الأديان الإبراهيمية ومعضلة الذبيح
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
تقول الأسطورة أن هناك رجل يدعى إبرام أو إبراهيم عاش في منطقة الشرق الأوسط قبل الميلاد بقرون كثيرة، تنقل إبرام/إبراهيم بين الهلال الخصيب ووادي النيل وتزوج من كل أرض امرأة، من الشام تزوج سارة/ساراى ومن وادي النيل تزوج هاجر، ومن كل زوجة أنجب ولد.. تعلم ختان من أهل وادي النيل فختن نفسه وجعلها عادة مقدسة في نسله، انقسم نسله لفريقين كل فريق يعود لولد من الولدين.. وكل قوم منهما يتشيع ضد الفريق الأخر وأحد أهم نقاط الخلاف بينهما من فيهما أحفاد الذبيح.
إيه ده.. هو أنا ماقولتش إن الحكاية فيها دبح؟.. آسف يا جماعة تعالوا نحكي حكاية الدبح.
اتفق أحفاد الولدين (إسحاق – يعقوب) أن الأب إبرام/إبراهيم نام فحلم (خير اللهم اجعله خير) إنه بيدبح عيل من عياله، وتكرر الحلم أكثر من مرة.. فاعتبره إبرام/إبراهيم رسالة من السماء يجب أن ينفذها. لحد هنا والفريقين متفقين تبدء الخلافات من بعد قرار الأب بتصديق الرؤية/الحلم.
مدعو نسب إسماعيل ومن والاهم متأكدين أن إبراهيم سحب سكينته وذهب لإبنه (إسماعيل) يخبره بما رآى وما استنتج.. فجاء رد فعل الأبن منافي للطبيعة الإنسانية ومتسق مع الإعجاز الديني في الروايات التراثية حيث وافق أبوه طوعًا واستسلم أن يُذبَح تحقيقًا لرؤية الأب، وهي الرواية اللي ذكرت في سورة الصافات من الآية 99 إلى الآية 113: “وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَاۚإِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ * كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ * وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰ إِسْحَاقَ ۚ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ”.
اقرأ أيضًا
“عبدالقدوس اليهودي خادم النبي” الحقيقة والأكذوبة في قصة اليهودي المؤذي للرسول
وهنا لم يرد ذكر للابن الذبيح.. لكن ورد ذكر المكافأة وهي التبشير “بإسحاق نبيًا من الصالحين”، فتبقى المعضلة هل البشارة بميلاد إسحاق ونبوته.. يعني لسه ماتولدش وإسماعيل هو الذبيح؟ ولا البشارة بنبوة إسحاق فقط.. فيبقى نوع من التكريم للولد المؤمن بربه والمطيع لسلطة أبيه؟.
على الجانب الأخر يرى مدعو نسب إسحاق ومن والاهم أن جدهم الأفتراضي هو الذبيح، مستندين في ذلك لنص الآية الثانية من الأصحاح 22 لسفر التكوين والتي تقول ترجمتها بالعربية:
«خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، الَّذِي تُحِبُّهُ، إِسْحَاقَ، وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا، وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِي أَقُولُ لَكَ». ويمكن مراجعة الإصحاح بالكامل من هنا (إصحاح 22 – سفر التكوين)
من هذا النص والسياق نجد أن إبرام لم يخبر ولده بقرار ذبحه بل غَفَّلُه وجرجره لمكان الذبح على غير علمه، ما يظهر في نص الآية السابعة من الإصحاح نفسه:
وَكَلَّمَ إِسْحَاقُ إِبْرَاهِيمَ أَبِاهُ وَقَالَ: «يَا أَبِي!». فَقَالَ: «هأَنَذَا يَا ابْنِي». فَقَالَ: «هُوَذَا النَّارُ وَالْحَطَبُ، وَلكِنْ أَيْنَ الْخَرُوفُ لِلْمُحْرَقَةِ؟».
لكننا نجد الذكر الصريح لاسم الذبيح.. إسحاق، بس يفضل فيه تضاد أو عوار غير مفهوم، فبنص الكتابين التوراتي والقرآني إسماعيل أكبر من إسحاق، بالتالي حين يقول الرب لنبيه (خذ ابنك “وحيدك”) يبقى منطقي الكلام عن إسماعيل لأن إسحاق ماجتش عليه لحظة يكون وحيده.
هذا بالضبط ما يتمسك به المسلمون لإثبات خطأ الكتاب المقدس وصحة أن الذبيح هو إسماعيل. أما المؤمنين بالكتاب المقدس (يهود-مسيحيين) وأن الذبيح هو إسحاق فيردون بالتشكيك في بنوة إسماعيل أصلًا.. مش تشكيك نسب لا سمح الله.. إنما يشيرون لكونه ابن جارية “هاجر” بالتالي لا يعد ابن رسمي، وآخرون منهم يقولون أن الرواية وقعت بعد أن ألقى إبرام بزوجته هاجر وولدها في الصحراء بالتالي لم يعد له ولد إلا إسحاق.
مما سبق يبدو لي أن رواية المسلمين أصح لكن يخالفني في هذا الرأي اسماء كبيرة في التراث الإسلامي مثل عبد الله بن عمر والطبري وغيرهما.
الملفت أن يبقى الخلاف حول هذه القضية قائم بعد الميلاد بأكتر من 20 قرن. وهي واقعة غير مثبتة تاريخيًا أصلًا، ومع ذلك لها يؤمن بها مليارات البشر كتير منهم مستعدين للموت في سبيل إجبار جميع الناس على الإيمان بصحتها أو بصحة وجهة نظرهم في اسم الذبيح، ينفقون أرقام فلكية في سبيل النصر في هذه المعاركة الإيمانية، بس في نفس الوقت مابيقدموش أي مجهود يذكر لإثبات صحة الرواية تاريخيًا…. ياترى ليه؟!
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال