اقتصاد القمة .. كيف يستفيد الغلابة من هذه المباراة؟
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
لم أعرف موعدًا حظى أو سيحظى بأهمية خاصة لدي المواطن المصري بقدر يوم مباراة القمة، تلك الدقائق التي تنفر فيها العروق ، وتُكسر فيها زجاجات المياة الغازية أثر العصبية ، ويزخر هواء المدينة بالشتائم والأصوات الخارجة عن المألوف ، حين تفرد التنافسية أذرعها حتى تغطي جميع أنحاء المحروسة ، ويستعد جمهور الفريق الفائز للتحفيل على المنحوس الخاسر ، الذي يستقبل الحفلة ويحاول ترويضها لكنه غالبًا ما يفشل ، فلا يفل القمة إلا قمة مثلها ، خليط الشماتة والاحتدام وكرة القدم الحقيقية التي يعرفها الرجال .
لهذه المباراة تحديدًا جوانب عديدة بعيدًا عن المستطيل الأخضر ، أبرزها الجانب النفسي الذي يؤثر إما سلبًا أو إيجابًا على نصف العدد ، ناهيك عن الجوانب بعيدة المدى بزيادة شعبية نادي عن آخر، فإن أجريت تجربة وسألت مجموعة من الأهلاوية ونظيرهم من الزملكاوية ستجد معظمهم يخبرونك أن حين كان طفلًا صغيرًا أثار إعجابه هدفًا في مبارة من مباريات القمة ، أو أن أحدهم عجبته تشميسه من لاعب للاعب آخر من تلك المباراة ، فقرر أن ينتمي للنادي صاحب اللقطة المنتصرة ، فتلك المباراة تحديدًا قادرة على صنع حالة من السيولة المرورية لأنه لا يوجد سيارات في الشارع ، وقلة الازدحام لأنه لا يوجد ناس في الشارع ، وصناعة حالة لم يستطيع عمل فني أيًا ما كان صنعها أو التجمع عليها ، إنه سحر الكرة الخارق الذي يغير المزاج ويتلاعب بالقلوب ويزيل الهموم ويزيدها في آن واحد .. فالنادي عند الرجل جزءًا من كيانه .
هناك جانب آخر ، لابد وأنه يهم كثيرين ممن كانت القمة بالنسبة لهم موسم بيع ومكسب وتجارة ، وبالأخص حين كان مسموحًا بحضور أعداد كبيرة من الجماهير في المدرجات ، وهو الجانب الاقتصادي القائم على تلك المباراة ، وهنا دائرة اقتصادية تبدأ من الطابور الطويل الذي تجده قبل المباراة بساعات قليلة ، وهو طابور أمام مقلة اللب والسوداني والمكسرات ، فالقمة تُحب التسالي .. عندك مثلًا اقتصاد العَلَم ، وهي مصانع صغيرة كانت تقوم على عمل أعلام الأهلي والزمالك وتبيعها على جانبي طرق الاستاد ، كما إن مصانع ألعاب الأطفال قليلة الإنتاج كانت تعتبر القمة عيدًا لبيع إنتاج الزمامير التي تشبه الفوفوزيلا لكن بنسختها المضروبة ، عندك مثلًا محلات القهوة والإقبال الكبير على منتجاتها قبل القمة بدقائق ، كما إن في هذا اليوم تحديدًا يحدث رواجًا في العمل مع صنايعية الدش ، ومحلات صيانة الرسيفر الصغيرة في الحارات ، ذلك لأن هناك كثيرون مازلوا يختفظون بالفلكلور الشعبي في المشاهدة الجماعية أمام المنازل ، ولا ينقطع الرزق أيضًا عن رسامين الأوجه والكفوف بالدهانات والذين ينتظرون تلك اللحظة لرسم علمي الأهلي والزمالك .. حتى إن كثير من عمال الملاعب يسترزقون في هذا اليوم بسبب وعود اللاعبين لعهم بـ (الحلاوة) ساعة الانتصار .. هي حقًا ليست مباراة .. إنها حالة .
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال