الأكاديميات الرياضية .. احترس حلم كرة القدم قد يتحول لفخ

إذا كنت تبحث عن أكاديمية كرة قدم لابنك أو اخيك فاحذر، حيث أن الأكاديميات الرياضية أصبحت تستخدم في عمليات النصب، الحل يتحول إلى أزمة (النعمة تتحول إلى نقمة)، هذا ما حدث مع الأكاديميات الرياضية التي ظهرت لتكتشف اللاعبين الموهوبين لتدعم بهم صفوف المنتخب المصري، ولكن اُستخدمت بشكل معاكس ليهتم البعض بالربح دون الالتفات إلى المواهب وركز البعض الآخر على النصب من خلالها، وذلك ما سنستعرضه اليوم في تحقيقنا.

 النصب بأسماء الأندية

تنوعت وسائل النصب ولكنها اتفقت على استغلال آمال وأحلام الأهالي في التحاق أبنائهم بقطاع الناشئين للأندية الكبيرة بمصر، من خلال قيام الأكاديميات الرياضية غير المرخصة باستغلال اسم ناد كبير، أو اسم لاعب شهير لتطلقه على نفسها كوسيلة من وسائل الجذب إليها، ومن ثم تحصل على مبالغ مالية من الأهالي بحجة ضم أبنائهم لقطاع الناشئين في فرق الدوري الممتاز، وتم استخدام ذلك الأسلوب عدة مرات منهم:

• بلاغات ومحاضر ضد الإسماعيلي

النصب باسم النادي الإسماعيلي، حيث تم الإعلان عن اختبارات في النادي في أغسطس ٢٠٢٣، للالتحاق بقطاع الناشئين، برسوم استمارة قيمتها ١٥٠ جنيهًا، واستمرت الاختبارات لعدة أيام وتم تحديد يوم ١٥ سبتمبر للالتحاق بقطاع الناشئين للنادي، ولكن تفاجأ أولياء الأمور بمقابلة كابتن جمال الحلوس، لهم وإبلاغهم أنه تم انضمام أطفالهم لأكاديمية النادي وليس قطاع الناشئين، مما أثار غضب أولياء الأمور ووصل الأمر إلى حد المحاضر في أقسام الشرطة.

وبالرجوع إلى إدارة قطاع الناشئين، أوضح “أنه ليس علي علم بما حدث وان الاختبارات التي حدثت ليس لها قيمه لإن لم يكن للنادي إدارة مستقرة… وحفاظا على سمعة وقيمة النادي الإسماعيلي عند تشكيل قطاع الناشئين الجديد سيتم الاتصال بأولياء الأمور وسيتم إعادة تقييم للناشئين المتجاوزين للاختبارات مرة أخرى، ومن يصلح منهم سينضم للناشئين رسمياً”

• ٤٠ ضحية نصب في اختبارات مزارع دينا

وباسم نادي مزارع دينا بالجيزة، جرت عملية نصب أخرى فبعد أن تم الإعلان عن اختبارات للانضمام لقطاع الناشئين والبراعم بالنادي، تم تحصيل ٥٠٠٠ جنيه من كل ولي أمر بإجمالي ٢٠٠ ألف جنيه، وذلك باستخدام اسم لاعب الأهلي السابق مجدي طلبة، والذي أعلن لاحقًا أنه ليس له علاقة بتلك الاختبارات.

ووصلت عمليات النصب إلى مركز شبين الكوم بمحافظة المنوفية، حيث كشف ” أحمد غانم ” مدرب كاراتيه، أنه تم إجراء عمليات نصب في المدارس والقرى المجاورة من قبل مجموعة أشخاص يدعون بأنهم تابعون لمركز شباب البتانون، ويجمعون رسوم الاختبارات مقابل التحاق الأطفال بالفرق الرياضية المختلفة بالمركز.

“شيكا” نصاب محترف

لم تتوقف عمليات النصب عند استخدام اسماء الأندية ولاعبي كرة القدم المشهورين، بل انتشر نوع آخر يعتمد على الطابع الشخصي، مثل الذي رصدناه أثناء عملية الاستقصاء، وهو محمود نايل عبد العزيز الشهير ب “شيكا”، والذي نصب على أكثر من ٨٠٠ لاعب حتى الآن، باستخدام طريقتين، الأولى هي استدراج الأولاد بحجة أنه وكيل لاعبين فيرسل لهم كارنيهات مزورة، وصوره من داخل الملاعب حتى يذهبوا إليه، وفور نزولهم لأرض الملعب يأخذ متعلقاتهم الشخصية ويختفي.

أما الطريقة الثانية، فيتعاقد مع الأكاديميات بحجة أنه مدرب لديه مجموعة شباب يريد أن يدربهم أسبوعيًا، وبعد فترة من التعرف على أولياء الأمور يبدأ بخداعهم بنفس الكارنيهات المزيفة ويطلب منهم مبلغًا ماليًا يأخذ نصفه مقدمًا، والآخر بعد دخول اللاعب إلى النادي المتفق عليه ولكنه فور استلام الفلوس يتغيب عن الحضور وعند تواصلهم معه يطالبهم بالانتظار لفترة من الوقت، ويقطع التواصل معهم نهائيًا وينتقل لضحايا جدد.

النصب يصل إلى دوري الدرجة الرابعة

وانتقل وباء النصب والاحتيال إلى قسم الدرجة الرابعة لتتسع الدائرة، ويوضح اللاعب باسم محمد، أنه تم التواصل معه من قِبل “محمد أحمد” من الجهاز الفني لناد بقسم الدرجة الرابعة، وطلب منه المشاركة مع الفريق الأول للنادي في مقابل مادي، وطلب تحويل المبلغ المالي سريعًا بحجة أن القيد سيغلق بعد ساعات، مع إرسال صورة البطاقة الشخصية وصورة شهادة الميلاد وصورة شخصية، وأوضح أن التدريبات تقام على ملعب نادي الطيران بالتجمع الخامس، وأن الجهاز الفني بحوزته معدًا بدنيًا من النادي الأهلي.

وفي تسجيل صوتي لمحمد أحمد، “كل لاعب بيتكلف ٣٨٠٠ جنيه وأنا مشارك معاكم رغم أني من الجهاز الفني، فأنا دافع حبا في الكورة، وبنطلع اللاعيبة بتاعت الأكاديمية سن ١٨ و ١٩ معانا ولعيبة كبار مستوياتهم عالية، فده المبلغ بالكامل شامل المباريات والتدريبات والملابس ورسوم الاشتراك في اتحاد الكرة واستخراج الكارانيه والشهادة الصحية، ولكن يتم دفع ١٨٠٠ جنيه في البداية والمبلغ المتبقي على قسطين”، وفي النهاية بعد تحويل المبلغ المالي أغلق هاتفه.

ويقع الضرر المادي مرارا وتكرارا على الأهالي الحالمين بتحقيق آمال صغارهم بسبب عمليات النصب المحترفة التي يقعون داخلها، ولكن لم يكن الضرر ماديًا فقط بل مع كل عملية نصب يتحطم طموح لاعب جديد، وذلك ما أكده أولياء الأمور.

“أبني جاله ضربة شمس”

تشكو نادية محمود، والدة أحد اللاعبين، “أبني راح اختبارات نادي المقاولون العرب ذي ما راح زي ما رجع، وأخذوا الفلوس وجاله ضربة شمس، ده جشع الأندية وجمع الأموال على حساب أولادنا اقسم بالله هذا كله ضحك فقط لا غير”

وأكد علي الجزار أحد أولياء الأمور، أن ثمن الاستمارة ١٠٠ جنيه، ويتواجد أكثر من ٢٠٠٠ طفل من أعمار مختلفة، يدخلون الملعب لمدة ٥ دقائق لا ينظر إليهم أحد ويقولون تم اختياركم مرحلة أولى وثانية وثالثة وفي النهاية يرفضونهم ولا يتم اختيار إلا ذوي الواسطة.

الوساطة والمحسوبية تدعم الأكاديميات الوهمية

يقول الكابتن “محيي حسن” المدير الإداري لقطاع الناشئين والبراعم لنادي أسوان الرياضي، أن من أسباب لجوء اللاعبين للأكاديميات الوهمية هو عدم قدرتهم على الحصول على فرصة بالأندية الكبيرة مثل النادي الأهلي، الزمالك، وأنبي، لأنها تقع في مشكلة “الوساطة والمحسوبية” والاستثمار المتخفي مما يسبب مشكلة في قطاع الناشئين، ويجب على النادي الأهلي أن يستغل موارده بشكل صحيح فيخرج الناشئون لأندية أوروبية لاكتساب خبرة كي يعد ناشئين أقوياء، ويستقبل جددًا دون مقابل مادي كبير ليتيح الفرص لمواهب حقيقية للظهور.

إقرأ أيضا

كيف تحصلين على صور فوتوغرافية مثالية؟

وأضاف حسن، أن المستثمرين من أسباب دمار قطاع الناشئين، لأنه في إطار القانون الجديد أصبح من الممكن الاستثمار في قطاع الناشئين، وذلك وضعنا في أزمة “ضياع الناشئين في صالح المستثمر وضد النادي” لأن أغلب المستثمرين فكرهم مقتصر على الأموال فقط، فلا يقبل سوى باللاعبين التي تدفع مبالغ مالية تتراوح بين ٣٠ إلى ٤٠ ألف جنيه بغض النظر عن مستواهم وعن استحقاقهم، في المقابل رفض مواهب كثيرة لأن ليس لديهم أموال كافية لدفعها، وبسبب ذلك الفكر تخسر المنتخبات مواهب عديدة في كل يوم.

وفي الإطار ذاته أشار الكابتن “أحمد السعدني” مدرب حراس مرمى معتمد من الاتحاد المصري لكرة القدم، أن انتشار الواسطة في اختيار المدربين والمسؤولين وصولا للاعبين قد دمر القطاع الرياضي، وأصبح أمام مستقبل مجهول.

تقنين الأكاديميات الرياضية بموسم ٢٠٢٤-٢٠٢٥

وللحد من تفاقم الأزمة تسعى وزارة الشباب والرياضة والاتحاد المصري إلى وقف عمليات النصب وتقنين عمل الأكاديميات الرياضية المختلفة، قرر الاتحاد المصري لكرة القدم بدء تسجيل أكاديميات الكرة اعتبارًا من الموسم ٢٠٢٤-٢٠٢٥، طبقًا للشروط المعلنة للمشاركة في دوري الناشئين لكل من مواليد ٢٠٠٥ حتى ٢٠١١، وذلك مع تصنيف الأكاديميات إلى فئات (A-B-C)، على النحو التالي:

• تشارك الفئة A في مسابقات الجمهورية للشباب (القسم الثاني ب)
• تشارك الفئة B في مسابقات الأفرع.
• تشارك الفئة C في مسابقات الأفرع بعد تقنينها.

وذلك بعدما تقدم النائب طارق عبد الهادي عضو مجلس الشيوخ بمحافظة الدقهلية، في ٣٠ أبريل ٢٠٢٤ باقتراح إلى مجلس الشيوخ، بشأن تعظيم دور وزارة الشباب والرياضة واتحاد الكرة في مراقبة أكاديميات الألعاب المختلفة، وأكاديميات كرة القدم على وجه التحديد، والذي نتج عنه اجتماع لجنة الشباب والرياضة الذى انتهى بالموافقة على تقنين الأكاديميات بداية من موسم ٢٠٢٤-٢٠٢٥.

في ظل غياب الرقابة، انتشرت الأكاديميات غير المرخصة وعمليات النصب، وشوهت صورة كرة القدم المصرية واستنزفت الأهالي ودمرت طموح آلاف اللاعبين، لذا نأمل أن يكون “تقنين الأكاديميات” علاج لذلك الوباء الذي انتشر في كافة أنحاء ومحافظات جمهورية مصر العربية.