“ألو القاهرة .. معاك يا إسكندرية” قصة أول تجربة لوضع الأسلاك التليفونية تحت الأرض
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
أحدث ظهور التلفون لأول مرة في مصر طفرةً كبيرةً داخل القاهرة، لكن كان ربط العاصمة مع الإسكندرية تحديًا كبيرًا خاصةً مع تمصير التليفون.
كيف ظهر التليفون في مصر ؟
نواة تاريخ التليفون في مصر يبدأ بحصول مواطن أمريكي على ترخيص إقامة خط يربط بين القاهرة والإسكندرية في 26 يناير سنة 1881م، ومع إبريل من نفس العام تأسست شركة التليفون الشرقية (ليمتد) برعاية إنجليزية وذلك في عهد الخديوي توفيق.
مع مطلع العام 1918م انتهت مدة امتياز الشركة لتصبح مصلحة حكومية مصرية، ونجحت مصر في الفترة من عام 1923م حتى 1928م في تأسيس مكاتب تليفونية داخل 30 مدينة جديدة وأكشاك تلفونية بلغ عددها 202كشك، ووصل طول أسلاك التليفون في مصر إلى 300 ألف كم تخدم 50 ألف تليفون داخل القاهرة والتي قسمت مناطقها التلفونية إلى 9 مناطق هي «منطقة باب الحديد، البستان في وسط القاهرة، العتبة، حلوان، المعادي، الأهرام، الزيتون، قليوب، القناطر»؛ بإجمالي 6675 مشترك.[1]
مد الأسلاك التليفونية تحت الأرض بين القاهرة والإسكندرية
في أغسطس سنة 1929م بدأ مشروع مد التليفون بين القاهرة والإسكندرية والذي نفذته مصلحة التليفونات المصرية وشركة بيير لي جنرال بموجب اتفاقية تعاقد بينهما على مد الأسلاك التليفونية تحت الأرض بين العاصمة وعروس البحر المتوسط نظير 187 ألف جنيه، وأشرف على المشروع المهندس عبدالمجيد الحناوي.
ذهب محرر مجلة الدنيا المصورة إلى بنها ليلتقي المهندس عبدالمجيد الحناوي ليستفسر منه عن ذلك المشروع، فسأله: هل تتناسب فائدة هذا المشروع مع ضخامة تكاليفه ؟؛ ليجيب الحناوي «يعتبر هذا المشروع من أهم المشاريع التي قامت بها مصلحة التليفونات منذ إنشاءها نظرًا الكثرة تكاليفه وطول المسافة التي يقطعها، فهو أطول خط أسلاك تليفونية تمتد تحت الأرض في القارة الإفريقية، وستبلغ تكاليفه حوالي ربع مليون من الجنيهات، والذي دعا إلى القيام بهذا المشروع هو الحاجة إلى إيجاد خطوط تليفونية كافية بين عاصمتي الدولة اللتين هما أهم مراكزها التجارية والاجتماعية.
اقرأ أيضًا
كراهية المدير قادته إلى السجن بالأشغال الشاقة “كوميديا سوداء حدثت سنة 1949”
كان من أبرز المآخذ على المشروع هو عدم زيادة الخطوط الممتدة على الأعمدة العادية بدلاً من مدها تحت الأرض، وذلك بسبب التكلفة، لكن المبرر الذي قدمته مصلحة التلفونات هو أن الأعمدة في العادة لها سعة محددة لا تتحمل أكثر من عدد معين من الأسلاك، أما الأسلاك التي تحت الأرض فيمكن وضع أي عدد منها، وكذلك فإن الأسلاك الموضوعة فوق الأعمة عرض للتأثيرات الجوية والعطب فلا تكون المحادثات بواسطتها مضمونة الوضوع دائمًا، فضلاً عن أن تكاليف الصيانة للأسلاك التي فوق الأعمدة كثيرة جدًا وهذا بعكس العمل تحت الأرض.
كانت مسؤولية الشركة الإنجليزية تصنيع الأسلاك والآلات اللازمة في انجلترا، مع توفير 20 مهندس وعامل لحام، بينما مسؤولية مصلحة التلفونات المصرية في المشروع مراقبة أعمال الشركة الإنجليزية وتجربة كل الأجزاء التي تصنعها الشركة طبقًا للمواصفات؛ وحفر الخنادق اللازمة على عمق متر تحت الأرض.
سُئِل مستر بروت مدير أعمال الشركة الإنجليزية عن طبيعة عمل المصريين في مشروع مد الأسلاك التليفونية فقال «العمال المصريين في غاية الذكاء الفطري وعلى جانب كبير من الصبر والجَلَد في القيام بمشاق الأعمال، وهم إذا شجعتهم بكلماتٍ طيبة وتركت لهم الحرية الشاملة في عملهم فإنهم ينهضون بعبء العمل الثقيل دون تذمر أو ملل، لكنك إذا أمرتهم بأمر جاف وحاولت إرغامهم على أمر من الأمور فإنهم يكونون في غاية المكر».[2]
نجحت تجربة مد الأسلاك التلفونية بين القاهرة والإسكندرية وانتهى العمل فيها آخر فبراير سنة 1930م، لكنها خضعت لاحقًا لسلسلة من التعديلات والإصلاحات وأعمال التطوير.
[1] محرر، التلفون .. نظامه وتقدمه في مصر، مجلة مصر الحديثة المصورة، عدد إبريل ومايو 1928م، ص4
[2] محرر، أكبر مشروع تليفوني في القارة الأفريقية، مجلة الدنيا المصورة، ع18، 18 سبتمبر 1929م، ص4.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال