أهل الكوميديا.. “محمود شكوكو” أن تكون الدُمية
-
عمرو عاشور
روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...
كاتب نجم جديد
في كتاب “سياحتنامه مصر” الذي يعود إلى القرن السابع عشر الميلادي لمؤلفه الرحالة أوليا جلبي أقدم ما رصد الأراجوز يشير فيه أنه الدُمية تم الاستعانة بها في مساعدة المرضى وتحسين حالتهم الصحية.
والأراجوز الدُمية تنتمي للفنون الشعبية التي ارتبطت بالشوارع والقري والحارات.. وإن كنا لا نعرف متى ظهرت على وجه التحديد.
فقد اتفق الباحثون المختصون على أنها بشكل عام انتقلت من الشرق وجنوب شرق آسيا إلى الشرق الأوسط ومنه إلى أوروبا.
وعرفت في العالم العربي منذ القرن السادس الهجري، أي الثاني عشر الميلادي، وهذا مؤكد بالنسبة لمصر.
أما عن لفظ “أراجوز”، فقد اختلفت فيه الأقاويل، فهناك من قال أنه تركي الأصل “قرة قوز” التي تعني العين السوداء.
كما يقال إنها ترجع إلى “قراقوش” حيث حُرف اسمه للسخرية منه. على حسب ما جاء في كتاب “الأراجوز” للباحث نبيل بهجت.
وفن الأراجوز من الفنون الشاملة التي تتطلب من المؤدي عدة مواهب معاً كـ خفة الظل، تغيير نبرة الصوت، الحكي من خلال الأداء، سرعة البديهة، والقدرة على الغناء.
ربما يكون من حسن الحظ أنني من الجيل الذي عاصر هذا الفن الذي انقرض.. العربة الصاج الكبيرة، الدكك الخشبية، كرفان العرض/ المسرح الصغير، وحكايات تدور حول الأراجوز وزوجته نفوسة، زوجته السمراء، الشيخ، الشاويش، الفتوة، فنان بالعافية، كلب السرايا، والحانوتي.
عرائس تم تصميمها بإبداع لتناسب الشخصيات… وكان على رأسهم طبعاً الأراجوز..
تلك الدُمية التي تحولت إلى دم ولحم وفن عظيم حي مع ظهور محمود شكوكو.
ليس من المصادفة أن يكون شكوكو ابن لنجار… يعمل في ورشة والده نهاراً، ويطمح للغناء ليلاً..
هكذا جمع بين الفن والصنعة، ولعل النجارة هي ما لفتت نظره حول الأراجوز الدُمية الخشبية.. وربما لذلك أيضًا تعلق بها.
ليس التعلق.. إنما لبس الشخصية لبس.. الجلباب البلدي، الزعبوط، الشارب الخفيف، العصا.. والشخصية.. الأراجوز بخفة ظله وسرعة بديهيته، وصوته المميز..
البداية مع الغناء، والرغبة في أن يكون مطرباً، ابن حي الجمالية مطرب شهير. نفس الحلم الذي راود إسماعيل ياسين قديماً، ونفس الخطوات تقريباً..
غير أنه اضطر إلى أن يغني المنولوج، والمنولوج يحتاج إلى شخصية مميزة، وفي الغالب تعتمد على الملامح والصفات الجسدية. فيفكر شكوكو في شخصية مبتكرة، كاركتر كما نقول اليوم.. “الأراجوز”.
الأراجوز الذي يعرف طريقه نحو السينما في أوائل الأربعينيات مع فيلم شارع محمد علي، من إخراج نيازي مصطفي وبطولة حسين السيد وحورية محمد، حيث يقدم شكوكو وصلته الغنائية بينهم ليحقق أول أحلامه.
بعدها بعدة أعوام سيشارك ليلي مراد الغناء في استعراض اللي يقدر على قلبي.. كما سيشارك نجوم الطرب والتمثيل في العشرات من أفلام الأربعينيات، منها… قلبي دليلي، الهوي والشباب، عنبر، طليق سعاد هانم.
في عام 1952م قدم شكوكو بطولة مُطلقة من خلال فيلم شمشون ولبلب.. وهي كوميدية سياسية شعبية تشبه أي حد كبير توم وجيري.. شمشون القوي الذي يقرر أن يفتح محل مأكولات جوار محل لبلب الصغير، وفي الوقت نفسه يرغب في الزواج لوزة/ حورية محمد حبيبة لبلب.
ويدخل لبلب في رهان مع شمشون أمام أهل بأن يرذعه ألم يومياً لمدة سبع أيام..
طبعاً الفيلم لو نظرنا له نظرة موضوعية سنجد فيه عيوب بلا حصر.. ابتداء من الرسالة المباشرة.. والإسقاط اللي ما بقاش إسقاط أساسا عن التأميم ودول القناة والصراع العربي الإسرائيلي.
بالإضافة لاختيار أسماء الشخصيات وصفتها الفجة كدور وارث عبد العسر والد لوزة.. لأسماء الشارع والقهوة والجُمل الحوارية الفجة.
ومع ذلك يبقي هذا الفيلم هو الأبهج والأكثر إضحاكاً.
ربما لعيوب الفيلم الفنية توقف شكوكو عن تقديم البطولات. غير أنه لم يتوقف لحظة عن تقديم فنه كـ أراجوز سواء في الأفلام التي شارك فيها أو العروض التي قدمها على المسرح.
وتبقي شخصية شكوكو الأراجوز الأكثر شهيرة، فـ يستغلها في صنع دُمي لشكوكو.. تلك الدُمي التي راجت في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، والتي كانت باعثا دوماً على تحسين المزاج، وربما شفاء المرضى كما قال أوليا من قبل.
الكاتب
-
عمرو عاشور
روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...
كاتب نجم جديد