قصة التكية المصرية في مكة والمدينة “إنسانية الخير التي وُلِدَت مع الدماء والحرب”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
طالما عُرفت المحروسة بخيرها الوفير الممتد لخارج حدودها وأبرز دليل على ذلك التكية المصرية في مكة والمدينة المنورة.
لم يقتصر دور مصر في مكة والمدينة على مسألة الكسوة والعمارة، بل امتد إلى جوانب اقتصادية خيرية، غرابتها أنها تزامنت مع الدماء.
التكية المصرية في مكة والمدينة .. مرحلة ما قبل وبعد الدماء
أسست مصر التكية مرتين الأولى عام 1816 م في المدينة المنورة على يد إبراهيم باشا وذلك أثناء تحريرها من الوهابية والثانية على يد محمد علي باشا في نهاية تلك الحرب.
يفصل إبراهيم رفعت باشا في كتابه “مرآة الحرمين في الرّحلات الحجازية والحج ومشاعرُهُ الدّينيّة“، تفاصيل التكية المصرية في مكة حيث تأسست كصدقة جارية بمنطقة أجياد وكانت تفتح أبوابها على مصراعيها لجميع الفقراء على مدار اليوم فيتردد الجياع لتناول الطعام الذي يُقدم لهم والذي يتكون من رغيفين وطبق من الشوربة، وإن لوحظ أن فقرة مدقع يُعطى أكثر من ذلك.
كان الكثير من فقراء أهل مكة يعيشون على قوت تلك التكية، وليس ذلك فقط بل النساء كن يتعيشن بما تقدمه التكية لهن ويكتفين بذلك عن سؤال الناس، ويتنوع الطعام الذي كان يقدم من بين الأرز واللحم والخبز، حتى في شهر رمضان المبارك لا ينقطع عمل التكية بل يكثر الطعام ويكثر عدد الوافدين ووصل إلى 4000 شخص من رمضان حتى آخر ذي الحجة ولذلك بسبب ورود الكثير من الحجاج السودانيين والمغاربة وبعد انقضاء موسم الحج يرجع يتناقص العدد إلى 400 شخص.
تواجد في مكة العديد من التكايا الأخرى ولكن ما لوحظ أنه لا يوجد عليهم إقبال من الفقراء مثل التكية المصرية التي اهتمت بخدمة الفقراء الحجاج في الحرمين من جميع الشعوب الذين لا مأوى لهم ولا طعاما فضلا عن خدمة أهل البلد أنفسهم.
تألفت التكية المصرية في مكة والمدينة من مكان متسع ضم طاحون يتناوب عليها أربعة بغال لتطحن القمح، وبداخلها أيضًا مطبخ متسع بها ثمان أماكن للمِرْجَل يوضع عليها قِدر كبيرة من النحاس، وبها أيضًا مخبز لخبز العيش ومخزن، وغرف للمستخدمين، وفي التكية بيوت خلاء وحنفيات ماء، ومكان حسن المنظر مريح للوافد يتوسطة بركة ماء صناعية.
عُين للتكية ناظر ومعاون وكتبة للعمل من أجل خدمة الفقراء، وفي ميعاد صرف المرتبات، يقوم أمين المال والكاتب بإتمام تلك المهمة أيضًا، وليس ذلك فقط بل أثناء مدة الحج يتواجد الأطباء والصيادلة لرعاية المرضى ولصرف العلاج مجانًا سوء للمقيمين أو الوافدين.
بقيت التكية المصرية في مكة والمدينة مصدر توفير القوت للكثير من الفقراء والذي اعتمدت عليه الأسر المحتاجة، ولكن بدأت ملامح زوال تلك التكية في التوارد، فأولًا في عام 1952 عقب ثورة يوليو تغير اسم التكية ليصبح اسمها “المبرة المصرية” وقام الملك عبد العزيز بتجريدها من مصريتها وضمها إلى دولة السعودية لتقوم بالإشراف على إطعام فقراء الحرمين بدلًا من مصر، ووصولاً إلى عام 1983 محيت أثر التكية بالكامل حيث قامت السلطات السعودية بهدمها.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال