قتلني عذاب الضمير..اعترافات قارئة الكف ؟
في عمارة أندروز بميدان الملك جورج بإنجلترا تجلس أقدر قارئة للكف، فذهبت إليها مجلة “مجازين دايجست” لتنال منها بعض الاعترافات عن سر المهنة.
قالت لقد أتت في حقبة من العمر اتخذت فيها “قراءة الكف” صناعة أكسب منها عيشي، فبعد أن أتممت مرحلة التعليم الثانوي، اضطرتني ظروفي الخاصة إلى الانقطاع عن التعليم، وظللت أشهرًا ابحث بغير جدوى عن عمل أعيش منه، وكنت للضيق الشديد الذي انتابني في وقتها، أتقدم لأي وظيفة اقرأ عنها، ولو لم تتفق ومؤهلاتي، بل ولو لم أكن أصلح لها مطلقًا.
واعترفت أنها ذات يوم قرأت في إحدى الصحف إعلانا يطلب امرأة مثقفة في منتصف العمر تجيد قيادة السيارات، لوظيفة تقتضي السفر إلى بلدان نائية، ولم تكن تعرف شيئًا عن قيادة السيارات، فقدمت طلبًا لكي تلتحق بالوظيفة، وفي مرة أخرى قرأت إعلانا عن وظريفة “مدلكة” فلم تحجم عن التقدم لها مع أنها لم تكن تعرف شيئًا عن مهنة التدليك. وكان أمرا طبيعيا ألا تحظى بأي من الوظيفتين.
وبعدها في يوم آخر قرأت إعلانًا في إحدى الصحف، وكانت وظيفة قارئة كف يشترط أن تكون ذات خبرة سابقة ممتازة لكي تعمل في مؤسسة كبيرة بالمرتب الذي تريده، وتقدمت للوظيفة ووصفت بإسهاب براعتها في قراءة الكف، وطلب مرتبًا لا بأس به.
وحدد لها مدير المؤسسة موعدًا للمقابلة في نفس اليوم، فلبست قبعة قديمة توحي بأنها من قارئات الكف، واستقبلها المدير استقبالًا، وقال لها انهم لاحظوا في الأيام الأخيرة قلة الإقبال على المؤسسة رغم رخص بضائعها وجودة إنتاجها، فقرروا أن يلحقوا بها احدى قارئات الكف الممتازات، لتقوم للمشترين بقراءة أكفهم مجانًا.
وتم قبولها واتفقا على أن تأتي في اليوم التالي لتباشر عملها، وخرجت من المكتب لتجد نفسها في مأزق حرج، فهي ليست لديها أي فكرة عن قراءة الكف؟ وماذا يكون موقفها لو اكتشف المدير أمرها؟
لكنها استعدت للوظيفة واعدت ثوبًا يليق بمقام الوظيفة التي لا تدري عنها شيئًا، فأعدت بلوزة سوداء وشريطًا أسود وقرطًا طويلا من ماس صناعي، وتوجهت إلى مكتبة قريبة منها واشترت كتاباً عن فن قراءة الكف، لكنها لم تجد كتباً في هذا الفن فاشترت مجلة كان قد نشرت مقالًا عن فن الكف.
وذهبت في اليوم التالي لمقر العمل في حجرة فسيحة بمقر الشركة، ووقف أمامها رجل يريد قراءة الكف، فقال لها: أي يد تريدين.. اليسرى أم اليمنى؟ فسكتت وقالت: أعطني يدك اليمني فمد الرجل يده ولم تميز فيها شيئًا مما قرأته في المقال عن خطوط القلب والرأس وما إليها، وكان لزامًا عليها أن تقول شيئًا بسرعة، فتظاهرت بتدقيق النظر في راحة يده، وقالت بعد أن لمحت آثار جروح في راحة يده، ثم قالت أنت عامل في مصنع للأسمنت وقد أصبت بحادث في المدة الأخيرة، فأشرقت أسارير وجهه وقال: نعم.. هذا صحيح.
ومضت الأيام ورسخت قدماها في الصناعة، وتعلمت أشياء كثيرة، فأصبحت تدرك انه لا خوف من القول لأية امرأة: أن خطوط يدك تدل على امرأة أخرى تغار منك وتعمل في السر ضدك. فهذا قول صحيح يصدف في كل الأحوال، وهو إلى ذلك افتتاح طيب للحديث مع النساء، أو لاستدراجهن حتى يظهرن ما يضمرن.
كما عرفت كيف تراقب كل صغيرة وكبيرة في ملابس الزبون وحركاته وتعبيرات وجهه وطريقة حديثه، وكانت تتظاهر بدراسة اليد بعد أن تكون قد درست كل شيء في الرجل أو السيدة في دقيقة أو دقيقتين واستخلصت خلقه وطباعه وفلسفته، ثم تبدأ في الحديث بكل ثقة.
ولم تمض بعضة أشهر حتى أصبحت معروفة في جميع أنحاء الولاية، وأصبح الناس يتحدثون عن تنبؤاتي الصحيحة لهم، ومقدرتي التي لا تعدلها مقدرة، وأخذوا يتوافدون على يوميًا في كثرة حفزت أصحاب المؤسسة إلى زيادة مرتبي زيادة كبيرة.
وفي ذروة هذا النجاح، ثار ضميرها ثورة جامحة، فكانت تتراءى أمام ناظريها صور الزبائن الذين قابلتهم خلال اليوم والأقوال الكاذبة التي سردتها لهم، فتدخل في نوبات من الأرق، وتظل هكذا إلى الصباح، فتنهض منهكة الأعصاب، إلى أن تركت تلك الوظيفة وقطعت صلتها بقراءة الكف.