همتك نعدل الكفة
233   مشاهدة  

أين حكماء الجمهورية الجديدة؟

حكماء
  • إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة



بعد ثورة ٣٠ يونيو طرأت فكرة لم تخرج للعامة وكانت تهدف إلى تشكيل مجلس حكماء يتألف من أسماء معروفة ومحددة ولقد سعدت وحمدت الله كثيرًا لعدم اكتمال الفكرة ففور ترشح بعض الأسماء على نطاق ضيق جدًا بدأ الحكماء المرشحين في محاولة التخلص من بعضهم حتى تحول تشكيل الحكماء إلى تشكيل عصابي من متسلقين وأصحاب مصالح وتم إزاحة العناصر الجديدة التي لم يسبق لها تجربة العمل العام بشكل واسع ومما لا شك فيه أن متخذي القرار حينها قد فطنوا لانعدام الرجاء من النخبة والمتشددين لها وتخلصوا من الورطة التي كانوا على وشك الوقع بها ومما لاشك فيه أيضًا أن تجارب النخب في مجتمعنا ليست كلها بالتجارب الجيدة خاصة لمن يطول عمره ويكبر حسابه في البنك لذلك لن يفلح الانتخاب الطبيعي تمامًا بعيدًا عن التوجيه والدعم والرقابة حيث سرعان ما ينتج الانتخاب الطبيعي عندنا بقدرة قادر تشكيلات عصابية منتفعة تغلق الطريق على الهواء نفسه لو أراد أن يمر دون إذن الشلة أو العصابة ولا يقدر عليهم غفير ولا أمير.

 

الواقع يقول إن القادرين على التأثير والقيادة هم الأقلية وسط الغالبية الكبيرة وعلى ندرتهم إلا إن وجودهم ضرورة لازمة لدعم الفرد النفسي والعقلي ومساعدته على تغيير مشاعره التقليدية الضارة وأفكاره كونهم مؤثرين حقيقين في حياته.

ولو أن كل منا أخد ثوان قليلة استرجع فيها ماضيه بداية من طفولته حتى اللحظة الراهنة التي يقرأ خلالها هذا المقال سيجد أن أشخاصًا بعينهم كان لهم عظيم الأثر على حياته وأن بفضلهم تغيرت رحلته، وهؤلاء الأشخاص هم أفراد وليسوا أنظمة ولا حكومات فهذه طبيعة الأثر، إذًا من سيتذكر أولادنا عندما يكبرون، غير  محمد صلاح!.

 

“مالوش كبير”

 

كان يعاب على من ليس له كبير يقصده ويتعلم منه وينقل عنه بأنه “ملوش” كبير فلا يجب أن تأمنه أو تشاركه ولا تزوجه ابنتك أيضًا وكان لكل مجتمع كبيره الذي يفض المنازعات ويحتكم إليه الأفراد حيث يثقون في عدله بين الناس وانصافه الضعيف الأقل علمًا وحكمة والأكثر حاجة، ولكل أسرة كبيرها الحكيم كان أب أو أم أو خال أو جد أو أخت كبرى الخ

وقد يكون الكبير على هيئة مثل أعلى من العلماء أو المثقفين أو أبطال في الألعاب الرياضية وحيث لمع فيما مضى نجم من كل مهنة هو كبيرها الذي يقتدي به طلابه وأبناءه فتجد شيخ المعماريين حسن فتحي والدكتور أحمد شفيق في الجراحة والطب والذي رشح لجائزة نوبل وعادل صادق عميد الطب النفسي وأحمد عكاشة أيضًا وفي السينما والدراما حدث ولا حرج ربما انتهوا بوفاة المنتج والفنان سامي العدل صاحب الكلمة المسموعة في الوسط الفني وتطول القائمة بحكماء كانوا أصحاب تأثير حقيقي على مجتمعهم الصغير عن طريق تأثيرهم المباشر على الأفراد من أسرهم وعائلاتهم المهنية ولقد عرفت كل هؤلاء من معماريين وعلماء ورياضيين وفنانين خلال طفولتي المبكرةعبر شاشة التلفزيون المصري الذي كان يعج بحكماء أدين لهم بالفضل في صقل فرديتي وهويتي الشخصية ولا يسع المقال لذكر أسمائهم التي تحتاج لكتاب يوفي بالعدد والقيمة.

 

وعلى بديهية الطرح السابق إلا أنه يبدو أننا نفتقده فكما ذكرت عن كيفية تعريفي مبكرًا من خلال الإعلام بقامات في مجالات متعددة أتاحت لي من الحياة فرص أكثر تعددًا يمكنك أن تنظر حولك الآن وتتجول بين المتاح عبر القنوات والمحطات أو الصحف والمواقع ولو استثنينا نشرات الأخبار وافتتاح المشروعات فلن تجد غير فنانين يقومون باستضافة فنانين ليتحدثوا بدورهم عن فنانين آخرين وياريت في فن في الآخر.

ورغم حديث متكرر عن معضلة جدوى صناعة النخب عبر حرفية إتاحة الفرص الشفافة العادلة لانطلاق أصحابها عن استحقاق أو هدمها بدعوى ضلالها وخيباتها والدفع بعدم صدق أصحابها ممن ينادون بضرورة شيوع قيم لا يطبقوها على أنفسهم.

إلا أن الوضع بدى لي مؤسفًا حيث تميل الطبيعة البشرية للاقتداء بأي رموز فإن لم يجدوا ما يستحقون أن يستمعوا إليه صنعوا آلهتهم وبدلًا عن مواجهة وكشف مثقف منتفع رأينا الجمهور يصنع تحت بير السلم لكل فرد آلهة فأصبحنا نواجه جاهل منتفع أو مرشد – أقصد mentor – ويحشد الجاهل حوله عشرات ثم مئات ثم آلاف من المرشدين الجهلاء المنتفعين الذين يتعين علينا مواجهتهم ليل نهار سواء في الحياة الحقيقية أو الافتراضية.

 

ثم أصبحت الغالبية تعتقد في نفسها القدرة على الإرشاد والقيادة وقد وحد الجهل بين أصواتهم فتجدهم ينادون بالعقاب والحبس والإعدام لكل مذنب بصرف النظر عن جريمته أو خطأه ولكل مخالف في الرأي أيضًا، وينتقدون أداء الشرطة التي يجب أن تؤدي واجبها على أكمل وجه بداية من محاربة الإرهاب وحتى ضبط كل من تسول له نفسه أو ويده ويفتح باب الثلاجة ليلا، وإن ضيقت عليهم الخناق سينتقدون التغير المناخي وصولًا إلى جارهم الأقرب بسبب نور السلم سينتقدون كل شيئ إلا أنفسهم، فالحكيم الجاهل لا يدرك أن سعادته الحقيقية وغالبية مشكلاته في تغيير نفسه والاهتمام بها وهو الطريق الأصح والأفعل لتغيير من حوله، لكن طالما لا توجد اعتبارات للمعرفة ولا محددات للحرية فالفوضى هي العنوان المسيطر.

 

يحضرني هنا ما شهدته من انزعاج البعض من حديث ورد بأحد البرامج تعقيبا على انتحار فتاة مول سيتي ستارز عندما أفاد التعقيب بضرورة ترك الشباب لأسرتهم والنوم على الأرض ليتخلصوا من القلق والاكتئاب ولو أن هذا التعليق قد صدر من صاحب تجربة لما تمت صياغته بهذه البلاهة ولا كان الجمهور استقبله بسخرية وسوء فهم وربما كان نافعًا.

 

لذلك أرى أن علينا أن نتأمل أمرين:

 

الأول هو إعادة النظر في ضرورة القناعة بإن صناعة شوية نخب على ما تفرج مع إعادة تدوير القديم خلال السنوات الأخيرة لم ولن يؤثر في شعب قوامه ١٠٠ مليون نسمة – مع الاعتبار لما مررنا به سياسيًا واقتصاديًا- ولن يصنع فارقًا يمكن تذكره.

إقرأ أيضا
وائل غنيم

 

الثاني هو ضرورة استخدام أسلوب الانتخاب الطبيعي الصناعي في خلق نخب جديدة مستحقة كمرحلة أولى حيث أن الإصرار على تقويض الفرص تمامًا لصالح أجنة ضعيفة باعتقاد أن الانتخاب الصناعي سهل وآمن وفعال على نظرية – سأظل أعطي قيمة لمن تحتقره حتى تتعود عليه ثم لا تقبل غيره – لن ينتج عنها إلا خِلفة ضعيفة تعل صاحبها وتفقره وتسهم في تكريس فوضى “الكل حكماء” لأنها ممكنة جدًا مقارنة بمستوى النخبة الصناعية المُقدمة.

 

تجربة واضحة

الاهتمام بالشباب عبر إطلاق كيانات تحتويهم وتدعمهم هو أمر بالغ الأهمية والخطورة وللحق لقد شهدت بشكل شخصي على انضمام أسماء عرفتها في  قطاعات عمل مختلفة في سنوات مضت حيث جمعت الكفاءة والجدارة بينهم جميعًا وهي شهادة شخصية تتعلق بمعرفتي الوثيقة والقديمة بهذه الأسماء الواعدة وللخبرة السيئة القديمة أيضًا في الترشح والكيفية التي تجري بها هذه الأمور ما كنت أظنهم يتلقوا الدعم الذي استحقوه فأسعدني انضمام البعض منهم لتنسيقية شباب الأحزاب وآخرين بشغل مناصب إدارية رفيعة بالمحافظات وغيرهم انخرطوا في برامج تدريبية متنوعة إلى غير ذلك من مفارقات تقول أن هؤلاء وجدوا بيئة تستوعبهم في إطار مرحلة عمرية محددة ودور محدد أيضًا يتراوح بين الوظيفة والمشاركة فيما بينهم حتى فعاليات بسيطة تذكرنا بأنشطة الكشافة وهي بسيطة لكنها مهمة لصقل مهارتهم ومنطقي أن نتوقع نبوغ البعض منهم خلال سنوات قادمة ليكون فيهم من يصلح لقيادة جانب من جوانب الرأي العام، فما هي المسارات التخيلية الآمنة  لوصول هؤلاء الحكماء من دون اتحادات ولا أكاديميات بطبيعة الدور والمرحلة أيضًا وماذا عن هذه السنوات التي نعيشها في ظل الفوضى التي سببها استحداث نظام “الكل حكماء”؟

 

إن إتاحة الفرص أمام المبصرين أكثر سلامة من ترك العميان يقودون بعضهم وليس في ذلك شك، المفروض يعني.

 

الكاتب

  • حكماء رشا الشامي

    إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة






ما هو انطباعك؟
أحببته
3
أحزنني
0
أعجبني
3
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
1


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان