ابن رحيل النبي بين الإنجيل والقرآن
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
القصص في الإنجيل والقرآن واحده أو مكملة لبعضها البعض على افتراض أن المصدر واحد وهو الله وإن اختلفت؛ فالاختلاف ليس اختلافًا جوهريًا، ويُلاحظ في الكتاب المقدس أن القصص الواردة فيه أكثر تفصيلًا كونه يعتمد على الحكي والاسترسال في المقام الأول، خلاف القرآن الذي يعتمد في السرد على الاختصار الدقيق مراعاة لسهولة حفظه ووضوح أحكامه لذا هناك تفاصيل لا نجدها في القران ونجدها في الأناجيل ومنها ما ورد في قصة ابن رحيل كما جاءت في المسيحية وقصة يُوسُف كما جاءت في القرآن فكلاهما واحد على اختلاف المسمى.
ابن رحيل في الإنجيل
تبدأ قصة النبي يُوسُف عليه السلام من العدد 22 في الإصحاح 30 من سفر التكوين من قوله:وذكر الله راحيل وسمع لها الله وفتح رحمها، فحبلت وولدت ابنا فقالت : “قد نزع الله عاري” ودعت اسمه” يُوسُف” قائلة :” يزيدني الرب ابنًا آخر “.
في بداية قصة نبي الله يُوسُف الصديق في الإنجيل ورد ذكر أمه “رحيل” هذا الاسم لم يذكر في القرآن الكريم لاسيما سور يُوسُف السورة التي هي من أعظم القصص القرآني، بالإضافة إلى تفصيلة أخرى مهمة وهي أن النبي يُوسُف كان له أخ شقيق من أمه رحيل بنت لابان غير باقي إخوته، ويدعى بنيامين وهو الابن الثاني عشر لنبيه يعقوب.
ومن الإصحاح الـ31 في سفر التكوين إلى الإصحاح 39 جاء فيها نِعَم الرب على آباء يُوسُف؛” إبراهيم وإسحاق ويعقوب تفصيلًا لا إجمالًا بحيث يستطيع القارئ حينها أن يعلم تفاصيل لم ترد في القرآن الكريم تلك التفاصيل التي تعطي للإنجيل مفهوم الحكي المطلق الذي يعتمد على السرد الدقيق بحيث إذا قرأته تشعر وكأنك تقرأ رواية بمفهوم العصر الحالي.
وفي الإصحاح الـ 39 جاء ذكر اسم الرجل الذي اشتراه وجاء به إلى مصر” وَأَمَّا يُوسُفُ فَأُنْزِلَ إِلَى مِصْرَ، وَاشْتَرَاهُ فُوطِيفَارُ خَصِيُّ فِرْعَوْنَ رَئِيسُ الشُّرَطِ، رَجُلٌ مِصْرِيٌّ، مِنْ يَدِ الإِسْمَاعِيلِيِّينَ الَّذِينَ أَنْزَلُوهُ إِلَى هُنَاكَ”، نلاحظ في هذا أن الرجل الذي اشتراه يدعى فوطيفار وهو من الإسماعيليين.
تنتهي قصة ابن رحيل عليه السلام بنهاية الإصحاح 50 سفر التكوين عند العدد 26 وعند قوله: ثُمَّ مَاتَ يُوسُفُ وَهُوَ ابْنُ مِئَةٍ وَعَشَرِ سِنِينَ، فَحَنَّطُوهُ وَوُضِعَ فِي تَابُوتٍ فِي مِصْرَ”، نلاحظ أيضًا أن وفاة يُوسُف الصديق في عمر 110 سنة ثم دفن بمقتضى التقليد المصري، ويقال أن النبي يُوسُف نقلت رفاته بعد ذلك إلى أرض كنعان.
ابن رحيل في القرآن الكريم
قصة يُوسُف من أعظم القصص القرآني فقال الله في مفتتح السورة” نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ” فمن ناحية أحسن القصص فقد جاءت مفصله بشكل بليغ وموجز في سردها الذي اعتمد على عتبات أي مقدمات وخاتمة بالإضافة إلى أحداث وصراعات تجذبك إلى نهاية السورة الكريمة ثم أن هناك تعليقًا سماويا على تلك الأحداث المتعاقبة في هذه السورة القرآنية.
القصة في القرآن الكريم بدأت من قول يُوسُف لأبيه” يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ” لم يرد في النص القرآني ما ورد في الإنجيل من قصة زواج أمه راحيل من أبيه يعقوب أولا ولم يذكر معاناة نبيه يعقوب في هذا المقام وإنما القصة جاءت أكثر كثافة عن نبيه يُوسُف فقط، وهي القصة التي جاءت فيها سورة كاملة في القرآن الكريم لعظمها من ناحية ومن ناحية أخرى تكريمًا لصبر ابن رحيل تجاه أذى إخوته.
ومع القصة القرآنية التي روت مراحل حياة الصدّيق منذ أن رأى الحلم إلى أن جاء إخوته بدم كذب ليوهموا أباهم أن الذئب قد أكله “قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ، وَجَاؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ” ثم طريقة خروجه من أرض كنعان إلى مصر عن طريق قافلة للتجارة” وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ،” وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ.
ثم ينتقل يُوسُف إلى مصر ومن شاب يافع دخل السجن بسبب جريمة لم يفعلها إلى عزيز مصر ووزيرها الأعظم الذي أنقذها وأنقذ العالم حينها من مجاعة محققة “قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ، وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ” ثم تنتقل بنا السورة الكريمة إلى فك عقدة الأحداث حينما جاء أخوته إلى مصر ليأخذوا الغلال التي تسد جوعهم وجوع أبنائهم، فيتعرف إليهم ثم يطلب منهم ملاقاة أخوه الشقيق إلى أن تنتهي بدخول يعقوب وأبنائه مصر والاستقرار فيها “لَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ، قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ، قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنَّ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ”.
النبي يُوسُف في القرآن وابن راحيل في العهد القديم هو من ذرية إبراهيم عليه السلام وهو من الأنبياء القلائل التي وردت قصتهم تفصيلًا في الكتب السماوية بالإضافة إلى التوافق في المعلومات الواردة في الأحداث الرئيسية للقصة وكان الاختلاف في المعلومات الغير مهمة التي لا تؤثر على مجريات القصة طِبْقاً لـِ ما ذكرنا.
الكاتب
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال