همتك نعدل الكفة
90   مشاهدة  

آخرها غزالة حديقة الحيوان في 2024م “أزمات التماثيل في مصر عرض قديم ومستمر”

التماثيل في مصر
  • باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



أزيل تمثال الغزالة الملاصق لتمثال نهضة مصر والمجاور لمدخل حديقة الحيوان في الجيزة، بعدما أثار غضبًا وسخرية من مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي خلال ال48 ساعة الماضية.

أزمة تمثال غزالة حديقة الحيوان كيف بدأت وانتهت ؟

تمثال الغزالة أمام حديقة الحيوان قبل إزالته
تمثال الغزالة أمام حديقة الحيوان قبل إزالته

قبل يومين انتبهت السوشيال ميديا لوجود تمثال غزالة مطلي باللون الأصفر ومشيد على قاعدة إسمنتية أمام حديقة حيوان الجيزة وعلى ناصية شارع مراد من ناحية ميدان نهضة مصر؛ وكان التمثال سيء المستوى الفني مما يؤدي سلبًا للتشويش البصري على تمثال نهضة مصر.

وجاء تشييد تمثال الغزالة بالمخالفة للقانون رقم 2409 لسنة 2016م الذي أصدره رئيس الوزراء السابق شريف إسماعيل، ويقضي بحظر وضع أي تماثيل أو لوحات جدارية أو أيٍ من المنحوتات في الميادين العامة بمحافظات مصر إلا بالرجوع لوزارتي الآثار والثقافة، وتم تكليف وزارة التنمية المحلية والمحافظين بتنفيذ القرار الذي نُشِر في الجريدة الرسمية.[1]

إزالة تمثال الغزالة
إزالة تمثال الغزالة

الدكتور أحمد هنو وزير الثقافة المصرية أعلن أنه تحرك عبر جهاز التنسيق الحضاري للتواصل مع محافظة الجيزة لكي تقوم برفع التمثال عقب نشرها له عبر صفحتها على فيس بوك.

رفع تمثال الغزالة
رفع تمثال الغزالة

وطوال يومين (أثناء وجود التمثال وبعد رفعه) واجهت محافظة الجيزة اتهامات بالمسؤولية عن وضع ذلك التمثال، لكنها في تصريح صحفي لجريدة الشروق أعلنت عدم مسؤوليتها عن الأمر وأن الشركة المطورة لحديقتي الحيوان والأورمان هما المسؤولتان عن التطوير سواءًا داخل حديقة الحيوان أو الحيز الخارجي لها.[2]

شكل أزمات التماثيل في مصر (مرحلة السياسة والوطنية)

نصب تمثال الغزالة
نصب تمثال الغزالة

شهدت مصر خلال السنوات القليلة الماضية سلسلةً من الأزمات مع التماثيل ذات المستوى الفني الضعيف، وجاءت في تطور لشكل الأزمات التاريخية للتماثيل عمومًا، والتي كانت أزماتها في البداية سياسية، ثم تطورت إلى غياب التنسيق لتصل إلى المستوى الفني الضعيف.

صناعة الأزمة بالسياسة .. تمثال إبراهيم باشا نموذجًا

التماثيل في مصر
تمثال إبراهيم باشا زمان

شُيِّد في القاهرة والجيزة مالا يقل عن 30 تمثال في ميادين مختلفة، كان أقدمها على الإطلاق هو تمثال إبراهيم باشا الذي تم البدء فيه سنة 1865م ووضع سنة 1868م بالتوازي مع وضع أسدي قصر النيل زمن الخديوي إسماعيل.

الشيخ محمد المهدي العباسي
الشيخ محمد المهدي العباسي

لعبت السياسة دورها في تاريخ التمثال عندما قامت الثورة العرابية سنة 1881م ووقعت مصر في الاحتلال البريطاني بعدها بعام، حينها كره المصريين أي شيء يمت للأسرة العلوية عمومًا والخديوي توفيق، فأرادوا الانتقام من أبيه الخديوي إسماعيل، فاستندوا لفتوى أصدرها الشيخ محمد المهدي العباسي مفتي الديار المصرية سنة 1882م فتوى تقول بأن حكم تمثال إبراهيم باشا وأسدي كوبري قصر النيل هو الكراهة التحريمية، فقرروا إزالة التمثال عن موضعه ثم هدأت الأوضاع ليعود لمكانه أمام الأوبرا.[3]

تمثال إبراهيم باشا في الستينيات
تمثال إبراهيم باشا في الستينيات

كاد أن يتكرر الأمر نفسه يتكرر مع تمثال إبراهيم باشا بعد ثورة يوليو، فرغم أن النظام الجمهوري تمثال سليمان باشا الفرنساوي من ميدانه إلى القلعة وحل بدلاً منه تمثال طلعت حرب في ستينيات القرن الماضي، إلا أن جمال عبدالناصر لما عُرِض عليه إزالة تمثال إبراهيم باشا رفض ذلك رفضًا قاطعًا.

جمال عبدالناصر
جمال عبدالناصر

يحكي الصحفي حلمي سلام أنه كان مع جمال عبدالناصر والبكباشي عبدالرحمن أمين سكرتير الاتحاد الرياضي العسكري، وطلب الأخير من جمال عبدالناصر إزالة تماثيل أسرة محمد علي، ولما سأل ناصر عن المقصود تحديدًا قال له تمثال إبراهيم باشا، فسخر منه عبدالناصر لكون عبدالرحمن أمين رجل عسكري ولابد أن يعرف أن إبراهيم باشا رمز من رموز الجيش المصري ولابد من احترامه.[4]

تغطية تمثال إبراهيم باشا
تغطية تمثال إبراهيم باشا

من المفارقات في التاريخ الحديث لأزمات تمثال إبراهيم باشا، أنه في سنة 2016م كان الملك سلمان يزور القاهرة وأثناء ذهابه لأداء صلاة الجمعة في الأزهر يوم 8 إبريل 2016م، كان تمثال إبراهيم باشا مغطىً بقماش، الأمر الذي فسرته السوشيال ميديا باحترام مشاعر الملك لكون إبراهيم باشا أسقط الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى، لكن تلك الشائعة نفتها مصر في حينها إذ ذكرت أن التمثال مغطىً من قبل زيارة الملك بـ 4 أشهر أصلاً لخضوعه لأعمال ترميم.[5]

تمثال ديليسبس .. وطنية حاضرة في أزمة متجددة

قصاصة خبرية لنسف تمثال ديليسيبس
قصاصة خبرية لنسف تمثال ديليسيبس

البعد الوطني في صناعة أزمة لتماثيل لم يغب أيضًا والنموذج على ذلك تمثال ديلسيبس الذي تم نسفه سنة 1956م، وقد جاء نسفه حسب تقارير إخبارية بسبب أنه خلال جلاء العدوان الثلاثى فى يوم 22 ديسمبر عام 1956م قام عسكري بريطاني بالصعود للتمثال ودهنه بالشحم رافعًا عليه علمي إنجلترا وفرنسا وهو ما استفز أهالي بورسعيد فقرروا إسقاط التمثال نفسه بعد جلاء العدوان، فذهب عشرات لهناك وقاموا بربطه وحاولوا إنزاله دون جدوى، فقاموا بـ 3 محاولات لتفجيره، لينزل بحركة بطيئة وتم فصل جسم التمثال عن قاعدته، ولخشية هيئة قناة السويس من سرقته قام أمين المخازن بالحصول على إذن من المهندس محمود يونس بتخزين التمثال في مخازن الهيئة.[6]

نقل تمثال ديليسبس لمتحف قناة السويس
نقل تمثال ديليسبس لمتحف قناة السويس

بقيت حالة التمثال كما هي إلى أن قرر اللواء سامي خضير محافظ بورسعيد (وأحد الذين شاركوا في نسف التمثال) أن يطرح فكرة إعادة التمثال مرةً أخرى للواجهة سنة 1989م وذلك في إطار تعاون اقتصادي بين مصر وفرنسا ولقي القرار حينها جدلاً ورفضًا[7]، ومنذ ذلك التاريخ تجددت أزمات التمثال في ظل رفض من أهالي بورسعيد في سنوات (1998م و2005م و2014م و2018م) والتي انتهت عام 2020م باستقرار التمثال في متحف قناة السويس بمحافظة الإسماعيلية.[8]

شكل أزمات التماثيل في مصر (مرحلة أزمات ما قبل العبث)

الاستعداد لنقل تمثال رمسيس 2006م - أرشيف د. خالد عبدالرحمن
الاستعداد لنقل تمثال رمسيس 2006م – أرشيف د. خالد عبدالرحمن

منذ أواخر التسعينيات لم يكن هناك وجود لتماثيل ذات أزمات باستثناء اقتراح نقل تمثال رمسيس من ميدانه الشهير إلى المتحف المصري، ولربما شهدت مصر أزمة التماثيل المشوهة ولم يكن فيها تغطية إعلامية نظرًا لأن الإعلام حينها كان ممثلاً في الجرائد.

صورة التمثال الذي من أجزاء حيوانية وآدمية
صورة التمثال الذي من أجزاء حيوانية وآدمية

لكن أزمة واحدة وغريبة شهدتها مصر سنة 1997م حينما أقدم الفنان التشكيلي أحمد دسوقي قرعلي بالاشتراك في المعرض التاسع لشباب الفنانين في الزمالك بتمثال، ثم ساوره تفكيره لابتكار فكرة جديدة مفادها صنع تمثال من أجزاء آدمية وحيوانية، واتفق مع تُرَبِي في الخانكة اسمه سمير ليحضر له بعض الأجراء الآدمية من المقابر وهي عبارة عن ساق وذراع، ثم اشترى جزء من ظهر خروف بالعامود الفقري من أحد الجزارين، فضلاً عن رأس قطة للدمج بين الإنسان والحيوان في تصميمه، ثم قام بتغطية أجزاء التمثال بطبقة من البولستر الشفاف، لكن اللجنة ارتابت في أمر التمثال وأبلغت الشرطة التي تولت التحقيق في الأمر، وعوقب النحات بالغرامة فيما سُجِن التُربِي.[9]

شكل أزمات التماثيل في مصر (عبث بلا هدف)

تماثيل أثارت السخرية في مصر
تماثيل أثارت السخرية في مصر

التطور الأخير والأسوأ بتاريخ أزمات التماثيل في مصر كانت خلال الفترة بين 2014م و2016م وهي هوجة التماثيل المشوهة والتي وصل عددها في أقل من عام ونصف إلى 15 تمثال لشخصيات عامة وتاريخية مثل نفرتيتي وأم كلثوم وعباس العقاد وأحمد عرابي ونجيب محفوظ[10]، ورغم سن قانون يحظر إقامة تماثيل في الميادين العامة دون الرجوع لوزارتي الثقافة والآثار، إلا أن الأمر تكرر سنة 2020م بتمثال مصر تنهض على سبيل المثال.[11]

الغريب في الأمر أن مصر تضم 6 كليات للفنون الجميلة (القاهرة والإسكندرية والمنصورة والمنيا وأسبوط وجنوب الوادي) ولم يتم اعتماد المحليات في المحافظات على الخريجين في صناعة تماثيل الميادين، وحاول خبراء إعطاء نصائح للمحليات بالاعتماد عليهم لكن دون جدوى لسبب غير واضح في مخالفة للقانون.[12]


[1]  الجريدة الرسمية، ع35 مكرر (د)، 7 سبتمبر 2016م، ص2.

[2]  شريف حربي ويارا صبري، رئيس التنسيق الحضاري: وضع تمثال الغزالة بجانب نهضة مصر لم يكن مناسبًا، جريدة الشروق، س16، ع5680، 21 أغسطس 2024م، ص1.

[3]  خالد أبو الروس، الشيخ المهدي العباسي رجل الإصلاح في الأزهر، جريدة النهار، ع2792، 14 يونيو 2016م، ص26.

[4]  حلمي سلام، أنا وثوار يوليو، ط/1، دار ثابت، القاهرة ـ مصر، 1406هـ / 1986م، ص ص77–78.

إقرأ أيضا
رأس الحسين في دار خزائن السلاح

[5]  إيهاب مصطفى، بالصور.. بدء أعمال التجديد بتمثال إبراهيم باشا، موقع البوابة نيوز، 31 يناير 2016م

[6]  محمد عزام، أسرار جديدة حول إسقاط تمثال ديلسيبس ببورسعيد، موقع اليوم السابع، 6 يناير 2022م

[7]  سمية أحمد، ونحن نحتفل بانتصارات أكتوبر .. البعض يفكر في إعادة تمثال ديليسبس، جريدة الجمهورية، 5 أكتوبر 1989م، ص5.

[8]  هاني عبدالرحمن، وصول تمثال ديليسبس إلى مقر المتحف العالمي لقناة السويس بالإسماعيلية (صور)، موقع المصري اليوم، 10 أكتوبر 2020م

[9]  حنان بكري، فنان تشكيلي يصنع تمثالاً من أجزاء آدمية وحيوانية، الأهرام، 9 أكتوبر 1997م، ص21.

[10]  كريم جمال، 15 تمثالاً أثارت سخرية المصريين .. صور، موقع صدى البلد، 24 أغسطس 2016م

[11]  عبدالفتاح فرج، تمثال «مصر تنهض» يثير سخرية جمهور «السوشيال ميديا»، موقع جريدة الشرق الأوسط، 3 أغسطس 2020م

[12]  عبدالله عويس، تماثيل الميادين المصرية تحت “مطارق الهواة”، موقع اندبندنت عربية، 10 فبراير 2023م

الكاتب

  • التماثيل في مصر وسيم عفيفي

    باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان