثل وغيرها من الأزياء التي كانت ترسم على لوحات ورقية وهو ما ينطبق على شخصيات فيلم المومياء التي سيرى المشاهد أنها نسخة حقيقية منها داخل الفيلم تشبهها تمامًا.
شادي عبد السلام فرعون عاش معنا
كان مختلفًا تمامًا وكأنه فرعونًا عايش تلك الفترة وتكمل الناقدة ماجدة خير الله متحدثة عن تميزه قائلة:”المدرسة الواقعية في الاخراج ضمت العديد من المخرجين المتميزين مثل صلاح أبو سيف وعاطف الطيب وهاني جرجس فوزي ففي هذه المدرسة أكثر من مخرج لكن شادي عبد السلام كان في مكان أخر وحده تمامًا لدرجة انه عندما كتب فيلم إخناتون الذي كان يأمل أن يخرج إلى النور كتبه بالديكوباج وهي طريقة صعبة متعلقة بخطة العمل وتفاصيلها التي بدأها المخرج شادي عبد السلام لم يستطع أحد اكمالها بعد وفاته خاصة في مسألة الديكور فهناك بعض المخرجين بعد رحيلهم يأتي من يملك مهارة متقاربة فيكمل مهام العمل وتنفيذ الديكوباج لكن ما تركه لم يستطيع احد ان يكمله فهو يملك رؤية نصفها بداخله لم يستطيع أحد ينفذها.
41 يوم من أجل تصوير 35 ثانية
هذا نوع من السينما عالي جدًا في أسلوبه الفني كما يرى الناقد السينمائي أحمد سعد الدين لكنه يرى أن هذا الفن قد لا يصل إلى الجمهور العادي ومن الصعب أن ينتجه قطاع خاصة خاصة ان شادي كان يأخذ الكثير من الوقت في إعداد عمله ويكفي الحديث عن مشهد النهاية في فيلم المومياء لحظة خروج المومياوات من المقبرة ووضعها في المركب هذا المشهد على الشاشة كان حوالي 25 ثانية وكان شادي ولم يرضى شادي حينها أن يكمل المشهد إلا بظهور قرص الشمس الذي يحمل اللون الأورانج ومن أجل ذلك المشهد قضى شادي 41 يومًا وكان ذلك تحدي مع مدير التصوير العالمي عبد العزيز فهمي وقتذاك حسبما قال سعد الدين.
الكاتب
-
أحمد الأمير
صحافي مصري شاب مهتم بالتحقيقات الإنسانية و الاجتماعية و السياسية عمل في مواقع صحافية محلية و دولية عدّة
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال