همتك نعدل الكفة
139   مشاهدة  

“التكفيري” مُرسل بني إسرائيل

بني إسرائيل
  • روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...

    كاتب نجم جديد



عاد! وكان لابد لصاحب العقل أن يعود.

استقبله الأسطى أحمد النجار بفرحة صادقة وذهول، رحّب به وأدخله الدكان وهو في حالة من الفضول، وأجلسه على الكرسي القريب وجلس بالقرب منه وهو يتأمله، وما أشد التغييرات التي طرأت على صاحب العقل، لقد استرد لمَعانَ عينيه مرة أخرى وحلق ذقنه وبانَ بهاء وجهه.

وقال الأسطى أحمد لصاحبه صاحب العقل: «غبت عن الدنيا، وقُلنا لن يعود».

وصاحب العقل صديق قديم لأحمد النجار، كان قد اختفى بعدما ترك خلفه العلم والعمل والحب والأهل والحياة، ومشى على خُطا الدعاة، وقيل إنه يُجاهد في العراق وقيل في سوريا وقيل في سيناء. غير أنه اليوم عاد. وكان لابد لصاحب العقل أن يعود..

وتساءل الأسطى أحمد: «أين كنت؟ وماذا حدث؟».

وكان لصاحب العقل حكاية. قال: «كنت بالدولة الإسلامية في العراق بعدما فقدت الأمل في تطبيق النظام الإسلامي بمصر، كانت الرحلة بسيطة وأسهل مما يعتقده الناس، أنت تعرف بالتأكيد حكايتى مع الدعاة وقد وصلت لقمة الهرم فاتبعت حازم صلاح أبو إسماعيل، كان من وجهة نظري الوحيد القادر على تحقيق الحلم، حلم الخلافة واستعادة ريادة العالَم، ولكن الحلم تبدّد على الأقل في مصر، فخرجت مع مجموعة -ثلاثة شباب من محافظات مختلفة- إلى العراق، تحديداً في ولاية نينوى، والتي تشمل الموصل وحمام العليل..

في البداية قادونا إلى إحدى المدارس، وهناك تولى مُجاهد سورى أمر تدريبنا على السلاح والقتال، كانت العزة تغمرنى، فهَا أنا بين صفوف المجاهدين أعد نفسى للنصر أو الشهادة. حين انتهينا من التدريبات في الأسابيع الأولي قاموا بتوزيع الأعمال والرواتب، كان أقل راتب للمُجاهد 1500 دولار أمريكى، وجاء عملي في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كنتُ أعتبر أن النهي عن المنكر والأمر بالمعروف من أعظم الأعمال وأحبها لله.. وكيف لا! وقد ذكر في كتابه الحكيم في سورة آل عمران: «كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِالله».

علم داعش
علم داعش

في اليوم الأول، وهو للتدريب العملى، خرجت مع مجاهدين أحدهما فرنسي يتحدث العربية بصعوبة، والآخر سعودي، وكان عملنا مقتصراً على توبيخ وزجر كل مَن يتأخر عن الصلاة.

فى الحقيقة كانت الناس مرعوبة منّا، فور رؤيتنا يغلقون المحال ويتجهون إلى المسجد قبل رفع الأذان بدقائق، كان السعودي يتعامل معهم بقسوة وغلظة، وكان الفرنسي مستسلماً تماماً لنزعات قائده، وكنت أنا في حيرة من أمري؛ نأمر الناس بالصلاة في وقتها بعُنف ولا نصلّيها نحن إلا متأخراً.

كنتُ خائفاً من البوح بما يدور بخاطري، وكنت أنظر إلى الناس من حولي وأرى الخوف بادياً أيضاً، وفي مرة، وفي أثناء تجوُّلنا، لمح قائدنا السعودى صورة قد علّقها أحد باعة الحلوى بدكانه، فنزل السعودي من سيارتنا واقتحم المحل وانهال على الرجل ضرباً، وكان الرجل مرتجفاً -وهذا حقّه- فاعتذر وتأسف، ولكن قائدنا كسر الصورة ببروازها على رأس الرجل. ولم أتمالك نفسي فتدخلت بتلقائية مُتسائلاً: «لماذا؟ إنها مجرد صورة».

ونظر قائدى بحنق واضح وتعجب، فأحسستُ بالخطر حتى شممتُ رائحته، فابتلعت لساني وسكتُّ!

حين عُدت إلى القاعدة، ودخلت غرفتي التي كان الفرنسي يشاركني فيها، بكيت… لا أعرف لِمَ!

كان وجه الرجل ونظراته المرعوبة تطاردنى. وجاء الأخ الفرنسى فسألني عن حالي، فقُلت: «لا شىء».

كنتُ أعيش في قلب الخطر، ولا أحد هناك مأمون الجانب، وجلس إلى جواري وحكي لي حكايته، كان يقول بعربية ركيكة إن إيماني ضعيف، وإن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف، وإن مَن رأى مُنكراً فليغيره بيده، وهذا ما فعله قائدنا، ثم حكى لى عن حياته في أوروبا وكيف كان يعيش متخبطاً وغارقاً في الملذّات حتي الثمالة، وكيف كانت حياته بلا هدف أو معني حتى تعرف على داعش عن طريق الإنترنت، وكيف تمكن من التواصل معه.. ثم استطرد وهو مأخوذ، أنه وجد لحياته وموته أيضاً معني، وأن الدولة الإسلامية صارت وطنه الحقيقى، ولن يتورّع في نسف نفسه في فرنسا لو لزم الأمر.

وكان الأسطى أحمد غارقاً في تساؤلاته.. لماذا يلجأ مَن عرف الحرية والعلم إلى العبودية والظلام؟ ولم يجد سوى إجابة واحدة..

إنها تخمة الحرية! 20% من تنظيم داعش من المهاجرين الأوروبيين.. فلِمَ؟ والأغرَب أن معظمهم من النساء! إنهم مثل الأبناء الذين عاني والدهم طوال عمره من أجل أن يوفر لهم حياة كريمة، فإذا بالأحفاد يكفرون بتلك النعمة وينظرون لها بمَلل ورتابة ويبحثون عن معانٍ أخرى ومبررات جديدة لحياتهم، فإذا بهم ينضمون لأفكار مناقضة لما عمل عليها أجدادهم.. أجدادهم الذين جاهدوا ودفعوا دماءهم من أجل الحرية، وحاربوا الكنيسة ثم السلطة ثم انحازوا لكل ما هو إنساني، ليأتي اليوم على أحفادهم فيكبّلون حرية الآخرين ويشاركون في احتلالهم!

وأردف صاحب العقل لصاحبه النجار: «ومرة، بالليل، وكنتُ أعد نفسي لقيام الليل، وأنا أرفع ذراعىّ استعداداً للصلاة فسمعت ضجة بالخارج، فخرجت. وإذا بمجموعة مكبَّلة من النساء والرجال يسحبونهم إلى داخل القاعدة، كانوا رجالاً ونساءً يشبهوننى ويشبهونك، كانوا عرباً… لا أعرف مَن هم ومن أين أتوا بهم!

أوقفوهم في صفين، وراح قائدنا السوري يتلو عليهم قائمة بجرائمهم، كان يقول إنهم شيعة وإيزيديون، ثم أمر بذبح الرجال وتوزيع النساء كسبايا على المجاهدين الذين تولوا أسْرهم..

وكنت أري الرجال يُذبحون كالخراف، والنساء وهم يقودهن إلى غرفهن الجديدة، فهزني الموقف، بل حطمني، وكان صديقي الفرنسي يقبض على كتفى ويحاول سحبي إلى داخل المسجد الكبير.

وبداخل المسجد، وكان الفجر قد أوشك، جاءني قائدي السعودي وسألني حالي، فقلت: ألم يكن من الأجدر بنا أن نحارب إسرائيل وهم العدو الحقيقي؟ أليس هم أولي بالقتل؟

غير أنه نظر لي نظرة طويلة ثم قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾، ثم تركني في حيرتي وانصرف للإمامة».

وقال الأسطى أحمد: «قائدك على حق، فإن سؤالك عن اليهود وعلاقتهم بداعش كان سيسىء فعلاً لك، فأنت تعتقد أن داعش يعني (الدولة الإسلامية في العراق والشام) ولكنك لم تفكر يوماً أن داعش كلمة عبرية في الأساس وتعني (المزيد من النار) ولك أن تختبر ذلك بنفسك على موقع الترجمة الخاص بجوجل..

اكتب فى خانة اللغة العربية (داعى اش) ثم ترجمها للعبرية ثم أعد ما تم ترجمته للعربية مرة أخري فستظهر لك (المزيد من النار).

ولك أن تتبع خط سير هذا التنظيم الذي يبدو وكأنه ظهر من العدم، في الحقيقة هو الوحش الذي تم تدريبه ليظهر في الوقت المناسب.

في البداية، يأتي الربيع العربي بالإسلاميين، فتسقط سوريا واليمن، العراق أصلاً سقطت مع موت صدام، ثم تأتي مصر بالإخوان المسلمين، وكأن الربيع العربي حركة إسلامية في الأساس لا حركة ثورية تصحيحية.

ثم تقرر أمريكا أن تتدخل فى ضرب سوريا فيعترض الدب الروسى فتنسحب وتطلق وحشها الجائع «داعش»، داعش الذي غزا العراق بـ5000 مقاتل، 5000 يغزون دولة عريقة -أو هكذا كانت قبل التدخل الأمريكي- ليجدوا دولة بلا جيش أو حكومة أو مدافع عنها، ثم يعلن داعش من البداية أنه لن يحارب إسرائيل، فداعش لم ولن يقتل يهودياً أبداً.

نموذج لبيوت بني إسرائيل
نموذج لبيوت بني إسرائيل

ثم تعالَ وانظر إلى الدول التي يستهدفها داعش، وهى مطابقة -يا لها من مفارقة عجيبة- مع دولة بني إسرائيل العظمي!

ثم انظر وتمعَّن، البقعة الوحيدة التي تنعم بالسلام والأمن فى ظل دول وحروب طائفية من حولها هي إسرائيل!

إسرائيل التي تسعي بذكاء لتحقيق حلمها دون مخاطرة.. تعتمد في خطتها عليك أنت أيها العربي السلفي الرجعي، تعتقد أنك هناك تحقق حلم الله غير أنك في الحقيقة تعيش تحت مظلة الشيطان..

إقرأ أيضا
وبينا معاد

في السنوات الفائتة، انظر إلى ما حصلوا عليه، سوريا والعراق والحرب دائرة فى سيناء وسد إثيوبيا..

فـ هل من مزيد؟

طبعًا! لقد دفعت بمهاجرين عرب استوطنوا أوروبا -أو فى طريقهم لاستوطانها مع الزمن- خصوصاً مع تزايد أعداد مواليد المسلمين مقارنةً بالسكان الأصليين لأوروبا، ثم أصبح داعش قبلة لكل من عاني من تخمة الحرية فكوّنوا منهم مجاهدين فى المنطقة العربية!

جنكيز خان
جنكيز خان

وفي الوقت نفسه يعتمد داعش على إظهار الإسلام في أقبح صورة ممكنة، صورة لا ينافسها سوي جيش جنكيز خان قديماً، ولك أن تصدق تأملاتى أو تكذبها، ولكن عليك أن تتخيل أن داعش جيش إسرائيل الخفي، وأنه انتصر فحصل على ما يريد ثم سلم الأراضى لبني إسرائيل على المفتاح تشطيب سوبر لوكس، فتظهر إسرائيل فى النهاية على أنها محررة الأرض العربية من المسلمين الهمَج.

ولكن دعك من تخريفاتى وأخبرنى كيف ولمَ تركت داعش؟»…

وفاق صاحب العقل من ذهوله وقال: «كنا نصلي الفجر، وكان قائدنا السوري يقرأ من سورة البقرة  (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ «9» يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِين آمنوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُون فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضا وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ «10» وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِى الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ «11» أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ «12» وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ «13» وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ «14» اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِى طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ «15» أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ «16» مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِى اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِى ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ «17» صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ «18» أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِى آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ «19» يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ).

حين سمعت (يخادعون الله والذين آمنوا) وأنا من الذين آمنوا! انفتح عقلي للآيات، لماذا لم يقل ورسوله؟

وأحسست أنني المقصود بالخدعة فاتبعت عقلي، إنهم مرضَى، فعلاً هم مرضَى بالتوحش والغل والتعصب، وهم المفسدون فى الأرض، ولكن لمَ لا يشعرون؟ لأنهم سفهاء.. ثم توقفت عند (وإذا خلوا إلى شياطينهم)..

أى شيطان يقصد المولى؟ ولماذا أضاف (هم)؟.. وهى تدل على أنهم يتبعون شياطين خاصة بهم فقط..

فـ هل يقصد الله تعالى بشياطينهم بني إسرائيل؟! إنهم فعلاً اشتروا الضلالة بالهدي فكيف ستربح تجارتهم إذن؟

ثم جاءت آيات العقاب فأيقنت أن العذاب سيُحاق بتلك الفئة الباغية، وانفطر قلبي، كيف تركت نفسي وعقلي وسعيت خلفهم ظناً مني أنني أسير خلف الحق؟ لقد كنت أتقرب إلى الله فوجدتنى تحت مظلة الشيطان بالفعل.

كنتُ أريد أن أرفع راية الإسلام عالياً فما قتلت ولا اغتصبت غير مسلمين مثلي! وكنت أحلم بالخلافة الإسلامية فوجدتنى أقاتل أخي لحساب عدوي، فأى حماقة! وفي أي ضلال كنتُ أعيش! واليوم بعدما انكشفت لي الحقيقة سأعمل ما يراه عقلي صالحاً ولن أكون دُمية يحركها أحد بعد اليوم.

الكاتب

  • بني إسرائيل عمرو عاشور

    روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...

    كاتب نجم جديد






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان