إجابة على سؤال إبراهيم عيسى عن قوة مصر الناعمة، وهل تنقلب العداوة لمنافسة؟
-
رشا الشامي
إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة
طرح إبراهيم عيسى خلال برنامجه حديث القاهرة سؤلًا جديرًا بمحاولات للإجابة، حيث قال خلال حلقة أمس: لماذا يتم تنفيذ توجيهات الرئيس فيما يتعلق بمشروعات البنية التحتية والمشروعات العملاقة ويعني في القطاعات مثل النقل وتحلية المياه والطاقة والثروة السمكية وبناء مدينة الأثاث والجلود، شبكات الطرق، الإسمنت، الحديد والمدن الجديدة وغيرها فيما لا يتم تنفيذ التوجيهات نفسها فيما يتعلق بالوعي وإدارة العقول؟
تكرر السؤال السابق على لسان مواطنين وقرأته مرات عدة وربما حاولت الإجابة عنه بسخرية ذات مرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي حيث تغلب الحماسة والاختصار في التعبير من خلال مواقع التواصل الاجتماعي التحليل والإسهاب والموضوعية.
كنت قد توقفت نهائيًا عن متابعة البرامج التلفزيونية بكل أنواعها من منوعات، توك شو أو أخبار بعد أن اقتصر معظم محتواها في السنوات الأخيرة على تحقيق مشاهدات من خلال التعليق على كل تريند أو في استعراض خبر أحادي الوجه، لذا كانت عودتي لمتابعة برنامج عبر فضائية حدثًا استحق توثيقه.
وبالعودة للسؤال لماذا يصعب تنفيذ توجيهات الرئيس فيما يتعلق بالعقول بينما تهرع المؤسسات المعنية لتنفيذ توجيهاته في المجالات الأخرى فلدي أكثر من تصور سأضعهما في السطور التالية وأرجو أن يستأنف الأستاذ إبراهيم عيسى البحث عن إجابات، وأرجو الإشارة إلى أن الترتيب فيما أذكره من أسباب ليس دلالة على قيمة الطرح أو ترجيحه عن غيره:
- صعوبة التنفيذ حيث أن الثقافة منتج محلي الصنع ويشترط أن تكون المادة الخام لتنفيذه شديدة المحلية أيضًا والمادة الخام في نجاح أي مشروع ثقافي هي العقل ذو المواصفات الخاصة فالعقل المبدع هو الحر المنفتح الواعي الذي يسأل ويبحث ولديه قدرة على الخيال والخلق وهنا تكمن الصعوبة بينما في المشروعات التنموية يمكنك أن تنجز بحتمية القرار مشروع ضخم مثل انشاء المونوريل وهو المشروع الأضخم لوزارة النقل على سبيل المثال بعد تعاقدها مع التحالف الأجدر بالتنفيذ بقيادة بومباردييه الكندية لمدة ٣٠ سنة تشمل التشغيل والصيانة إضافة إلى توطين صناعة المونوريل في مصر الذي جاد بتوجيه الرئيس وإقامة شراكة لصالح السكة الحديد.
- استمرار منهج الحذر والحرص والخوف من الخطأ أو التسلل عبر المجالات الثقافية كان اختيارًا ضروريًا في فترة زمنية مضت عندما كانت مصر تواجه بل تحارب الإرهاب وتمر بظرف تاريخي استثنائي وهو المنهج الذي يتعارض مع نجاح أي مشروع ثقافي يستند بالدرجة الأولى على استقلال العقول وإحساس الأفراد المبدعين بالأمان والدعم وإتاحة المنافسة وبالتالي تحقيق التأثير فالريادة، لذا ربما تلجأ الجهات المعنية إلى نظرية محمد صبحي في أعزائي المشاهدين مفيش مشكلة خالص “متشتغلش خالص متغلطش خالص” بينما يمكن ضبط عناصر الأمن والرقابة في المشروعات التنموية الأخرى وحتى يمكن تدارك الخطأ أو تصويبه دون شوشرة.
- تحقيق الأرباح المادية كعائد مباشر على المشروعات الإبداعية والثقافية ليس هو الدافع في معظم الأحيان الذي يحرك المبدعين لذا قد ينصرف المبدع الموهوب من منظومة تنشد الربح السريع على حساب التأثير والريادة وهذا لا يعني أن الثقافة مشروع غير مربح فصناعة السينما والدراما والمسرح والفنون الأخرى وحتى الإعلام يمكنهم تحقيق أرباح هائلة إضافة لكونهم سلاح لا يمكن إنكار فعاليته لكن آلية تحقيق الأرباح تحتاج إدارة لأفراد وعقول لا تلمع إلا في أجواء إدارية تتسم بالعلاقات الإنسانية التي تراعي الفارق الشخصي بين إنسان وآخر باختلاف موهبتهم وقدرتهم على التغيير.
- عدم القناعة بجدوى وأهمية القوى الناعمة كسلاح بات اليوم أفعل من الرصاصة وافتقاده أو تراجعه أفدح من نقص قد يحدث في مخزون القمح مقارنة باستشعار الأجهزة المعنية ضرورة توفير الاحتياجات التموينية والغذائية وإتاحة منافذ البيع لضمان وصول السلع الغذائية للمواطنين كافة بأسعار محتملة – وهذا صحيح – ولقد بذلت الوزارات المعنية في هذا الصدد جهودًا مهمة أسهمت في تقليص أثر الإغلاق الذي انعكس على التجارة والاقتصاد العالمي
كما التف المصريون فرحيين فخوريين بترتيب جيشهم وتنوع تسليحه ولم يسأل أحد عن العائد المادي المباشر لمثل هذا الإنجاز الكبير فالسيادة والاستقلال والأمن والعزة أهم من الربح السريع وأساس للبقاء وحماية الوطن.
- التقدير في المجالات الإبداعية باختلاف أنواعها أوفي نجاح أي مشروع ثقافي يكشف عن أصحاب الحق الأدبي بأسمائهم وهويتهم مهما وصلت أعدادهم وهنا تكمن قيمة مصر وقدرتها على إغراق العالم العربي كله بأعمالنا الإبداعية وثقافتنا وكتبنا وفي الوقت نفسه قد يبدو هذا مقلقًا لمسئول في هيئة أو وزارة ما كان يريد الاستئثار بالحصاد وحده دون فريق عمله، كما يصعب السطو على العمل الإبداعي حيث يستحيل أن يسطو أحدهم على عقلك فيسرق نجاحك وينسبه لنفسه أو يستفيد من الفرص بإتاحتها لذويه أو حلفائه وينجح، فربما يجعل البعض يتسائل عندما يتعلق التوجيه بنهضة ثقافية : وانا كدة استفدت ايه!
ربما يقودنا ما سبق لضرورة البحث بجدية عن الأسباب التي تحول بيننا وبين النجاح في المجال الذي تميزنا به فإن كنا نصدق أن مصر هبة النيل فيجب أن نصدق أيضًا أن مصر هي هبة الثقافة والفنون والإبداع وأن حضارة المصريين القدماء التي تبذل الدولة جهودًا كبيرة في الاهتمام بها وإعادة إحياء قيمتها لدينا كمصريين واستثمارها كانت بسبب الإبداع والفنون والثقافة لذلك لا أتفق مع إبراهيم عيسى في حديثه عن ضرورة التفاتنا اليوم لتحول عدو الأمس إلى منافس وجاء حديثه بمناسبة مهرجان البحر الأحمر للسينما المقام بجدة في المملكة العربية السعودية وأعاد ذلك للأذهان الجهود التي بُذلت سابقًا لسلفنة الفن المصري والتنفير من السينما حتى لدى صناعها ونجومها وتحريم الغناء وشراء الأفلام المصرية بغية إتلافها والى غير ذلك من سياسات أسهمت في فقدنا للكثير من قوتنا الناعمة.
يقول إبراهيم عيسى أننا الآن أمام منافس شرس وعقد بدوره مقارنة بسيطة بين منصتي شاهد وواتشيت وهي حقًا مقارنة غير جائزة وغير منطقية كما ذكر وفقًا للفارق الكبير في حجم المحتوى المقدم، لكن هل نعتقد أن شاهد وغيرها ستظل توفر المساحة الأكبر للمحتوى المصري كما ذكر عيسى وهل نعرف كيف يتم اختيار الأعمال وأبطالها، إن كنت أمتلك العرض وأمتلك التوزيع فأنا أمتلك التوجيه لصالح موضوعات معينة وأفرض أسماء بعينها واستبعد أسماء وفق أجندي الخاصة، وحدي يمكنني اختصار خفة دم المصريين وفكاهتهم إلى ثقل دم “سعفان” الذي لا يشاهده أحد ولا يطيقه أحد أيضًا لكن وجوده ليس عبثيًا ولا مصادفة.
هل تمكنني المنافسة من التدخل في معارك ثقافية محلية كما حدث بين نقيب الموسيقيين ومؤديي المهرجانات ومن ثم أجمع اللاعبين المتخاصمين على المسرح نفسه باعتباري كبيرهم وأقود بما أمتلك من قدرة على إقامة المهرجانات والمواسم وبما أغدقه عليهم من أموال لن يقدمها لهم السوق المحلي!
هل تسهم المنافسة في حصر الكوميديا على أداء العته والسخرية من ذوي الحاجات الخاصة!
ربما علينا أن نعيد قراءة الواقع بشكل أكثر موضوعية ونبحث في الإملاءات التي تمارس على المنتجين بفرض أسماء بعينها ونمط تمثيلي معين واسناد حملات إعلانية لمشاهير أو مؤثرين دون غيرهم.
هل تواجه مصر منافسة أم حرب بأدوات العصر الجديد والهدف واحد وواضح.
الكاتب
-
رشا الشامي
إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة