أهل الكوميديا.. السيد بدير عطاء بلا حدود

من يكتب للسينما والدراما يدرك جيدًا صعوبة كتابة الحوار. تلك الصعوبة التي عجز أمامها كاتب في ثقل نجيب محفوظ، ولك أن تتخيل أن الكاتب العظيم صاحب الروائع الأدبية والحاصل على جائزة نوبل في الآداب والذي كتب عشرات الأعمال السينمائية لم يتمكن من كتابة حوار واحد لعمل سينمائي..

فهو – بحسب اعتقاده- لا يتملك مقومات الحوار العامي الدارج النابع من الشخصية. أو على حد تعبيره فإن لغة شخصياته بالروايات هي لغة شديدة الروائية ولا تصلح للسينما..

في الوقت نفسه اشتهر كُتاب عظماء بكتابة السيناريو والحوار معاً. أو تخصصوا في كتابة الحوار فأبدعوا فيه.. وعلى رأسهم بالطبع بديع خيري وأبو السعود الأبياري.

غير أن في ظل بقي عملاق آخر، عرفه صُناع السينما ولجئوا إليه وقت الحاجة، وكان دائماً حاضر بقوة لحل ألغاز أي حوار يسقط في يديه.. وإن كانت لديه عادة غريبة جدا للعمل على السيناريوهات.. وما أغرب عادات المبدع! فقد اتخذ من القطارات مكتب بديل له، يحمل عدد من السيناريوهات ويتوجه إلى محطة مصر، يركب القطار ويبدأ العمل.

حتي قيل أنه كان يتعاقد ويسلم أعماله ويستلمها كذلك في محطات متفاوتة.. تلك العادة العجيبة أفرزت أجمل وأهم روائع السينما العربية.. والتي تجاوزت الـ 90 فيلماً.. هذا العدد الكبير لا يخلو من تنوع شديد. فقد كتب مع نجيب محفوظ فيلم ريا وسكينة، فتوات الحسينية، شباب امرأة، لك يوم يا ظالم، الوحش، النمرود، بين السما والأرض كنماذج. ومع يوسف شاهين صراع في الوادي.

وعلى الجانب الرومانسي سنجد روائع مثل: الوسادة الخالية، حب في الظلام مع فاتن حمامة وحسن الإمام، ودعت حبك مع فريد وشادية، أنا حبيبي مع منير مراد وشادية..

وأفلام أخري ناقشت قضايا اجتماعية هامة كـ جعلوني مجرما مع فريد شوقي، أنا حرة عن قصة إحسان عبد القدوس مع لبني عبد العزيز..

وبالطبع للكوميديا نصيب الأسد.. ونذكر منها: نهارك سعيد مع منير مراد، إسماعيل ياسين في الأسطول، سر طاقية الإخفاء مع عبد المنعم إبراهيم، عائلة زيزي مع فؤاد المهندس وسعاد حسني.

تلك العينة العشوائية تنبأ بأننا أمام كاتب عملاق قدم عشرات الأعمال التي شكلت قائمة أعظم مائة فيلم عربي عبر التاريخ.

إنه السيد بدير.. الفنان الذي اشتهر بتقديم شخصية الريفي الساذج عبد الموجود كبير الراحيمة قبلي التي ظهرت قيما يقارب الـ 53 والتي لعبها عبر تاريخه ابتداءً 1937م مع فيلم تيتاونج تأليف واخراج وبطولة أمينة محمد، وصولاً إلى أخر أعماله في 1980م مع فيلم عمل إيه الحب في بابا بطولة محمد عوض واخراج ناصر حسين..

تلك المسيرة الفنية الزاخرة والثرية لم تقتصر مع ذلك على التأليف والتمثيل فحسب.. بل شملت جوانب أخري كـ الاخراج السينمائي والمسرحي.. السيد بدير عطاء.. فهو كاتب الروائع وأيضاً مخرج الروائع حيث أشرف على اخراج أفلام مثل: أم رتيبة ليوسف السباعي ومن بطولة ماري منيب، وحسن فايق.. فيلم سكر هانم لأبو السعود الأبياري وبطولة عبد المنعم إبراهيم وسامية جمال. فيلم المجد مع فريد شوقي وهدي سلطان وقد كتب السيناريو والحوار أيضاً..

إقرأ أيضا

“السبب والحل” خطأ مجلة الأزهر باختيار كتاب الموجز في تاريخ القدس هديةً لعددها

أما عن المسرح فنذكر منها: عائلة سعيدة جدا وهي من تأليفه وبطولة أمين الهنيدي وزبيدة ثروت.. ومسرحية 20 فرخة وديك، ومسرحية يا عالم نفسي اتسجن.. وغيرها الكثير..

هذا الثراء الفني الذي استحق عليه عدة جوائز، من أبرزها: وسام الجمهورية، وسام العلوم والفنون من الدرجة الأولي، جائزة الدولة التقديرية، وسام الاستحقاق من الدرجة..

ولكن، يبقي أرفع الأوسمة وأعلى التقديرات حقاً ما قدمه من فن وما قدمه أبناءه في سبيل الوطن..  فـ من الجدير بالذكر أن ابنه سعيد بدير عالم الفضاء والأقمار الصناعية قد اغتيل على يد جهاز الموساد. بينما ابنه من المطربة شريفة فاضل قد استشهد في حرب أكتوبر المجيدة..

وبذلك استحق عن جدارة أن يكون المعطاء بلا حدود..