أوتو فون بسمارك.. المكافح الذي وحد ألمانيا وتنبأ بضياعها
-
مريم مرتضى
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
في عام 1806م، انتهت الإمبراطورية الرومانية المقدسة، وبدأ عصر جديد في تاريخ ألمانيا، ولكنه كان عصرًا مليئًا بالصراعات والحروب الدامية، تشتت وتمزقت بسبب الدول الأوروبية، لذا خرجت أصوات تطالب بالتوحيد، بدأت في مارس عام 1848م، حيث شهدت المناطق الناطقة بالألمانية اندلاع ثورة عارمة أدت إلى سقوط نظام الزعيم النمساوي ميترنيخ المعادي للأفكار الليبرالية، واستغل المستشار الحديدي “أوتو فون بسمارك” الفرصة، وسعى لتوحيد المناطق الألمانية، خاصة بعد اندلاع الحرب بين بروسيا وحليفاتها من الدويلات الألمانية الشمالية من جهة، وبين النمسا المدعومة من قبل بعض الولايات في جنوب ألمانيا من جهة أخرى، وبانتهاء الحرب في يوليو 1866م، أعلن بسمارك عن تأسيس رابطة شمال ألمانيا في أغسطس من نفس العام، ومن هنا تغير التاريخ حرفيًا، فمن هو بسمارك؟.
أوتو فون بسمارك
وُلد في الأول من إبريل عام 1815م، بمدينة شونهاوزن على نهر الإلبه، درس الحقوق في جامعة برلين، ثم التحق بجامعة غرايفسفالد حيث درس الزراعة، وبعد وفاة والديه عاد إلى شونهاوزن من أجل الاهتمام بأملاك العائلة وزراعة أراضيها، ولكن لم يستهويه ذلك العمل، حيث كان يميل للفنون والآداب والفلسفة، ورغم كل ما سبق، إلا أنه التحق بالعمل السياسي، وبرز فيه بشدة، وظل يتدرج في المناصب السياسية حتى وصل لمنصب رئيس وزراء مملكة بروسيا عام 1862م، ووزيرًا لخارجيتها، حيث كان يثق فيه الملك فيلهلم الأول بشدة.
توحيد ألمانيا
بعد الإعلان عن تأسيس رابطة شمال ألمانيا، والتي كانت تضم في البداية سبع عشرة دولة وإمارة إلى جانب بروسيا، وسعت دويلات أخرى للتقرب منها نظرًا لقوة وعظمة ونفوذ بروسيا، ومن هنا كان يسعى بسمارك دائمًا لتشكيل دولة قومية للألمان، ورغم أن الفضل في ذلك يعود له بالفعل، إلا أن هدفه لم يكن الوطنية ولم يكن قلبه على الألمان، بل كانت سياسته هي تمهيد طريق بروسيا، والحفاظ على نفوذها.
وفي عام 1870م، تفاقمت الخلافات بين بروسيا وفرنسا، وأعلن إمبراطور فرنسا نابليون الثالث الحرب على بروسيا، وهو ما جاء في مصلحة الأخيرة على عكس ما تتوقع، حيث انتفضت ولايات جنوب ألمانيا وسعت للوقوف إلى جانب بروسيا، حتى تمكنت من هزم الجيش الفرنسي، وحسمت الحرب لصالحها، واستغل بسمارك الفرصة جيدًا، وأعلن في الثامن عشر من يناير عام 1871م، عن تأسيس الإمبراطورية الألمانية أو ما يُعرف باسم الرايخ الألماني، وبموجب دستور الدولة الجديدة أصبح ملك بروسيا فيلهلم الأول قيصرًا للرايخ الألماني، وتولى بسمارك منصب مستشار الرايخ الألماني.
المستشار الحديدي
شغل بسمارك نفسه بعد ذلك بإصلاح البلاد من آثار الحرب، حيث سعى لبناء أساس اقتصادي وسياسي للحصول على النفوذ والثروة، واعتمد في حكمه على نظام عسكري صارم، وسن قوانين قاسية وصارمة، وشُبه أسلوب حكمه بالحديد والنار، لذا أُطلق عليه المستشار الحديدي
واعتمدت سياسته الخارجية على الحفاظ على استقرار ألمانيا، وحمايتها من أي خطر، لذا عمد إلى عزل فرنسا عن بقية الدول الأوروبية، وفي نفس الوقت قام بتوقيع معاهدات سلام مع روسيا والنمسا والمجر.
دولة الرفاهية
بعد فترة من الوقت، وبعد أن ثبتت أقدام بسمارك داخل الدولة الألمانية، وأحكم قبضته جيدًا على كل الشئون الداخلية والخارجية، قرر أن يتخلى عن بعض القيود الصارمة، فأسس نظام جديد سُمي بـ “نظام الرفاهية”، وقام فيه بوضع برنامج للرعاية الصحية، ونظام تأمين ضد الحوادث، ومعاشات لكبار السن، والعديد من الرفاهيات التي افتقدها الشعب الألماني.
نهاية بسمارك وتحويله لأسطورة
توفي فيلهلم الأول عام 1888م، وخلفه على العرش ابنه فريدريش الثالث، الذي بقي في الحكم مدة ثلاثة شهور فقط، ثم لحق بأبيه، ليتولى الحكم من بعده ابنه فيلهلم الثاني، ولكنه كان ذو شخصية قوية لم يستطع بسمارك التحكم به، لذا أُجبر على التنحي عام 1890م، تاركًا ألمانيا دولة موحدة وفي عصر الذهبي حقًا، وتوفي بسمارك عام 1898م، وكانت جنازته مهيبة بحق، لم يسبق لها مثيل شعبيًا، حيث خرج مئات الآلاف من محبيه لتوديعه، ومن بعدها تم إطلاق اسمه على العديد من الشوارع، وأقيمت نصب تذكارية له في الميادين، واصبح بسمارك بعد وفاته اسطورة وبطلًا شعبيًا.
المصدر
(1)
الكاتب
-
مريم مرتضى
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال