البطة المتمردة (قصة -10)
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
كانت البطة عندها 3 بطات صغيرين، يومات عيالها يشوفوها وهي خارجة الصبحية من العِش تجيب لهم الأكل، تمشي على طول لحد ما توصل عند مفترق الطريق، وهناك تدخل يمين وتمشي لغاية ماتغيب عن عيونهم، وعلى أخر النهار ترجع ومعاها صيد اليوم والحنية. في ليلة وبعد ما أتعشوا سألتها واحدة من البطات التلاتة..
*****
المتمردة: هو أنتِ كل نهار لما بتسيبينا.. بتروحي فين؟
الأم: البحيرة.. باروح البحيرة عشان أجيبلكم الأكل.
المتمردة: طب ليه كل مرة بتدخلي يمين ومافيش مرة مشيتي شمال؟
الأم: عشان ده طريق البحيرة.
المتمردة: والطريق التاني بيودي فين؟
الأم: للنهر.
المتمردة: النهر؟؟ يعني إيه النهر؟ وفيه إيه هناك؟
الأم: بيقولوا أن النهر ده مية بتتحرك.. وفيه سمك كبير.
المتمردة: الله… ما تروحي تجيبي الأكل من هناك.
الأم: لأ طبعًا.
المتمردة: ليه؟؟
الأم: أصل بيقولوا أن هناك فيه صيادين وحيوانات مفترسة أكتر من اللي في البحيرة، وبيقولوا كمان أن كل الحيوانات بينزلوا يستحموا مع بعض.
المتمردة: وفيها إيه؟
الأم: فيها طبعًا يا حبيبتي.. كده عيب.
المتمردة: مين اللي قال كده؟
الأم: دي عاداتنا وتقاليدنا.. فتحنا عيونا لقيناها موجودة.. موجودة حتى من قبل جدودنا.
المتمردة: يعني ماشوفتيش حاجة بنفسك ومش عارفة مين صاحب الكلام ده.. بس مصدقاه.
الأم: بطلي رغي شوية.. أنتِ غلباوية كده ليه؟
فضل الحال زي ما هو بالنسبة للأسرة الصغيرة، لغاية الصغيرين ما كبروا وجِه وقت إنهم يروحوا البحيرة يتعلموا العوم ومن بعده الصيد، البطات الصغيرين سهروا طول الليل يحلموا بعيون مفتوحة بالمية والعوم. بس البطة المتمردة مابتتكلمش، لغاية أمها ما سألتها..
الأم: ساكتة يعني مش زي عوايدك؟
سكتت البطة المتمردة وهي بتبص لأمها واخواتها.. قبل ما تقول..
المتمردة: أنا مش عايزة أروح البحيرة.
جملة عملت حالة من عدم الفهم في العش وسيطر الصمت شويتين.. لغاية الأم ما كسرته
الأم: يعني إيه؟؟.. عايزة تفضلي طول عمرك قاعدة في العش وأنا اللي أأكلك؟؟
المتمردة: لأ طبعًا.. (بصت للأفق وهي بتقول بحسم) أنا هاروح النهر.
الذهول مَلّا العش.. ومافيش حد فتح منقاره ولا حتى هز ديله، وبعد فترة من التفكير والحزن اللي كسا عيونها قالت الأم..
الأم: شوفي يا حبيبتي.. أنا كمان لما كنت في سنك أتمنيت أروح النهر، بس أمي قالت لي: “أشمعنى يعني أنتِ اللي هتختلفي عن كل البط؟؟”. وفعلا.. بصيت حوليا لقيت كل البط بيروح البحيرة، وأني لو روحت النهر هابقى لوحدي، فدفنت حلمي بالنهر جوايا.. وعشت زي بقيت البط في البحيرة.
أخت1: أنا سمعت خالتي بتقول أن كل اللي مشي في طريق النهر مارجعش تاني.
أخت2: يبقى زي ما عمُه قال.. أكيد فيه خطر هناك.
المتمردة: (في ثورة) قالت… قال.. قالوا… عمُه.. خالتُه.. عُمر حد ما مشي في السكة دي ورجع… خطر.. صيادين. مش يجوز المكان هناك جميل جدًا.. لدرجة أن اللي بيوصل هناك هو اللي برفض يرجع.
كلام المتمردة سكت العش كله، كمان أخواتها بدءوا يفكروا في كلامها، والأم حاولت تتماسك وهي بتقول..
الأم: أنتِ بنتي ولازم تسمعي كلامي..
قاطعهتها المتمردة وهي بتضرب الهوا بجناحها..
المتمردة: طول ما كنا في العش كنت باسمع كلامك، بس دلوقتي خلاص.. أنتِ نفسك قولتي أننا كبرنا ولازم نعتمد على نفسنا.. و…
أخت1: (تقاطعها) اتكلمي عن نفسك.. إحنا هنفضل نسمع كلام ماما.
الأم بصت لها بأمتنان ولفت رقبتها تشوف الأبنة التانية، اللي قالت بسرعة..
أخت2: وحنفضل نعمل اللي لقينا كل البط بيعمله.
المتمردة أستاءت قوي من كلام أخواتها فرفعت رقبتها بتصميم وهي بتقول..
المتمردة: وأنا لازم أحقق حلمي… أوصل النهر.
الصباح بدري العش ولأول مرة ودع الأسرة كلها، الأم متقدمة المسيرة ووراها بناتها التلاتة، أخت1 وراها على طول.. والأخت2 على يمينها.. أما المتمردة فمشيت ناحية طريق حلمها، عند مفترق الطرق وقفت الأسرة مقسومة، الأم والأختين ناحية اليمين والبطة المتمردة وحلمها ناحية الشمال، حاولت تتكلم بس الدموع منعتها.
أخت1: بدل ما تعيطي تعالي معانا أحسن.
ردت المتمردة من بين دموعها..
المتمردة: أنا باعيط على فراقكم.. وعلى عمركم اللي زي ماما هتضيعوه هدر.
الأم: أنا لما رفضت أمشي ورا طيش الشباب ده قدرت أعيش لغاية ما شفتكم وربيتكم.
المتمردة: بس عمرك ما عملتي أي حاجة نفسك فيها.
ردت الأم بصوت كله عِنْد..
الأم: نفسي فإيه يعني.. ما أنا باكل وأشرب وأعوم وعايشة.
ابتسمت المتمردة بحسرة قبل ما تقول..
المتمردة: عمرك ما كلتي السمك ولا شربتي الميه اللي بتسمعي عنها، ولا أستمتعتي بالعوم زي ما أنتِ عايزة، عُمرك حتى ما شميتي الهوا اللي نفسك فيه.. بالذمة دي يبقى اسمها عيشة؟!
فجأة وقعت عليهم شبكة لمتهم كلهم في أيد صياد واحد، دموع البط رسمت خط طويل تحت رجلين الصياد، بصت الأم لبنتها المتمردة بغيظ وأستغراب وهي بتقول لها..
الأم: يعني مابتعيطيش دلوقتي.
المتمردة: وأعيط ليه؟ أنتي بتعيطي على عمرك اللي راح بلاش.. إنما أنا يكفيني قضيت عمري القصير ده وأنا باحاول أوصل لحلمي.
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال