شائعة في التاريخ العسكري لمحمد حسني مبارك “لها صلة بعبدالله غيث ووردة”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
يمثل التاريخ العسكري لمحمد حسني مبارك حجر الزاوية في مسيرة الرجل حيًا وميتًا، فهو السبب الذي جعل السادات يختاره نائبًا باعتبار أنه من جيل نصر أكتوبر لينهي بذلك مسيرة ضباط يوليو، وهو نفس السبب الذي جعل إعلام مبارك يختزل نصر أكتوبر في الضربة الجوية.
اقرأ أيضًا
قصة مبارك وطارق نور وزكية زكريا .. مشاهدة الحلقات بالأمر
ومع رحيل أطول رؤساء مصر بقاءًا في المنصب، جدد التاريخ العسكري لمحمد حسني مبارك الجدل بشأن الجنازة العسكرية وإعلان الحداد في مصر لمدة 3 أيام.
أهم شائعة في التاريخ العسكري لمحمد حسني مبارك
كل ما يخص التاريخ العسكري لمحمد حسني مبارك في كفة، ومسألة حفلة أنشاص في كفة أخرى، فهي لها جزء بالتاريخ العسكري لمبارك باعتبار أنه ينتمي لسلاح الطيران الذي ألقيت عليه مسؤولية هزيمة 5 يونيو، وكذلك كان هو رئيس لجنة التحقيق مع الضباط الذين سهروا في حفل الراقصة زينات علوي بقاعدة أنشاص الجوية.
دفع ضباط القوات الجوية فاتورة النكسة عن طريق القضاء، وبعد أن فصلت المحاكم في أمرهم بسجن البعض وتبرئة الغالبية ظلت سُمْعَة السلاح فريسة مثيرة للقيل والقال بسبب حفل أنشاص.
اقرأ أيضًا
حين ذهبت هبة سليم بطلة الصعود إلى الهاوية لحبل المشنقة مبتسمة
فمثلاً تم تغيير اسم شارع الطيران في مدينة نصر بسبب سمعة حفل أنشاص التي وصلت إلى درجة أن كمسارية الأوتوبيسات والمواطنين كانوا يسمون الشارع بـ «شارع العوالم».
وضعت حرب أكتوبر أوزارها لصالح مصر بسبب القوات الجوية التي كانت مكروهةً من المصريين ورغم ذلك بقيت سمعة حفل أنشاص في الذاكرة، فمثلاً لم يغفل فيلم «ملف سامية شعراوي» للممثلة نادية الجندي هذا الحفل وصنع سيناريو مشهد مماثل كان بطله عبدالله غيث وهو يقول «لو الخروف دا اتحرك إسرائيل هتحارب».
حقيقة حفل أنشاص الساهر
قصة حفل أنشاص كما هي متداولة، أن الراقصة زينات علوي حضرت حفلاً ساهرًا استمر حتى مطلع فجر يوم النكسة بصحبة الضباط والقادة من سلاح القوات الجوية والذين كانوا «مفرهدين» فلم يستطيعوا الحرب فناموا بعد الفجر لتقوم إسرائيل بدك المطارات وهم تحت البطاطين نائمين.
حول حقيقة الحفل كتب عبدالحميد الدغيدي «قائد الطيران في المنطقة الشرقية وقت النكسة»، رأيه في مسألة حفل أنشاص خلال مذكراته التي نشرها سنة 1988 في مجلة الأيام بعد عرض فيلم ملف سامية شعراوي، ثم نشرتها مجلة أكتوبر في عدد 27 يونيو 1993 م بعنوان «هذه شهادتي وأنا على باب القبر».
يشير عبدالحميد الدغيدي إلى أن مصدر قصة الحفل يعود لكتاب «تحطمت الطائرات عند الفجر» للمؤلف الإسرائيلي باروخ نادل الذي تكلم عن حفل أنشاص وحفل آخر في مطار بير تمادا، واتهم الكتاب بالكذب في قصة الحفلين.
يقول عبدالحميد الدغيدي «حفل أنشاص كانت روتينيًا وليس كما يعرفه الناس إذ تم تنظيمه لتخريج دفعة جديدة، بالإضافة إلى أنه لم يكن في حفل ساهر قبل الفجر، فضلاً عن أن قاعدة أنشاص نفسها لا ثقل لها في النكسة فالقوات بتلك القاعدة كانت بسيطة، فضلا عن 93 % من قوة الجيش المصري كانت في القناة وسيناء وليس في أنشاص الموجودة بمحافظة الشرقية».
أما بشأن حفل مطار بير تمادا فيقول عنه عبدالحميد الدغيدي أنه من وحي خيال مؤلف كتاب «تحطمت الطائرات عند الفجر» لعدة أسباب أولها ما قاله باروخ نادل من أن عبدالحميد الدغيدي كان في الحفل، بينما المحكمة التي أدانت ضباط الطيران أقرت بأن الدغيدي لم يكن وقتها في مطار بير تمادا أصلاً، ولم يحدث حفل لاستقبال المشير عامر قبل النكسة بساعات.
يطرح السؤال نفسه «طالما لا يوجد حفل بهذا الشكل المعروف، فما هو سر انتشار قصة سهرة الراقصة مع ضباط وقادة سلاح الطيران فجر يوم 5 يونيو»، ومع سؤال كهذا كانت إجابة الدغيدي جريئة وغير متوقعة في مذكراته.
اتهم الدغيدي إعلام نظام الرئيس جمال عبدالناصر بالترويج لكتاب «وتحطمت الطائرات عند الفجر» بل ووصلت لدرجة جعلته ينفي وجود جاسوس إسرائيلي باسم باروخ نادل، ودليله على ذلك أن الكتاب مطبوع في لبنان وليس إسرائيل، بالإضافة إلى جريدة الأهرام لم تنشر رد الدغيدي المتورط في القصة رغم أن لديه ما ينفي القصص كما نفتها لجنة التحقيق برئاسة محمد حسني مبارك.
حسني مبارك رئيس لجنة التحقيق في حفل أنشاص
تميز التاريخ العسكري لمحمد حسني مبارك بعد النكسة أنه تولى مسئوليتين إحداهما مشهورة وهي توليه إدارة الكلية الجوية، والأخرى مغمورة وهي رئاسة للجنة التحقيق في حفل أنشاص.
تكلم حسني مبارك عن اللجنة التي ترأسها خلال مذكراته التي حملت عنوان «كلمة السر»، حيث قال «بدأت المهمة الشاقة، ولم يكد التحقيق يبدأ سواء مع العسكريين أو المدنيين من الفنانين الذين حضروا الحفل ليسهروا في الترفيه عن رجال القاعدة الجوية حتى تأكد يى بما لا يدع مجالاً للشك، أن الصورة لم تكن بالسواد الذي لونتها به الدعاية المعادية وأن الصورة المصاحبة المزعومة لم تخرج عن حفل ترفيهي عادي تقوم به أفرع التوجيه المعنوى والشئون العامة، في مختلف وحدات القوات المسلحة وأسلحتها».
تكلم مبارك عن تحقيقه مع المطربة التي شاركت في حفل أنشاص الساهر ولم يذكر اسمها، وهي الفنانة وردة الجزائرية حيث قال عن كلامها «بدأت اللجنة ترى الصورة على حقيقتها، وأخذت الأقاصيص المخترعة، والأساطير الفلكلورية التي نُسجت حول الحفل، تتهاوى واحدة تلو أخرى حتى جاء ذلك اليوم الذي وقفت فيه عاجزًا عن تحديد مشاعرى وأنا أستمع لإحدى الشاهدات وهي مطربة وقد تملكتني الحيرة، بين الإحساس بالسخرية لسذاجة القصة التي روتها الشاهدة، وبين الحزن لقسوة القصة وضراوة نسيجها ضد الضحية الذي حكيت القصة حوله».
ويسرد مبارك في مذكراته ما قالته وردة الجزائرية قائلاً «فوجئت بالمطربة المثقفة، تقول في نهاية أقوالها إنني واثقة من أن ما حدث لنا في 5 يونيو، لم يحدث نتيجة لضعف المحارب المصري، وإنما لم تكن لديهم القيادة القادرة على مواجهة الموقف والارتفاع إلى مستوى المسئولية».
وأكملت وردة الجزائرية كلامها وهي تقول لحسني مبارك «ما حدث في حفل أنشاص وقد شاهدته بنفسي وشاركت في إحيائه أمرًا عاديًا، فإن طيارينا في مختلف المطارات والقواعد الجوية، كانوا مع الأسف تحت قيادة رجال أقل من الموقف، وأدنى من المسئولية التى كانوا يواجهونها».
اتسمت إجابة وردة الجزائرية بالتعميم فطلب حسني مبارك التوضيح لتقول له «أقصد ما حدث في قاعدة بني سويف الجوية، صباح 5 يونيو، في الوقت الذي كانت كل الدلائل تشير فيه إلى قرب اشتعال الحرب بيننا وبين إسرائيل كان قائد مطار بني سويف ينام ليلة 5 يونيو في شقة خاصة استأجرها بعاصمة المحافظة، بعيداً عن رجاله، وعندما وقعت الكارثة في الصباح، استيقظ القائد على صوت القنابل والصواريخ التى وصل صوت انفجارها المدمر، إلى المدينة، وبدلا من أن يستجمع شجاعته ويسارع بالذهاب إلى قاعدته الجوية التى أحرقها العدو، ليحاول عمل شىء، إذا به يفقد صوابه، ويندفع جارياً في الشوارع بجلابية النوم ويهرب من الناس».
كانت وردة الجزائرية تكذب في قصتها عن قائد قاعدة بني سويف فهو لم يكن نائمًا في شقته الخاصة ولم يجري في الشارع بعد الضرب، لأن قائد قاعدة بني سويف هو محمد حسني مبارك الذي كان وقت النكسة في الجو وليس في الحفل ولا على سرير النوم.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال