“الإخوان وشتات المنفى” تاريخ من العِنَاد هل سيتغير؟
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
بعد صمتٍ طويل على المبادرة الأخيرة للصلح بين جماعة الإخوان والدولة المصرية، أطل حلمي الجزار رئيس القسم السياسي للجماعة على قناة BBC عبر برنامج بلا قيود، والتي ظهر فيها متناقضًا، بين نفي للمبادرة وتأكيد على أهمية إتمامها، لكنه قال أن التقارب المصري التركي شيء مهم لمصلحة الشعبين، غير أنه كشف أن تركيا وهي تمهد للتقارب مع مصر أرادت تخفيف حدة الإعلام (الإخواني) لكنها لم تغلق القنوات ولم يأتي لها أمر بالإغلاق، مما يشير إلى تطور في شكل ثنائية الإخوان وشتات المنفى.
اقرأ أيضًا
“تكررت من 1942م لـ 2013م وفشلت” لماذا المصالحة بين الدولة والإخوان مستحيلة؟
وقبل أن نستعرض تاريخ الإخوان وشتات المنفى، يقوم موقع الميزان أولاً بتعريف المنفى في تلك الحالة، ومعناه «مغادرة الإخوان لمصر هربًا من الإجراءات القانونية التي ستطالهم بعد أعمالهم، ورغم استقرارهم في الخارج بقيوا مشتتين بفعل التغيرات السياسية عالميًا ومحليًا».
الإخوان وشتات المنفى .. كيف بدأ ؟
أوجدت جماعة الإخوان المسلمين بنيانًا لها في الخارج منذ ثلاثينيات القرن الماضي بتأسيس شعبة لهم في جيبوتي سنة 1933م، وبعد 10 سنوات أنشأ حسن البنا قسمًا في الجماعة أسمها قسم الاتصال بالعالم الإسلامي مكونًا من 4 لجان، الأولى للشرق الأوسط والثانية للشرق الأقصى والثالثة لآسيا والرابعة لأوروبا؛ وكانت تلك الأقسام هي النواة لما بات يُعْرَف باسم التنظيم الدولي للإخوان.
كانت الدولة السعودية الثالثة الناشئة على يد الملك عبدالعزيز والصاعدة لتصدر نفسها راعيةً للعالم الإسلامي، على وفاق مع حسن البنا، ورغم حالة الاستلطاف بين الملك عبدالعزيز وحسن البنا خلال ثلاثينيات القرن الماضي، لكن حدث الشرخ بينهما بعد وقوع أحداث اليمن 1948م والمعروفة إعلاميًا بـ ثورة الدستور، وكانت السعودية ضدها، فبدأت المملكة تتعامل مع حسن البنا بحذر شديد، لدرجة أنه في موسم حج 1367هـ / أكتوبر 1948م اشترطت المملكة على حسن البنا أن لا يتكلم في السياسة ولا يقوم بالخطابة في تجمع حتى تسمح له بأداء الحج.[1]
بالتزامن مع ذلك فإن الجماعة بدأت في تلقي الضربات الأمنية خلال عهد وزارة محمود فهمي النقراشي الثانية (9 ديسمبر 1946م – 28 ديسمبر 1948م)، ثم وزارة إبراهيم عبدالهادي (28 ديسمبر 1948م –25 يوليو 1949م)، ورغم تلك الضربات كان بين الدولة والإخوان موائمات سياسية لم تجعلهم يلجأون لمغادرة مصر في منفى اختياري.
الإخوان وشتات المنفى في عصر جمال عبدالناصر
كانت هناك خلافات بين الإخوان والثورة حول قانون الإصلاح الزراعي (9 سبتمبر 1952م)، وأيضًا خلاف حول بنود اتفاقية الجلاء في نسختها الأولى (27 يوليو 1954م)، وبين الحدثين جرت محاولات للوساطة والتفاهم بين الجماعة والضباط وكان الذي عقدها هو العاهل السعودي الملك سعود أثناء زيارته إلى مصر (20 مارس 1954م).[2]
لم تؤدي وساطة الملك سعود إلى شيء وتفاقمت الخلافات بين الإخوان والضباط الأحرار، وأدت إلى إسقاط الجنسية المصرية عن 5 منهم في 23 سبتمبر 1954م وهم «عبدالحكيم عابدين وسعد الدين الوليلي وسعيد رمضان وكامل الشريف ومحمد نجيب جويفل»[3]، وكان ذلك بتهمة الإساءة إلى سمعة مصر واقتصادياتها والحط من كرامتها ومحاولة إيجاد شقاق بين جمهورية مصر وشقيقاتها العربية، بعد أن أعلن عبدالحكيم عابدين أن عبدالناصر التقى قادة إسرائيليين.
إلى أن وقع الصدام المسلح بين الجماعة ومجلس قيادة الثورة في حادث اغتيال جمال عبدالناصر (26 أكتوبر عام 1954م)، وصدور قرار حل الجماعة بعد 3 أيام، ومن هنا بدأت الجماعة تعرف المنفى.
تعد مذكرات عبدالمنعم عبدالرؤوف ضابط الجيش السابق وأحد قيادات جماعة الإخوان، الأكثر وضوحًا في كشف حال الإخوان في المنفى[4]، وكيف للتغيرات السياسية أن تلعب لعبتها في ذلك؛ فقد غادر مصر سنة 1955م إلى لبنان وقابل عبدالحكيم عابدين وسعيد رمضان وسعد الوليلي وعز الدين إبراهيم.
وهناك كونوا اللجنة الخماسية لبحث مشاكل الإخوان لكن تلك اللجنة فشلت بسبب عدم سيرها على خطة موحدة ووجود تصرفات (لم يفصح عنها عبدالمنعم عبدالرؤوف فقدم استقالته)، لكن مخابرات السفارة المصرية عرفت بوجود هؤلاء في لبنان، فطلبت من الحكومة تسليمهم لكن هذا الطلب لم يتم تنفيذه، وسبب ذلك أن كميل شمعون رئيس لبنان كان يكره جمال عبدالناصر.
من لبنان سافر عبدالمنعم عبدالرؤوف إلى الأردن، وكان طبيعيًا أن يلقى رموز الإخوان هناك ترحيبًا لأن النظام الملكي الأردني (وكذا كل الأنظمة الملكية في ذلك الوقت) كانت تمقت النظام المصري وجمال عبدالناصر، وكان العداء بين الأردن وجمال عبدالناصر علنيًا وهو ما أوجد مناخًا مناسبًا لعبدالمنعم عبدالرؤوف والذي هاجم مصر من هناك، إلى أن طُرِد من الأردن[5]، وسافر إلى تركيا.
والغريب أن مصر عن طريق صلاح نصر كانت تعطي معاشًا لعبدالمنعم عبدالرؤوف وهو في تركيا، ورغم الخلافات بين تركيا ومصر لكن أراد عبدالمنعم عبدالرؤوف مغادرة تركيا والسفر إلى تونس حيث يعادي نظام بورقيبة جمال عبدالناصر.
ولما فشل سفر رموز الإخوان إلى تونس قرروا الذهاب إلى السودان عام 1966م، وكانت السودان خلال ذلك الوقت تستقطب المعارضين لعبدالناصر خاصةً الإخوان، وليس ثمة دليل على ذلك سوى أن إعلان تنظيم 65 داخل مصر جاء بعد أسابيع من قيام يحيى حسين مساعد طيار بشركة الطيران العربية المتحدة (مصر للطيران) هو من قال بأن مصر ألقت القبض على رموز إخوانية، فأعلنت مصر عن تفاصيل التنظيم في 7 سبتمبر 1965م (بعد شهر من اعتقال قادته) بعدما حُظِر النشر فيها من أغسطس في نفس العام.
لكن السفر إلى السودان لم يتحقق لأن لأن صادق المهدي رئيس الوزراء كان يخشى من أن تفسر مصر وجود عبدالمنعم عبدالرؤوف في الخرطوم على أنه دعوة لاسقطاب المعادين لعبدالناصر مما ينذر بحدوث أزمة دبلوماسية قوية بين البلدين رغم أن العلاقة بين الصادق المهدي وعبدالناصر لم تكن ودية.
طوال سنوات الإخوان في البلاد الخارجية في الفترة من 1954م إلى 1970م لم يحدث بينهم وبين جمال عبدالناصر أي تواصل إلا مرة واحدة كشفه توفيق محمد الشاوي في مذكراته حيث قال أن الجماعة حاولت توفير 3 محامين من السودان للدفاع عن سيد قطب لكن مصر لم تقبل بهم، فبعثوا برسالة من تونس عن طريق بورقيبة ورؤساء دول آخرين للعفو عن سيد قطب ولكن طلب بورقيبة لم يقبل وتم إعدام سيد قطب.[6]
النشاط الأكبر للإخوان في الخارج خلال عصر جمال عبدالناصر كان عن طريق المملكة العربية السعودية والتي عملت على استقطابهم بشكل كبير لأنها تسعى لمواجهة المد الناصري الثوري خصوصًا وأن عبدالناصر أعلن العداء لكل الملكيات العربية من جهة، فضلاً عن تمدده من جهة أخرى في سوريا والعراق واليمن.
ورغم تحسن العلاقات بين السعودية وعبدالناصر عقب نكسة يونيو 1967م، لكنها لم تضر الإخوان في شيء فقد بنت السعودية شبكة من العلاقات القوية مع الجماعة على مستوى أفرادها ووفرت لهم الحياة الكريمة وبعضهم حظي بجوازات سفر دبلوماسية بل وفي أوقاتٍ معينة الجنسية نفسها.
الإخوان وشتات المنفى في عصر السادات ومبارك
أراد السادات بعد القضاء على حركة مراكز القوى إحداث تفاهم مع الإخوان في الخارج فأفراج عن عدد منهم وأعاد الجنسية لآخرين، ثم كلف محمود جامع بالتقاء يوسف القرضاوي وأحمد العسال وعبدالرؤوف مشهور وسالم نجم، ثم الذهاب إلى السعودية ليلتقي بمجموعة من قادة الإخوان.
نجح السادات في استقطاب الإخوان، لكن الجماعة في الخارج صارت أقوى، فمثلاً حسن الهضيبي سنة 1973م عقد اجتماعًا مع الإخوان في الخارج وقرر إعادة تشكيل مجلس للشورى فتشكلت لجان في الخليج حيث لجنة في الكويت وأخرى في قطر وثالثة في الإمارات و3 لجان بالسعودية (الرياض والدمام وجدة)[7]، وبعد أشهر قليلة مات الهضيبي.
وجود الإخوان في الخارج خلال عصر السادات لا يمكن تسميته بالمنفى ولا الشتات، رغم التجاذبات بينهم وبين بعضهم، لكن الإخوان فقدوا تعاطف بعض بلدان الخليج بعد تأييدهم للثورة الإسلامية في إيران فمثلاً مجلة المجتمع في الكويت والصادرة عن حزب الإصلاح اعتبرت الثورة أنها تحدث ونموذج، وأن الخميني يستحق الإشادة.[8]، لكن تأييد الإخوان لحرب الأفغان ضد السوفييت منع التضييق عليهم بعد تأييدهم للخميني.
الأمر نفسه تكرر أيام مبارك، لكن الإخوان في الخارج تعرضوا لضربة قاسية في الإمارات سنة 1994م، عندما عندما أعلنت مصر أن أفرادًا من جمعية الجهاد قد تلقوا تبرعات مالية من خلال لجنة الإغاثة والأنشطة الخارجية لجمعية الإصلاح الإماراتية، فأصدر الشيخ زايد قرارًا بتشكيل لجنة أمنية في صحة الإتهامات المصرية، والتي أعلنت بعد 6 أشهر صحة التقارير المصرية وأن أموالاً من جمعية الإصلاح تسربت لأشخاص متورطين في قضايا عنف بمصر.[9]
ثم لعبت المتغيرات السياسية بعد حرب الخليج الثانية دورًا أكبر في شرح العلاقة بين الإخوان ودول الخليج، لانقسام الإسلاميين في موقفهم حول غزو صدام للكويت، لكن لم يؤثر ذلك على حركة شتاتهم في المنافي، حتى مع ترحيل قيادات تكفيرية من الخارج لضلوعهم في أعمال إرهابية بعد 11 سبتمبر 2011م.
ما المختلف في عصر السيسي
لم تعد بلاد الخليج صالحة لاستخدام الإخوان نكايةً في أي أحد، بالتالي فإن أوروبا هي فقط الحاضنة لهم وبلا تأثير، باستثناء تركيا، والتي عملت على استقطاب كل رموز الإخوان من هناك في رهانٍ خاسر من الحكومة التركية عليهم.
مع زيارة السيسي إلى تركيا وجهت السلطات في استانبول تنبيهًا لأعضاء جماعة الإخوان بعدم التعرض للزيارة أو انتقادها سواء على فضائيات الجماعة التي تبث من إسطنبول أو منصات التواصل الاجتماعي، وإلا سيتم ترحيل المخالفين، تلك الإجراءات التي اتخذتها تركيا ظهرت من خلال تناول قناة الشرق التي تبث من تركيا، فلم تهاجم تركيا ولا السيسي، الأمر نفسه انطبق على المقيمين هناك من الناشطين عبر يوتيوب مثل وجدي غنيم الذي كان لا يترك شاردة ولا واردة في الشأن المصري إلا بتعليقٍ عليها.
اقرأ أيضًا
“من الجعجعة للخضوع” مراحل تغير موقف أردوغان تجاه مصر والسيسي
ورغم هذه الإجراءات ونتائجها، فإن زيارة السيسي لتركيا لا تؤدي إلى نتائج كارثية على الجماعة، وذلك بسبب مناورات أردوغان الذي لم يقدم حتى الآن دلائل جدية على طي صفحة الإخوان من سياسته، لكن أبرز النتائج التي ترتبت على الزيارة هو تعزيز عزلة الجماعة وانكماشها أكثر حتى تصبح بلا فاعلية ولا تأثير كما حدث في السنوات التي استعرضناها سلفًا.
[1] حسن البنا، قضيتنا ودعوتنا، تقديم: محمد فهمي أبو غدير، طبعة الكترونية مأخوذة عن طبعة سنة 1976م، ص3 بترقيم ملف pdf
[2] علي عشماوي، التاريخ السري لجماعة الإخوان (مذكرات)، ط/2، مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، القاهرة ـ مصر، 2006م، ص50.
[3] الوقائع المصرية (الجريدة الرسمية)، ع79، 4 أكتوبر 1954م، ص3.
[4] عبدالمنعم عبدالرؤوف، أرغمت فاروق على التنازل عن العرش (مذكرات)، ط/2، الزهراء للإعلام العربي، القاهرة – مصر، 1409هـ / 1989م، ص ص197–256.
[5] المرجع السابق، ص210، يقول عبدالمنعم عبدالرؤوف أن طرده خارج الأردن كان بسبب رفضه لطلب السلطات الأردنية بأن يعمل أعمالاً ضد مصر، لكن هذا القول مشكوك فيه لأن عبدالرؤوف كان معارضًا شرسًا لمصر من الأردن، فضلاً عن أنه لم يكشف طبيعة الأعمال المطلوبة منه.
[6] توفيق محمد الشاوي، مذكرات نصف قرن من العمل الإسلامي، ط/1، دار الشروق، 1419هـ / 1998م، ص322.
[7] عبدالله النفيسي، الحركة الإسلامية رؤية مستقبلية .. أوراق في النقد الذاتي، ط/1، مكتبة آفاق، الكويت، 1433هـ / 2012م، ص234.
[8] محرر، التعليق الأسبوعي، الثورة الإيرانية .. الشاه – الشعب – الخميني، مجلة المجتمع، ع433، 20 فبراير 1979م، ص ص4-5
[9] باحثون، الإخوان المسلمون في الخليج، ط/4، مركز المسبار للدراسات والبحوث، دبي ـ الإمارات أغسطس 2011م، ص57.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال