إلي إيمان البحر ” تركة سيد درويش على المشاع”
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
عندما شاهدت حلقة أغنية “يا ولد عمي” من برنامج ريميكس الذي يقدمه المطرب حمزة نمرة على شاشة التلفزيون العربي، تبادر لذهني سؤال وحيد؛ لماذا لم يظهر حفيد سيد درويش المطرب إيمان البحر درويش بدلًا من ابن عمه “محمد حسن درويش” خصوصًا أنه اعاد غناء نفس الأغنية في ألبوم الوارثين الصادر عام 1983، وقد يكون الأجدر فنيًا بالحديث عن أعمال جده، لكن بالعودة لصفحته الشخصية على موقع الفيس بوك، والتي يخلط فيها الفن بالسياسة، فتجده تارة منافقًا الدولة وتارة اّخرى أحد أضلاع شرطة الأخلاق الفنية، فأدركت أنه لو عرض عليه الظهور في الحلقة حتمًا كان سيرفض مع حمزة المغضوب عليه من قبل النظام الحالي.
بعد بث الحلقة شن إيمان البحر درويش هجومًا كبيرًا على شخص حمزة نمرة بل ولم يسلم منه ابن عمه “محمد حسن درويش ” الذي تنكر من صلة القرابة بينهما.
بدأ إيمان هجومه على حمزة نمرة بوصفه الفنان تربية الأخوان، وهي التهمة التي نفاها حمزة كثيرًا وفي الغالب لا يستخدمها الأن إلا أذرع النظام الحالي أما للتأليب على شخص ما أو مغازلته وتقديم فروض الولاء والطاعه له بأستخدام نفس التهمة الجاهزة المعلبة التي يستخدمها النظام ضد معارضيه.
لم يكتفي إيمان بذلك بل وصفه بالكذب لأنه لم يذكر اسمه بصفته أحد من غنوا الأغنية، رغم أن حمزة في سياق الحلقة ذكر أنه لم يكن على علم باللحن الأصلي من الأساس وعرفه بعدما أرسله إليه أحد الأشخاص، وقال أن تراث سيد درويش يعج بالأغنيات التي لم تعاد حتى الأن ولا يعرفها أغلب الجمهور.
قد يكون أخطأ حمزة بشكل عفوي بعدم تتبعه مسار اللحن ومن غناه بعد سيد درويش، لكنه في النهاية لم ينسب اللحن إلي شخص اّخر، وهذا ليس جرمًا كبيرًا يجعل إيمان يشن هذا الهجوم العنيف عليه، واصفًا إياه بالكذب لأنه لم يذكر اسمه أو أسم والده الذي غني الأغنية في عام 1934 بحسب ماقال إيمان في منشوره، ومن الواجب عليه على الأقل كنقيب سابق للموسيقين أن يتدخل بشكل أكثر احترامًا لتصحيح المعلومة أو يلوم ابن عمه الذي لم يذكرها وأن كان ابن عمه لم يسلم هو الاّخر من هجومه واصفًا إياه بالحاقد والطامع في الشهرة بوصفه حفيد سيد درويش، ويبدو أن إيمان هو نفسه الطامع في أن يظل اسمه وحده فقط ملاصقًا لاسم جده طول الوقت.
يتعامل إيمان البحر درويش مع تراث جده على أنه ملكية خاصة لا يجوز المساس بها، ولا يدرك أن جده يوصف بأنه فنان الشعب و تراثه ملك للجميع من حق أي شخص أن يغنيه وليس لزامًا على أحد أن يذكر من غنوا تراثه من بعده وهو أمر توثيقي يصعب حصره، وتناسي أننا نعاني من أزمات غنائية متلاحقة وأي مجهود يبذل في سبيل الحفاظ على تراثنا الغنائي هو جهد يجب الثناء عليه لا أن نقدح ونذم ونتهم الاّخرين علنًا أمام الجمهور.
تناسى إيمان أنه أستغل تراث جده في بداياته الفنية في ألبوم الوارثين، واختيار الاسم لم يكن صدفة فمن وقتها نصب نفسه الوريث الشرعي الوحيد لتركة سيد درويش الفنية، وساهم هذا الألبوم في شهرته العريضة التي جعلته لا يريد لأحد غيره من ورثة سيد درويش أو حتى محبيه الظهور في الصورة.
يتتبع إيمان خطى والده المطرب محمد البحر في محاولة الاستئثار بتراث جده، فبعد رحيل سيد درويش تفرغ ابنه لمطاردة كل من يريد غناء تراث والده، فبدأ مشاكله مع الإذاعة المصرية التي رفع ضدها قضية يتهمها بتشويه ألحان أوبريت العشرة الطيبة بعد تسجيله، ثم قضية اّخرى على استوديو مصر لنفس المسرحية التي كانت تعد سينمائيًا من بطولته هو، وتدخلت الرقابة لتعديل بعض الكلمات وهو ما قوبل منه بتعنت كبير فألغى استوديو مصر الفكرة فطالب في القضية بأجره كاملًا عن دوره الذي لم يمثل في الفيلم.
ومن كثرة القضايا التي رفعها هداه تفكيره إلي حل أخير برفع قضية للحراسة على التركة الفنية لسيد درويش وحكمت له المحكمة، ولم يتم الأفراج عن تراث والده إلا بعد مرور خمسين عامًا على رحيله، ولكن بعد كل هذه القضايا والمشاكل، هل نجح محمد البحر في الحفاظ على تراث والده؟ بعد أن قصر أداء الألحان على صوته وصوت سيد مصطفى أحد تلامذة والده فقط والاثنان صوتهما لا يضاهي جودة الأصوات الموجودة في زمنها، وهل تسبب ذلك في عدم إنتشار أعمال سيد درويش على نطاق واسع وبصورة أفضل،
لم يكن هذا الهاجس الوحيد لدى محمد البحر تجاه تراث والده فصنع معركة وهمية مع الشيخ زكريا أحمد أحد مكتشفي والده، متهمًا إياه بسرقة عدة ألحان منه وهي القضية التي أفردت لها مجلة المسرح عدة مقالات وخرج منها الشيخ زكريا منتصرًا بعد أن ضحد مزاعمه متحديًا إياه أن ينشر نوتات ألحان سيد درويش ويقارنها بالألحان التي يدعي أنها مسروقة.
في النهاية ختم إيمان البحر درويش كلامه بقوله، أنتم عار على الفن الصادق ولا نعرف ماذا يقصد بتلك الجملة المطاطة جدًا وماهو تعريفه للفن الصادق، هل هو الفن الذي دأب تصديره للمستمع بعد أن قرر أن يكف عن غناء أغنيات رومانسية بحجة أنها حرام وأتهم وقتها بنفس الاتهام الذي وجهه لحمزة نمرة، أم هي الأغاني الوطنية والدينية التي حول دفته تجاهها ولم يسمع بها أحد، وماذا فعل بتراث جده سوى أنه صعد على أكتافه في البدايات ثم قلل بعد ذلك منه، ولم يستخدمه إلا لأغراض درامية في أعماله السينمائية التجاريه أو في حفلاته الخاصة، وماذنب حمزة نمرة في أنه لم يستمع إلي ألبومه الوارثين الذي صدر بعد ميلاده بثلاث سنوات فقط.
كان يجب على إيمان الكبير سنًا نقيب كل الموسيقين سابقًا، أن يثمن هذا الجهد العظيم الذي يبذله مطرب شاب وأن يحسن النية تجاهه، خصوصًا أننا نعاني من أزمات فنية غنائية وأن يتحلى بشيم الكبار في تصحيح هذا الخطأ غير المقصود بدلًا من مهاجمته بحجة سبب تافه جدًا لكن يبدو أن الغيرة الفنية طالته بعد انحسار الأضواء عنه.
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال