الاحتفالات خارج العيدين.. هل تقع في فخ الابتداع؟
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
أعياد الميلاد، ليلة الإسراء والمعراج، الاحتفالات اليوبيلية، ليلة النصف من شعبان، عيد الأم، طلعة رجب، عيد التحرير، المولد النبوي، العيد القومي للبلاد، رأس السنة الهجرية، رأس السنة الميلادية، ذكرى غزوة بدر، عيد الطفولة.
عشرات الأعياد والمناسبات الرسمية تمر سنويًا بكل مجتمع، منها الديني والوطني والاجتماعي والمؤسسي والشخصي.. إلخ، وجرت العادة أن تقام الاحتفالات الرسمية منها والشعبية والخاصة في مثل هذه الأعياد والمناسبات المتنوعة.
فهل إقامة الاحتفالات في مثل هكذا مناسبات أمر جائز شرعًا؟ أم أنها -كلها أو بعضها- تقع في فخ الأبتداع؟
كل بدعة ضلالة
الابتداع في الدين أمر محرم، بناء عن نص الحديث المنسوب للنبي والوارد في صحيح الجامع برواية جابر بن عبد الله، يقول فيه: “أما بعدُ فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وإنَّ أفضلَ الهديِ هديُ محمدٍ، وشرَّ الأمورِ مُحدثاتُها، وكلَّ مُحدَثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النَّارِ أتتْكم الساعةُ بغتةً، بُعِثتُ أنا والساعةُ هكذا، صبحَتْكم الساعةُ ومستْكم، أنا أولى بكلِّ مؤمنٍ من نفسِه، من ترك مالًا فلأهلِه، ومن ترك دَيْنا أو ضَياعًا فإليَّ وعليَّ، وأنا وليُّ المؤمنين” (حكم المحدث: صحيح).
لكن هل الأعياد والاحتفالات تُعد ابتداع في الدين؟
الأعياد الدينية بدعة
في برنامج “نور على الدرب” تسائل أحد المتواصلين عن حكم الاحتفال بالمولد النبوي وهل هو جائز أم بدعة، فأجاب الشيخ ابن باز: “الاحتفال بالموالد إنما حدث في القرون المتأخرة بعد القرون المفضلة، بعد القرن الأول والثاني والثالث، وهو من البدع التي أحدثها بعض الناس استحسانًا وظنًا منه أنها طيبة، والصحيح والحق الذي عليه المحققون من أهل العلم أنها بدعة، الاحتفالات بالموالد كلها بدعة، ومن جملة ذلك الاحتفال بالمولد النبوي، ولماذا؟ لأن الرسول لم يفعله، ولا أصحابه، ولا خلفاؤه الراشدون، ولا القرون المفضلة، كلها لم تفعل هذا الشيء، والخير في اتباعهم لا فيما أحدثه الناس بعدهم، وقد ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (إياكم ومحدثات الأمور) وقال عليه الصلاة والسلام: (وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة) وقال -عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد، من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) يعني: مردود“.
هنا نرى تحريم قاطع من الشيخ ابن باز منطلق من اعتبار هذا الاحتفال بدعة، وقام بتصنيفه كبدعة بوصفه لم يعتمد خلال القرون الثلاثة الأولى من ظهور الإسلام، ما يشي باعتبار هذه القرون الثلاثة ذات وضع خاص. وهو أمر يستحق البحث في سياق مستقل.
جواز الأعياد الدينية
تنظم مؤسسات دينية كبرى، كالأزهر الشريف، احتفالات رسمية بعديد من المناسبات الدينية كالمولد النبوي وليلة الإسراء والمعراج وليلة القدر وليلة النصف من شعبان، وغيرها.
من جانبها أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى رقم 7262، في شهر ديسمبر عام 2022، بخصوص الاحتفال بالمولد النبوي؛ جاء فيها: “الأمر الذي لا يتردد فيه شاكٌّ، ولا يغفله عاقل: أنه لا نعمة تستحق أنْ يسعد بها المسلم ويهنأ حتى يَعُدَّ يوم حدوثها عيدًا، كنعمة ظهور النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الوجود، واحتفال المسلمين بالمولد النبوي الشريف في كل عام، وإقامة الولائم، وصناعة الحلوى، والتزاور فيما بينهم إيذانًا باحتفالهم وابتهاجهم كما يفعلون في الأعياد، بل وإطلاق اسم “عيد المولد النبوي” على هذا اليوم؛ كل هذا مِن الأمور المشروعة المندوب إليها بالاتفاق“.
وعلى ذات الموقع الرسمي لدار الإفتاء، نشرت الفتوى رقم 486، في يوليو 2007، أصلت فيها المؤسسة المتخصصة لشرعية هذا الاحتفال: “الاحتفالُ بِمولدِ النَّبي مِن أفضل الأعمال وأعظم القربات؛ لأنه تعبير عن الفرح والحب للنبي الذي هو أصل من أصول الإيمان؛ فقد صح عنه أنه قال: (لا يُؤمِنُ أَحَدُكم حتى أَكُونَ أَحَبَّ إليه مِن والِدِه ووَلَدِه والنَّاسِ أَجمَعِينَ) رواه البخاري، كما أنه صلى الله عليه وآله وسلم قد سنَّ لنا جنس الشُكرِ لله تعالى على مِيلاده الشريف؛ فكان يَصومُ يومَ الإثنينِ ويقول: (ذلكَ يَومٌ وُلِدتُ فيه) رواه مسلم“.
حكم أخر معتمد على نصوص أخرى منسوبة للنبي، وبطبيعة الحال طريقة مختلفة في التفكير والتدبر.
الأعياد الاجتماعية بدعة
من أشهر الأعياد الاجتماعية وأكثرها انتشارا واهتمامًا بين الناس هو “عيد الأم”، والذي يقوم خلاله الابناء بالاحتفاء بأمهاتهم وتقديم الهداية لهم كتعبير عن الشكر والأمتنان لدور كل أم في حياة أبناءها، لكن يرى بعض الفقهاء والدعاة أن هذا الاحتفاء بدعة لا تجوز شرعًا، ما يظهر في نص فتوى الشيخ بن عثيمين بهذا الخصوص: “إن كل الأعياد التي تخالف الأعياد الشرعية كلها يكون بدع حادثة لم تكن معروفة في عهد السلف الصالح، وربما يكون منشؤها من غير المسلمين أيضًا، فيكون فيها مع البدعة مشابهة أعداء الله سبحانه وتعالى، والأعياد الشرعية معروفة عند أهل الإسلام، وهي عيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد الأسبوع (يوم الجمعة) وليس في الإسلام أعياد سوى هذه الأعياد الثلاثة، وكل أعياد أحدثت سوى ذلك فإنها مردودة على محدثيها وباطلة في شريعة الله سبحانه وتعالى، لقول النبي: «مَنْ أَحْدَثَ فِى أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ»”.
هنا تحريم مزدوج قائم على حكم البدعة من جانب، وحكم مشابهة أعداء الله إذا كان صاحب فكرة هذا العيد غير مسلم، ما يعد افتراض من الشيخ أن كل غير مسلم هو في حالة عداء مع الله؛ هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يرى أن تقليد غير المسلم في أي شيء هو مشابهة مذمومة. وهذه الفتوى منشورة على موقع جامع الكتب الإسلامية على شبكة الأنترنت.
تكريم الأم جائز
في يوم عشرين مارس 2016 نشر موقع دار الإفتاء المصرية فتوى بخصوص تقديم الهداية للأمهات في يوم عيد الأم، جاء فيها:
“ما تصالح الناس على تسميته بـ(عيد الأم) يقومون بالتواصل مع أمهاتهم وتقديم الهدايا لهن فيه، ليس عيدًا بالمفهوم الشرعي للعيد، لكنه يوم وفاء وتقدير للأمهات، حيث تعارف الناس في العالم كله على الاعتراف بجميل الأمهات، والتعبير عن مزيد المحبة والامتنان لهن في يوم واحد يجمعهم.
وتكريم الأم بهذا اليوم بالمعنى السابق أمر تنظيمي عادي لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، التي تؤكد على معاني الوفاء والامتنان والشكر للوالدين في كل وقت وزمان، قال تعالى: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ سورة لقمان – 14. ومن المعلوم أن بر الوالدين والإحسان إليهما فريضة في الإسلام، وأن الإساءة إليهما وعقوقهما من الكبائر، قال تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ سورة الإسراء – 23.
ونالت الأم الحظ الوافر من الأمر بحسن صحبتها والإحسان إليها، حيث قُدمت على الأب، وكرر الأمر بالعناية بها، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ الله فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَبُوكَ») متفق عليه.
عيد الأم
إن تكريم الأمهات في يوم الأم ليس من باب التشبه المحظور بل هو من الحكمة العامة و(الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها)، وخاصة في موضوع تحث الشريعة الإسلامية عليه ولا يتعارض معها، ولقد صام المسلمون (يوم عاشوراء) مع علمهم بصيام اليهود له، وقال النبي: (نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ) متفق عليه، فنحن أحق بتكريم الأم من غيرنا.
أما قول رسول الله: (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) متفق عليه. فالمقصود به النهي عن اتباع غيرنا من الأمم في المحرمات، وخصوصياتهم الدينية التي تتعارض مع شريعتنا، أما الأمور المباحة والنافعة الموافقة لشريعتنا فلا مانع منها. قال القاضي عياض: (هذا فيما نهى الشرع عنه وذمه من أمرهم وحالهم).
وبر الأم وإكرامها والإحسان إليها واجب شرعي مطلوب تحقيقه، في كل وقت وحين، سواء كان ذلك حال حياتها، أو بعد وفاتها، بالدعاء والاستغفار لها، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بها، وإكرام صديقاتها. والله تعالى أعلم”.
ما يعد فتوى إجازة وفي نفس الوقت رد على فتاوى التحريم بحجة الابتداع أو التشبه بغير المسلمين.
ختامًا
تظل الأعياد بمختلف أشكالها وأنواعها أمر مجتمعي ورسمي وشخصي يحرص الناس والمؤسسات عليه كجزء رئيسي من حياتهم، وهو في نظر الفقهاء أمر خلافي لإنه لم يرد فيه أمر أو نهي مباشر بالقرآن الكريم، بالتالي يحق لكل شخصية (فعلية أو اعتبارية) الأخذ بما يناسبها من الآراء الفقهية المطروحة في ذلك.
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال