هل تفادينا السيناريو اللبناني بإسقاط الجماعة؟
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
في فترة حكم جماعة الإخوان المسلمين لمصر، سارع النظام بتوطيد العلاقات مع إيران، في خطوة فُسرت على أنها محاولة لخلق توازن إقليمي جديد. ومع وصولهم إلى السلطة، تعمّق هذا التقارب، حيث وجد الطرفان في تحالفهما فرصة لتعزيز نفوذهما في المنطقة. ومع خروج الإخوان من الحكم، حافظت الجماعة على هذا التقارب، ساعية للاستفادة من الدعم الإيراني في محاولات العودة إلى المشهد السياسي
هذه العلاقة بين الإخوان وإيران ليست وليدة اللحظة، بل تمتد جذورها إلى عقود من الزمن، حيث كانت هناك تحالفات غير مباشرة قائمة على تقاطع المصالح بين الطرفين في مواجهتهما للأنظمة الحاكمة في العالم العربي، وتحديدًا تلك المناوئة لإيران أو للإسلام السياسي
التقارب بين إيران وجماعة الإخوان
بعد الثورة الإيرانية عام 1979، بدأ التقارب بين إيران وجماعة الإخوان المسلمين يظهر بشكل واضح مبكرًا ، ففي عهد حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان، ظهرت محاولات للتقريب حثيثة بين السنة والشيعة. فكان “البنا” يرى في الوحدة الإسلامية هدفًا مشتركًا يمكن أن يجمع المسلمين بغض النظر عن مذاهبهم، وقد ساهم في تأسيس “دار التقريب بين المذاهب الإسلامية” في أربعينيات القرن الماضي، بهدف سد الفجوة بين السنة والشيعة لخدمة ما سمى الإسلام السياسي
لمّا قامت الثورة الإيرانية، وجدت جماعة الإخوان في هذا الحدث مصدر إلهام. فنجاح الشعب الإيراني بقيادة “الخميني” في الإطاحة بنظام الشاه، الذي كان يحظى بدعم غربي قوي، كان بالنسبة للإخوان نموذجًا عمليًا على ما يمكن أن يحققه الإسلام السياسية. خاصة والإخوان كانوا يسعون إلى إقامة دولة إسلامية مشابهة . الثورة الإيرانية أظهرت أن الإسلام السياسي يمكن أن يحقق نجاحًا عمليًا في مواجهة الأنظمة الاستبدادية ـ حسب رؤيتهم ـ، ما دفع الإخوان للإشادة بهذه الثورة علنًا، وفي أعقاب نجاح الثورة، بدأت تظهر لقاءات واتصالات بين قادة الثورة الإيرانية وممثلي جماعة الإخوان، إذ كان الطرفان يشتركان في بعض الأهداف منها الحكم الإسلامية
ما بعد سقوط الإخوان
خلال فترة حكم الإخوان المسلمين، كان التقارب مع إيران واضحًا ومعلنًا، حيث سعت الجماعة إلى تعزيز علاقتها مع النظام الإيراني لتحقيق توازن في علاقاتها الإقليمية. وبعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي في 2013، لم يكن هذا التقارب جديدًا، بل استمر بشكل غير رسمي، حيث وجدت الجماعة في إيران حليفًا محتملاً يمكن أن يدعم أهدافها المشتركة في مواجهة الأنظمة التي تعارضهما.
خاصة وأن المنطقة كانت تشهد تحولات سياسية كبيرة، وبرزت ملفات معقدة مثل الأوضاع في سوريا واليمن التي امتدت مليشيات طهران فيها، وقد وجدت لتقرب من الإخوان في تلك الفترة سبيل لتواجدها في مصر. ففي 2014، كشف عن لقاءات سرية نشرتها نيويورك تايمز جمعت بين ممثلي جماعة الإخوان وقادة إيرانيين في تركيا، وكان الهدف من هذه اللقاءات بحث سبل التعاون في ظل التطورات الإقليمية، وبخاصة الصراع السوري، حيث كان كلا الطرفين يدعم أطرافًا مختلفة. الإخوان كانوا يدعمون المعارضة السورية، بينما إيران تدعم النظام السوري، وهو ما كان يمثل عائقًا أمام توطيد العلاقة بشكل أكبر.
ورغم أن التقارب استمر لفترة، إلا أن هناك عقبات كبيرة كانت دائمًا تحول دون قيام تحالف استراتيجي بين إيران والإخوان، منها الفوارق المذهبية بين السنة والشيعة كانت واحدة من هذه العقبات. إضافة إلى ذلك، كانت إيران تلعب دورًا محوريًا في دعم حلفاء ضد مصالح الدول السُنية الرئيسية في المنطقة، مثل السعودية، وهو ما وضع الإخوان في موقف حساس؛ فالتحالف مع إيران كان قد يفسر على أنه موقف معادٍ للسعودية، وهو ما كانت جماعة الإخوان تحاول تجنبه.
حماس وتبدل الولاءات
بعد الإطاحة بمحمد مرسي والجماعة ككل من سُدة الحكم، بدأت “حماس” في إعادة النظر في تحالفاتها الإقليمية، فشرعت في التواصل مع إيران وحزب الله لتسوية الخلافات التي نشأت عن موقفها من الأزمة السورية، وأشارت تقارير إلى أن حماس بدأت في إجراء اتصالات مع هذه الجهات لتعويض “الخسارة”، التي لحقت بها نتيجة سقوط الإخوان في مصر، حيث باتت معزولة سياسيًا واقتصاديًا بعد تدهور علاقتها مع مصر الجديدة، وإغلاق معبر رفح وتدمير الأنفاق، التي كانت سبب زعزعة الاستقرار وانتشار الإرهاب في سيناء.
في خضم هذه التطورات، حاولت حماس العودة إلى تحالفاتها القديمة مع إيران وحزب الله، في الوقت الذي ظلت فيه تعتمد على قطر وتركيا كمحورين أساسيين لدعمها السياسي والاقتصادي
هكذا وعلى الرغم من التوترات الحاصلة بين حماس وإيران بسبب تعقيدات الأوضاع في سوريا؛ حدث تقارب شديد بين إيران وحركة حماس التي تُعَد امتدادًا لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، إذ استندت حماس منذ تأسيسها إلى فكر الإخوان المسلمين، وكانت جزءًا من مشروعهم العالمي، لكنّها ركزت بشكل رئيسي على القضية الفلسطينية.
بناء عن هذا التقارب باتت إيران تقدم دعمها لحماس، حيث حصلت الحركة على تدريبات وأسلحة ومعلومات استخباراتية من إيران، ما مكنها من تنفيذ عمليات عسكرية ضد إسرائيل. ويعتقد أن إيران كانت تمول وتسليح وتدريب حماس منذ سنوات، فبعد التقارب الملحوظ بينهما أعلنت حركة حماس رسميًا، في الأول من مايو 2017، فك ارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين من خلال وثيقة سياسية جديدة من 42 بندًا، والتي نُشرت على موقعها الإلكتروني
تضمنت الوثيقة عدة نقاط مهمة إذ تعيد تعريف “حماس” كحركة تحرر ومقاومة وطنية فلسطينية بمرجعية إسلامية، بهدف تحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني، لكنها لم تذكر أي ارتباط مباشر بالإخوان المسلمين كما كان الحال في ميثاقها سنة 1988. ضف على ما سبق إن التقارب مع إيران على أرضية العداء مع إسرائيل يعني بضرورة الحال التقارب مع حزب الله، ذراع إيران في لبنان، ما يُفسر لما سارع الحزب بالتدخل في هجمات أكتوبر 2023.
الدور الإيراني في هجوم أكتوبر 2023
مع تصاعد التوترات الإقليمية، ظهرت تقارير تفيد بتورط إيران في تدريب حماس وتقديم الدعم اللوجستي لها في تنفيذ هجومها الكبير ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023. ونقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مصدر من حماس قوله إن “الحرس الثوري الإيراني” أعطى الضوء الأخضر للهجوم خلال اجتماع في بيروت.
ومع ذلك، نفت إيران ضلوعها المباشر في التخطيط للهجوم، لكن في 8 أكتوبر 2023، بعد يوم واحد من بدء عملية طوفان الأقصى في غزة، أطلق حزب الله اللبناني صواريخ موجهة وقذائف مدفعية باتجاه المواقع الإسرائيلية المحتلة في مزارع شبعا، دعمًا للمقاومة في غزة وفقًا لتصريحات الحزب.
وردت إسرائيل بقصف الأراضي اللبنانية، ما أدى إلى تصاعد الاشتباكات اليومية على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية. واستمرت المناوشات لشهور، مقتصرة على منطقة حدودية ضيقة (تتراوح بين 5 و10 كيلومترات على كلا الجانبين)، وفقًا لقواعد الاشتباك المتفق عليها ضمنيًا.
لاحقًا، تطورت الاستهدافات لتشمل غارات إسرائيلية وصلت إلى مناطق مثل بعلبك وبيروت والنبطية، وضواحي صور وصيدا، في حين استهدفت صواريخ حزب الله الداخل الإسرائيلي، بما في ذلك مناطق صفد وقاعدة ميرون وكريات شمونة والجولان، ما شكّل أكبر تصعيد بين الطرفين منذ حرب لبنان 2006.
هذا وشملت المناوشات المتواصلة عمليات اغتيال، تدمير منازل، قصف آليات، وإسقاط طائرات مسيرة، بالإضافة إلى محاولتين فاشلتين لتوغل بري من الجانب الإسرائيلي.
عملية البيجر
في سبتمبر 2024، تصاعد التوتر بشكل ملحوظ بعد انفجار أجهزة النداء “البيجر” الخاصة بكوادر حزب الله داخل لبنان، هذا وأدت الغارات الإسرائيلية إلى سقوط أكبر عدد من الضحايا في لبنان منذ بدء الصراع، حيث استشهد ما لا يقل عن 558 شخصًا وأصيب أكثر من 1835، بينهم نساء وأطفال ومسعفون.
وفي 27 سبتمبر، استهدفت القوات الجوية الإسرائيلية مقر القيادة المركزية لحزب الله في بيروت، ما أسفر عن استشهاد زعيم الحزب حسن نصر الله وعدد من القادة الآخرين. وفي 1 أكتوبر، أعلن الجيش الإسرائيلي عن بدء غزو لجنوب لبنان، مشيرًا إلى أنه كان ينفذ غارات سرية محدودة في لبنان منذ عدة أشهر.
إذًا لا يمكن إغفال الدور المحوري الذي لعبته إيران في تدمير سوريا من خلال دعمها لنظام الأسد، وكذلك في تحالفاتها الاستراتيجية مع حركة حماس، التي كانت أحد العوامل المؤدية إلى هجمات أكتوبر 2023.
في لبنان، تظل إيران الفاعل الأساسي عبر ذراعها العسكري حزب الله، الذي فرض تدخلاته على المشهد السياسي والأمني، ما أدى إلى إرباك الوضع الداخلي وتهجير الآلاف من اللبنانيين. هذا غير دعمها لجماعة الحوثي في اليمن وغيرها في بلدان أخرى.
فهل بإطاحتنا بالإخوان في منتصف 2013، وعن دون قصد، أنقذنا أنفسنا من مصير مشابه، يجمع الانهيار الاقتصادي وعدم الاستقرار الأمني والمجتمعي؟
اقرأ أيضاً: من التحالف الاستخبراتي إلى العداء العلني..عن تطور العلاقات المتقلبة بين إيران وإسرائيل
الكاتب
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال