الاكتئاب .. القاتل الخفيّ

تملكني الاكتئاب،  مصطلح بات يؤرقني كلما سمعت شخص  يقولها  أو أقولها أنا تعبيرًا عن حالة الحزن الذي نمر بها، و هي كثيرة، حتى بِتُ أشعر أن حالة الكآبة و الحزن أصبحت حالةُُ عامة نمر بها جميعََا في وقت واحد، و كأنها منثورة في الجو نستنشقها كالهواء.

مرض العصر 

و الاكتئاب من أكثر أمراض العصر انتشارًا يُصيبنا خِلسة من غير أن ندري ، كما أن المفاهيم المنتشرة حول هذا المرض  غالبًا ما تكون خاطئة أو مضللة، و الأشخاص المصابون به يُهملون علاجه على الرغم من خطورته، فهو ببساطة القاتل الخفيّ.

و أود أن أوضح أولا الاختلاف بين الاكتئاب و الحزن الصحيّ؛   و الذي من الطبيعي جدًا أن نشعر به عند حصول مايستدعيه، فالحزن سُنة البشر و ليس مرضًا يستحق العلاج فقد يبدوا التفريق بين الشعورين أمرًا غير واضح عند الكثيرين؛ لأنه عندما يريد أحدهم أن يعبر عن حزنه يقول أنا مكتئب فلا فرق عنده بالتوصيف بين الكلمات لأن جميع هذه الكلمات تعبر عن حالة مزاجية سيئة.

مفهوم الاكتئاب 

أما مفهوم الاكتئاب و طبيعته فوضحه كتاب إقهر الكتاب” لديفيد هيندز ” وهو حالة مختلفة تماما عن الحزن الطبيعي، ما هيته مختلفة ، وأعراضه مختلفة.

فمن أين يأتي الاكتئاب؟،  الحقيقة لايوجد دائمًا سببًا للاكتئاب واحد ، فقد تجتمع عدة أسباب تكون المرض، و قد يختلف تأثيرها من شخص إلى آخر.

ووصفه “هيندز” بأنه خلل في مواد كيميائية في الدماغ مهمتها توصيل الإشارات إلى الخلايا العصبية أهمها السيروتونين و الدوبامين، فانخفاض هذه المواد يسبب انخفاض في المشاعر عند المريض في الفرح و الحزم معًا.. يشعر بأنه جثة متحركة لا يتذوق للحياة طعما و يفقد الاستمتاع بكل ما كان يُسعده في السابق.

و يتطور شعور المكتئب إلى الرغبة في الانعزال عن الناس و البقاء في سريره لساعات ليدخل بعدها في مرحلة من الشعور بالعجز على القدرة عن ممارسة أنشطته المعتادة مما يعزز لديه الشعور بالفشل و جلد الذات و سوء التقدير لنفسه فقد يكره نفسه و حتى شكله و ربما يصل إلى درجة متدنية من احتكار ذاته و يرى بأنها عبء على الوجود و لا تستحق الحياة.

الأوجاع المصاحبة للاكتئاب 

و قد يرافق المرض بعض الأوجاع الجسدية غير المفسرة؛ كالأوجاع في المفاصل و العضلات و الدوار و عدم الأحساس في الأطراف و اضطراب في النوم و إضراب في الوزن بالزيادة أو النقصان .

ليس كل متدين محصن من الاكتئاب 
و أول ما يجب أن تفعله كمريض هو أن تعترف بالمرض، فكثيرون من مرضى الاكتئاب يتعاملون معه و كأنه نقيصة يترفعون عنها أو كأنه سر يجب إخفاءه،  و إن اعترفوا به لأنفسهم لا يعترفون به أمام الناس، أنت بالطبع  حر بالإفصاح عن مرضك و لكن لا تتعامل معه كصفة تعيبك الاكتئاب مرض مثل أي مرض عضوي آخر و لا يوجد أحد محصن منه.

كما أنه لا علاقة لأمر التدين ، فليس كل متدين محصن من الاكتئاب و ليس كل غير متدين معرض له هذه و احدة من أكثر الأوهام المنتشرة حول المرض فالإيمان بالله يعمل كعامل مخفف مساعد على التغلب على الشعور بأعراض الاكتئاب، و لكنه لا يستطيع إلغاءها و لا يستطيع علاجها بالكامل .

ثانيا: أن تعرف أن هذه المشاعر و أن هذه الأفكار هي ليست أنت ليست هُويتك إنما هو شعور عارض عليك كمرض الأنفلونزا تمامًا ،فصوتك الذي يتغير مع الأنفلونزا هو ليس صوتك الحقيقي هو تغير عارض سيزول بعد العلاج.

ثالثا : حارب العزلة التي لايريد منك الاكتئاب أن تغادرها اختلط بالناس و حاول أن تعبر عن أفكارك لصديق أو قريب يساعدك على ترتيبها، فالتفكير بصمت هو من أسوأ ما يمكن أن تفعله بنفسك في هذه الحالة؛ لأن عقلك هنا يعمل ضدك و يفاقم أوهامك ويحاول أن يزيد من قضبان حبسك عليه .

رابعا : توقف عن حبس نفسك في أحداث الماضي الذي انتهى و توقف عن لوم ظروف حياتك فيما سببته لك ،هذا اللوم لن يحل مشكلة ولن يطيب خاطرًا كل ما يفعله هو أن يغرسك أكثر في حفرة المرض، فكل يوم جديد هو صفحة بيضاء جديدة لعمل جديد وأمل جديد .

ولكي تتغلب على مرض العصر إذا كنت لا تريد زيارة الطبيب رشحت لك كتابًا يضع بين يديك مفاتيحا تساعدك على أن تخرج من السجن الذي يحبسك عن أيامك ، وهو كتاب اقهر الاكتئاب .

عن كتاب اقهر الاكتئاب 

إقرأ أيضا

العشق الإلهي و فلسفة التصوف عند البابا شنودة الثالث

فالكتاب يقع في قرابة 325 صفحة قسمه الكاتب إلى 6 أجزاء ؛ في الجزأ الأول يخبر الكاتب المريض بما يشعر به في بداية المرض، يفسر له هذا الشعور المرّ و يخبره بأنه ليس و حيدًا حتى و إن كان مرضه يجعله بأنه يشعر بذلك حقا و يخبره متى يحتاج فعلا إلى المساعدة الطبية .

الأسباب التي ترفع نسبة الإصابة بالاكتئاب 
الجزأ الثاني يناقش الأسباب التي قد ترفع نسبة الاحتمال بالإصابة، كانتقالها بيجينات الوراثة أو تعرض صاحب المرض لخسارة في حياته أو عمله أو علاقاته، و يشرح هذا الجزأ أيضًا شعور الفشل و الإحباط و جلد الذات على المريض و كيف سيبدأ بربط مرضه بنقص الدين و اليأس .

الجزأ الثالث يتحدث عن شرايح مرضى الاكتئاب، و عن أنواع فرعية منه فيتحدث عن الاكتئاب لدى المراهقين و الأطفال، و يتحدث أيضًا عن الاكتئاب الموسمي الذي يشتد في بعض الفصول كالخريف و الشتاء، كما يتحدث عن الاكتئاب الناتج عن تصفح السوشيال ميديا و اكتئاب ما بعد الولادة عند النساء .

التعافي و العلاج

في الجزأين الرابع و الخامس يطرح أساليب مساعدة في الشفاء و التعافي والعلاج بدء بالاعتراف بالمرض و محاولة إجراء تعديلات على أسلوب الحياة و محاولة التميز و الفصل بين المشاعر الشخصية الطبيعية و بين المشاعر الذي ينتجها الاكتئاب، و محاولة ترويض المشاعر كالغضب و الخوف و ضبطها وتوجيهها، و يتحدث أيضًا عن تأثير النوم السليم و النظام الغذائي السليم و ممارسة الرياضة في مكافحة الاكتئاب والتي غالبا ما نراه بعين الاستهتار .

لغة الكاتب سهلة مبسطه بمعنى أنك حين تقرأ الكتاب لا تشعر بأنك تقرأ كتابا طبيا بلغة علمية، بل ستجد شرحًا عامًا لكل فكرة بأسلوب سهل و بسيط كما أنه يعطي قارئه تحفيزًا على التقدم.

الطرح جيد جدًا في مجمله إلا أنني أراه ككتاب للتوعية بهذا المرض  وكمساعد لمن هم في الدرجات الأولى منه، لذا أرى  أنه من الجيد قراءة الكتاب ليساعدك على تخطي هذه المرحلة .