إنعام سالوسة .. الفنانة التي هزمت النجومية وملكت حب الجمهور
-
أسامة الشاذلي
كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
(1) البداية
إنعام ابراهيم حسن تلك الطفلة المولودة في مدينة دمياط حيث لا يعرف البشر هناك معنى للحياة غير العمل، تقول الدراسات والإحصائيات إن معدل البطالة في تلك المحافظة 0%، وفي نهاية الثلاثينيات وبالتحديد في 9 سبتمبر 1939 كانت الطفلة إنعام تستقبل العالم باكية في ليلة خريفية معتدلة بامتياز، أثرت على حياتها كلها فيما بعد.
(2) الشباب:
كلية الآداب كانت المحطة الأخيرة في الرحلة الأولى، رحلة الدراسة التي امتدت لسنوات طوال، انتقلت إلى العاصمة والتحقت بجامعة عين شمس، صارت الشابة الريفية طالبة جامعية مع بدايات خريف آخر، قادتها قدماها إلى مسرح الجامعة والذي كان في نهاية الخمسينيات يفور بالحماس والشغف بعد انتقال السلطة إلى الشعب وثورة 52.
كان المسرح بالنسبة إلى إنعام إبراهيم حسن والتي عرفت فيما بعد باسم إنعام سالوسة أهم مكان في الجمعة تلتقي فيه بالحُبين: التمثيل وسمير الطالب البور سعيدي الذي يزاملها في كلية الآداب ويسبقها بعامين.. سمير العصفوري الذي صار فيما بعد أحد أهم مخرجي المسرح المصريين.
(3) التمثيل:
يقولون إنها لا تبتسم أبداً داخل أي «لوكيشن» تصوير، جادة وملتزمة إلى أقصى درجة، ربما بحكم اغترابها مبكراً عن أهلها بسبب الدراسة والتي دفعتها وسط زخم العاصمة إلى الالتزام بأقصى درجات الانضباط، والتي أهلتها لتقديم أكثر من 200 عمل فني ما بين مسلسل وفيلم ومسرحية.
تلك الشابة التي بدأت حياتها الفنية عام 1966 بعدما أنهت دارستها للمرة الثانية في معهد الفنون المسرحية عبر التليفزيون في دور صغير في مسلسل «الأبواب المغلقة» من تأليف أمين يوسف غراب وإخراج عبد المنعم شكري وبصحبة محمد رضا وزوزو ماضي والسيد راضي، وكأنها إشارة دائماً إلى أن التليفزيون هو بدايتها الدائمة.
ثم قدمت أول أعمالها السينمائية في دور أكبر قليلاً كزميلة في المدرسة للنجمة سعاد حسني في فيلم «الست الناظرة» عام 1968.
وخلال ما يزيد عن 30 عملاً بعد هذا الفيلم ما بين مسلسل وفيلم ومسلسل إذاعي بقيت كما هي بعيداً عن دائرة الضوء، لكنها بالإرادة نفسها التي أتت بها إلى القاهرة لم تيأس.
(4) ليالي الحلمية:
سافرت إنعام سالوسة مع زوجها المخرج سمير العصفوري إلى باريس من أجل إنهاء دراسته في تخصصه، تفرغت لمدة عامين لعشقها الثالث: المطبخ، تسعد كثيراً عندما يمدحون ما صنعت يداها، تتذكر والدتها وتعيدها فوراً إلى الحياة، ثم عادت إلى القاهرة من عاصمة النور لتدخل للمرة الأولى إلى دائرة النور مع تقديم دور «وصيفة المرزوقي» زوجة العمدة سليمان غانم الذي لعب دوره الفنان صلاح السعدني في الجزء الأول من مسلسل «ليالي الحلمية»، بعد ما يزيد عن 21 عاماً صار الجمهور للمرة الأولى يعرف اسم وصيفة..
زاد عدد الأعمال المعروضة عليها وقدمت خلال 5 سنوات ما يزيد عن 20 عملاً وهي نسبة تقترب مما قدمته خلال الـ20 سنة الأولى في مشوارها الفني وكان أهما هو الجزء الثاني والثالي والرابع من المسلسل ذاته، وفيلم «الحب في الثلاجة» ومسلسل «أنا وأنت وبابا في المشمش» وفيلم «المواطن مصري» و«الدنيا على جناح يمامة» و«الإرهاب والكباب».
(5) نهاية التسعينيات:
الممثلة الشابة التي نضجت ودخلت دائرة الضوء لم تصبح نجمة بعد، فقط صار الجمهور يعرفها جيداً، ربما طمحت في بدايات مشوارها إلى بطولة ما، وربما رحل هذا الحلم مع تخطيها عمر الأربعين، ونسته فعلياً بعدما تخطت الخمسين حين بدأ النور يتسلل إلى وجهها، لكن المؤكد أنه عند بلوغها الـ60 عام 99 كانت في طريقها إلى براح آخر من النجومية، ذلك البراح الذي يعجز نجوم الصف الأول عن سكناه، حيث سكن عبد الفتاح القصري وفردوس محمد وزينات صدقي ويوسف داوود ويوسف عيد وغيرهم من نجوم القلوب، هؤلاء الفنانين الذين يشعر الجمهور أنهم جزء منه، ربما لأنهم ليسوا مختلفين عما يشاهده يومياً، لا يحملون ملامح فائقة الجمال ولا يملكون قدرات خارقة ولا يسطعون دائماً، كانت أنعام سالوسة في الستين تشبه أم أي متفرج، تلك التي يطيب له عند العودة إلى المنزل أن يجلس تحت قدميها ويأكل مما صنعته يداها، وكان مسلسل «امرأة من زمن الحب» عام 98 و«يارجال العالم اتحدوا» عام 2000 و «عائلة الحاج متولي» 2001 و «جحا المصري» 2002 الطريق الممهد لها كي تصير أماً من أمهات الشاشة العربية، وتلك نجومية ذات مذاق خاص.
(6) وفي السينما:
وبعد سنوات من البداية التليفزيونية الساطعة كان فيلم «في محطة مصر» عام 2006 مع كريم عبد العزيز ومنة شلبي، حين أدرك المصريون وربما العرب جميعهم تلك القدرات الكوميدية الهائلة التي تملكها تلك الفنانة الصارمة، التي فجرت الضحك من حزنها وضعفها وقلة حيلتها أمام العمدة «سليمان غانم» في «ليالي الحلمية»، والتي لم يلحظوها إلّا في هذا الفيلم والذي انطلقت بعده لتشارك في «تامر وشوقية» بأجزائه وعدة رسوم متحركة ومسرحيات قبل محطتها الهامة في فيلم «عسل اسود» حين نجحت ببراعة تليق بموهبتها وبعد أن تجاوزت الـ 70 عاماً في أن تهب جمهوراً عريضاً يتكون من الملايين، طاقة من الدفء والأمومة والثقة، تلك الطاقة التي لا تملكها سوى الأمهات، تلك الأمهات الخارقات، ثم ذلك الدور الرائع لشريرة كوميدية في الحرب العلمية الثالثة لتكسر كل التوقعات.
لتبقى إنعام سالوسة التي أتمت 76 عاماً إحدى الممثلات اللواتي لن يكن نجوماً وإنما قلوب يعشقها الجمهور.
الكاتب
-
أسامة الشاذلي
كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال