رئيس مجلس الادارة: رشا الشامي
رئيس التحرير: أسامة الشاذلي

همتك معانا نعدل الكفة
770   مشاهدة  

الأيدي الناعمة .. تمجيد السفالة بعمل فني

الأيدي الناعمة


عندما اشاهد فيلم “الأيدي الناعمة” اشعر بغصة علي احوال بلادي وأنه اتي ليملأ العقل بقدر لا بأس به من التلوث.
بطل الفيلم هو “شوكت حلمي” – أحمد مظهر –  و الذي تم نهب أمواله لسبب مجهول تحت مسمي التأميم في العصر الإشتراكي البائد..
تجده يتعرض لحملة بشعة من التنمر والمعايرة من كل من حوله بسبب تحوله الي الفقر الشديد الذي كان نتيجة سرقة كل ما يمتلكه، حتي وصل الأمر إلي مصادرة بيته والسماح له بالاقامة فيه فقط كنزيل بدون اي حقوق فلا يمكنه التصرف في ملكه بأي شكل من الأشكال.
وتلاحظ منذ الوهلة الأولي أن شوكت حلمي هو الأكثر تعليما و ثقافة وتحضراً ورقياً وحداثة وأناقة وهو الأكثر إلماما بعدة لغات بطلاقة تامة علي عكس الشخصيات التي توالي ظهورها خلال الأحداث و التي بدت سوقية و مبتذلة إلي حد كبير و التي لم تكف عن التهكم علي شوكت حلمي وتأنقه وارستقراطيته طوال الوقت والتي بسببهاً يوجدون لانفسهم مبراً لاذلاله وانتقاده والتنمر عليه.
مثلا كان شوكت يقوم ببعض الأعمال اليدوية في حديقة منزله مرتديا قفازات يد لتأتي بطلة الفيلم وترمقه بنظرات ازدراء و سخرية وكإنه ارتكب جرماً لايغتفر فتطالبه بخلع القفاز هذا متعلله بأن ثمنه بضعة جنيهات و افترضت بطريقة ألمعية أن هذا المبلغ اهم من حماية يد مالكها.
ذلك المشهد الذي يعكس مدي رقي فكر شوكت الارستقراطي المنشأ وتقديره لقيمة النظافة والحماية الذاتية، وفي المقابل انحطاط فكر بطلة الفيلم التي كانت تقوم بدورها الفنانة صباح وذلك بدلا من أن تقدم القدوة وتنشر قيم الترقي والحداثة فالمجتمع.
فشوكت كان الوحيد بين شخصيات الفيلم الذي يجيد العزف علي البيانو بحيث انه قام بتأليف سيمفونيات كاملة،، لكنها قوبلت بالازدراء والتهكم (عندما قال له المنتج الموسيقي: أن الناس لن يفهموا هذا النوع من الموسيقي قبل مرور عشر سنوات علي الأقل..😳)
وكأن هذا عيبا في شوكت ..
فبدلاً من ارتقاء الفن بالجماهير فكان المطلوب ان تحط الجماهير من قيمة الفن وازدراء قيم التنوير والترقي والحداثة.
كان شوكت حلمي هو الشخص الوحيد بين الشخصيات لديه مكتبة ضخمة بلغات متعددة و كان يعكف علي الاطلاع والتعلم بعكس الشخصيات المحيطة به و التي كان واضحاً ضحالة مستواهم التعليمي والثقافي باستثناء صديقه الحاصل علي الدكتوراه. وحتي هذا لم يسلم من التنكيل والاستهزاء به هو الآخر.
تجد شوكت حلمي هو الشخص الوحيد بينهم الذي كان يحرص علي ممارسة الرياضة بانتظام في الصباح وهو ايضاً الوحيد فيهم الذي كان يملك جسما رياضيا ممشوقا علي عكس باقي الشخصيات سواء من الرجال أو النساء و الذين قد بدت كروشهم متدلية بوضوح و مقاسات ملابسهم غير متناسبة.
و بالرغم من ذلك تم السخرية من التزام شوكت بممارسة الرياضة بطريقة تهكمية ساخرة لاستهجان تلك العادة الصحية لسبب غير مفهوم.😳
كان شوكت حلمي هو الشخص الأكثر أناقة وحرصا علي المظهر اللائق و يظهر ذلك في ذوقه في انتقاء الملابس والألوان الخاصة بكل مناسبة، علي عكس باقي الشخصيات و التي بدت متهرجلة عشوائية وغوغائية للغاية.
أما النقطة الأخطر و التي قامت علي اساسها قصة الفيلم و هي اظهار أن شوكت كان عاطلا عن العمل و اتهموه بأنه “عاطل بالوراثة”.
رغم ان تلك العائلات الثرية التي تمتلك ادوات الانتاج وتديرها من المصانع او مزارع وشركات ومتاجر، كانت تحرص علي تعليم ابنائها أمثال شوكت حلمي علي اعلي مستوي من التعليم لكي يكون قادرا علي حسن إدارة ادوات الإنتاج وحسن تنظيم الموارد الإقتصادية العائلية بمنتهي الكفاءة.
وتنهض الاقتصادات علي اهم واندر عنصر فيها وهو المنظم entrepreneur.
و مصادرة أموال العائلة و ممتلكاتها تعني ببساطة انهيار المؤسسة الإقتصادية التي يرأسها شوكت وامثاله وبالتالي اهدار موارد اقتصادية ناجحة وخسارة الاقتصاد لمواطن قوته.
ثم يتم توجيه الانتقاد لشوكت عن جريمة كان هو ضحيتها ومعايرته الدائمة بالتعطل عن العمل.. فالرجل لم يخسر أمواله في نادي قمار أو اتخذ قرارات مالية خاطئة بل تم انتزاع أملاكه عنه بقوة قاهرة ثم معايرته بعدها بالبطالة من قبل باقي شخصيات الفيلم لتعكس وضاعتهم وتدنيهم وسوء منبتهم.. وكان رد شوكت علي إساءتهم أنهم مجرد “أوباش” ولم يكن افضل من هذا الوصف معبرا عن حالة السفالة العامة التي تسلطت علي جميع شخصيات الفيلم رغم محاولة طمس تلك الحقيقة التي آبت الا وان تخرج من بين السطور لتعلن عن نفسها.
ورغم كل تلك الصعوبات استطاع شوكت أن يستخدم زخم الموروث العلمي والثقافي له من اتقانه لعدة لغات و اناقته ورقيه ليتمكن من عمل تغيير كامل في حياته وينجح في العمل في القطاع السياحي بشكل مبهر بالرغم من تقدمه الواضح في السن، وهي الخطوة التي لا يمكن ان يقدم عليها أياً من شخصيات الفيلم ممن كانوا يداومون علي معايرته والحط من قيم الحداثة والرقي فيه.
فيلم الأيدي الناعمة يمثل حالة عجيبة من الإضطهاد الممنهج من قبل مجموعة من الرعاع مكنتهم الظروف التعيسة من شخص علي مستوي راقي من العلم و الثقافة و التحضر والإبداع..
فدأبوا علي السخرية منه و اذلاله دون رحمة.
فيلم الأيدي الناعمة كارثة بكل المقاييس و سيبقي دليل علي العار و معول من معاول الهدم لكل معاني الترقي والتثقيف والحداثة و كل ما كان جميل في ذلك الزمن.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
4
أحزنني
1
أعجبني
1
أغضبني
2
هاهاها
2
واااو
1


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان