أواخر الثانوية العامة يتحدثون : “محدش يقلل منا”
-
محمد احمد
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
تُسكب التنظيرات على صفحات مواقع التواصل الإجتماعي، وتتناثير النصائح والتطمينات والأعذار والتهديدات والوعود في كل ركن وزاوية من مقاهي وبيوت مصر، فور إعلان نتيجة الثانوية العامة، وكل يغني في ليلاه، إلا الحاصل على مجموع لا ينصفه، ويقيم رأسه بين الناس، ينزوي باحثًا عن ركن ليخبىء خيبته.
هذا ما نظن، فقد تغيّر “السيستم”، مفهوم الفشل تغيّر، أو على الأقل تغيّر في بعض العقول والأدمغة، ووصل إلى طلبة الثانوية العامة، بفضل “السيستم” الجديد، التكنولوجيا، التغيرات الاجتماعية العنيفة، السياسة، الاقتصاد، العالم كله يتناحر.
كعادة الإعلام ودوائر صناعته، يجعل من البطل نجمًا سينمائيًا، يلتهمه ليصنع منه ضحيته الجديدة، التي يتكسب من وراءها الأموال، ويحقق “الترافيك” المطلوب، وهنا لابد أن يتصدر طلبة الثانوية العامة “المشهد”، ومن أجل الدقة “أوائل الثانوية العامة”، في تناسي وتجاهل شديد لمن لم يحصلوا على درجات قليلة، بمفهوم المجتمع “الفاشلون”، لكن “الميزان” لم تتناسى ذلك، من أجل خلق حلقة تواصل مع هؤلاء “الفاشلون”، واكتشفنا خيبة المجتمع، وتنظيراته، فهؤلاء “الفاشلون” نجومًا في زواياهم البعيدة، ليس جميعهم بكل تأكيد.
الطالب مصطفى شريف عبد المنعم، من محافظة بني سويف، لم يكن مرتبكًا، أو تبدو على نبرات صوته الحزن، بل كان عاديًا، عاديًا تمامًا، من أول كلمة في النقاش لآخره، كان واثقًا من كل كلمة يقولها:”أنا معترض على المواد، واللي جوا المواد، وكنت عارف مجموعي، وبلغت أهلي بيه قبل ظهور النتيجة، أنا عارف هدفي تمامًا من البداية، المواد دي مش هي طموحي”.
تحدث “مصطفى” مع “الميزان” بكل ثقة، عن إنجازاته التي حققها بعيدًا عن النظام التعليمي الذي يراه لا يناسب تفكيره ومنطقه، وقال:”أنا أول واحد في محافظتي يحصل على شهادة في علوم الكمبيوتر من سيسكو، وهتخصص في المجال ده، واجتزت الاختبارات كلها بدرجات عالية”.
لا يرى “مصطفى” أنه في مقارنة مع الأوائل في الثانوية العامة، بل يبارك لهم، ويهنئهم، ويشد على أيادهم، فهو يرى أن القضية كلها تدور حول الاختيارات والقناعات “المهم أنا هدرس إيه، وأنجح فيه”.
وينتوي مصطفى عبد المنعم، دراسة علوم الكمبيوتر الفترة القادمة، وهو قد قطع فيها شوطًا كبير، قال”هاتلي أي جهاز كمبيوتر، أو أي حاجة في المنطقة دي ، وشوف أنا هعمل فيها إيه، هحللك أي مشكلة”.
ويرى “مصطفى” أن ظروف عائلته المادية الجيدة إلى حد ما تسمح له بالسفر إلى روسيا لدراسة علوم الكمبيوتر والبرمجة، وهو يبحث من الآن عن الدراسة وطرقها وكيفية السفر من خلال التقصي والوصول لبعض الطلبة الدراسين هناك، قال :”بدل ما أجيب عربية، أو آخد الفلوس دي أعمل بيها حاجة تافهه وتضيع مني على الفاضي، أنا مقرر إني هدرس كمبيوتر بالفلوس دي ، واستثمر في نفسي”.
ربما كانت الظروف المادية الجيدة لـ”مصطفى” حافزًا وسندًا في المستقبل، لكن في المقابل كانت سببًا في أن تحصل “ياسمين” (طلب عدم ذكر اسمها كاملًا) على مجموع كبير، فهي تتبع إحدى شركات “النظافة” لمدة ثماني ساعات يوميًا، المتعاقدة مع إحدى الصحف المصرية.
وتعمل “ياسمين” لمساعدة والدتها، بعد وفاة والدها، لإعالة الأسرة، ووصفت حالتها فور إعلان النتيجة وحصولها على 75 بالمائة، كانت متوترة للغاية:”مكنتش عارفه أعمل إيه، أفرح ولا أزعل، أنا نجحت، بس المجموع قليل، بس والله كانت الظروف أكبر مني، مكانش فيه فلوس للدروس، واللي قدرت عليه عملته”.
حاولت “ياسمين” أثناء المقابلة، طمأنت نفسها، كانت تمتم بكلمات، أثناء المقابلة “إن شاء الله أدخل كلية، أهو أحسن الوحشين يعني”.
ربما لا تعبر حالتي “ياسمين” و”مصطفى” عن السائد والمجموع بأكمله، لكنهما يمثلان تغيرًا في الأفكار، وبالتأكيد حالات كثيرة وعديدة تشبههم، كما توجد حالات كثير ة لا تشبههم، لكنهما يشيران إلى أن “النجم” لم يعدوا البطل، الناجح،بل أحيانًا يكون كما يبدو في نظر الناس “الفاشل”.
الكاتب
-
محمد احمد
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال